الدوحة عاصمة أفغانستان الثانية

الدوحة – باتت العاصمة القطرية قبلة اللقاءات والاجتماعات الهادفة إلى ترتيب الأوضاع في أفغانستان ما بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد، ما يجعلها بمثابة عاصمة ثانية لأفغانستان بعد العاصمة كابول، خاصة مع نقل سفارات الولايات المتحدة واليابان إلى الدوحة، واستمرار فتح قنوات التواصل بين الحركة ودبلوماسيين من مختلف الدول.
وفي الوقت الذي انقطعت فيه اتصالات دول غربية بأعداد من مواطنيها بعد السقوط المفاجئ لكابول وما تلاه من زحمة في مطارها الدولي، كانت الدوحة حلقة وصل رئيسية وساهمت في إجلاء الآلاف من الأجانب والأفغان المتعاونين مع دول غربية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طلب خلال قمة بغداد الأخيرة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المساعدة على إجلاء فرنسيين من أفغانستان، في ضوء العلاقة المميزة التي تقيمها الدوحة مع طالبان من خلال استضافتها قياديي الحركة على مدى سنوات طويلة وفتح قنوات التواصل بينهم وبين مسؤولين غربيين وإقامة حوارات كان من نتائجها اتفاق فبراير 2020 بين الحركة وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو الاتفاق الذي أفضى إلى قرار واشنطن الانسحاب من أفغانستان.

لولوة الخاطر: لو تَعلّق الأمر بالمكاسب السياسية ما كنا خاطرنا بعناصرنا
ويقول مراقبون إن دور قطر في تأمين إجلاء الآلاف من الأجانب والأفغان هو امتداد للثقة التي حازتها الدوحة في علاقتها مع طالبان والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة التي تعرف أكثر من غيرها مستوى العلاقة بين الطرفين وحجم التأثير القطري على الحركة الإسلامية المتشددة.
واعترفت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر بالمكاسب السياسية التي حققتها قطر في الأسابيع الماضية، لكنها رفضت أي إشارة إلى أن الأمر كان ضمن استراتيجية مسبقة.
وأضافت “إذا افترض أي شخص أن الأمر يتعلق فقط بالمكاسب السياسية، فهناك طرق للقيام بالعلاقات العامة أسهل بكثير من المخاطرة بأفرادنا هناك على الأرض”، في إشارة إلى الدور المحفوف بالمخاطر من خلال التوسط في إجلاء اللاجئين.
ويعتقد المراقبون أن الخطاب السياسي الجديد لطالبان -القائم على الانفتاح على الغرب، وإظهار الرغبة في التعاون مع فرقاء أفغان آخرين لتشكيل حكومة جماعية، وتبديد المخاوف بشأن مواضيع مثل وضع المرأة- هو نتيجة نصائح قطرية هادفة إلى إظهار قدرة الدوحة على التأثير على الحركة وجلبها إلى مربع الاعتدال والتعامل مع الغرب، والتعبير عن استعدادها لمواجهة الإرهاب مثلما جرى بعد هجوم داعش – خراسان على المطار.
خلال فترة حكمها السابق بين 1996 و2001 فرضت طالبان نموذجا متشددا من الشريعة الإسلامية، حرم النساء من العمل والدراسة فيما واجه السارقون والقتلة أقسى العقوبات.
وفي المرحلة الانتقالية التي تتسم بالغموض في أفغانستان ستلعب الدوحة دور العاصمة البديلة لكابول. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الاثنين إن الولايات المتحدة علقت وجودها الدبلوماسي في أفغانستان وستقوم بعملياتها انطلاقا من قطر.
كما أعلنت وزارة الخارجية اليابانية أنها تخطط لنقل سفارتها لدى كابول إلى قطر “بشكل مؤقت”، عقب سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وهي خطوة ينتظر أن تتبعها خطوات مماثلة من سفارات وبعثات دبلوماسية أخرى.
وباتت مواقف طالبان تتسم باللين حتى تجاه من عرفوا بعدائهم لها ودعمهم لخصومها مثل الهند، ولا شك في أن هذا التطور ناجم عن تأثير قطر.

والتقى السفير الهندي لدى قطر ديباك ميتال الثلاثاء ممثل المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة شير محمد عباس ستانيكزاي. وقالت وزارة الخارجية الهندية في بيان إن السفير شدد خلال الاجتماع على ضرورة ألا يتم استخدام الأراضي الأفغانية “مأوى للنشاطات المناهضة للهند أو أي أعمال إرهابية”.
وتراهن دول غربية على أن تلعب قطر صحبة تركيا دورا مستقبليا في مطار كابول على الأقل خلال الفترة التي يستمر فيها إجلاء اللاجئين بعد نهاية المهلة المحددة لذلك مع بداية شهر سبتمبر الجاري.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الثلاثاء إن حركة طالبان تجري محادثات مع قطر وتركيا بشأن إدارة مطار كابول وإنه ينبغي عليها تأمين المطار في أقرب وقت ممكن كي يتمكن من يريدون مغادرة أفغانستان من الرحيل على متن رحلات تجارية.
وفي هذا السياق حث الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، حركة طالبان على قبول المساعدة الخارجية لتشغيل المطار، لأن شركات الطيران لا يمكنها السفر إلى كابول دون استيفاء معايير أمنية معينة، وهي النصيحة التي يتوقع أن تأخذ بها الحركة لتأمين تواصلها مع العالم الخارجي وفتح الباب أمام الاعتراف الدبلوماسي بها.
وقال في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز إن ما تحاول قطر شرحه لطالبان هو أن سلامة المطار وأمنه يتطلبان أكثر بكثير من مجرد تأمين محيطه. والدور الذي ستلعبه قطر في مستقبل أفغانستان غير واضح، علما أن رئيس المكتب السياسي لطالبان ونائب زعيمها الملا عبدالغني برادر عاد إلى أفغانستان في طائرة تابعة للقوات الجوية القطرية.
هذا ولا يزال الكثير من أعضاء الحركة في قطر وكذلك فريق التفاوض السابق للحكومة الأفغانية الذي صار الآن يواجه مستقبلا غامضا.