الدلال والتسلط يضعفان شخصية الطفل

مقارنة الطفل بأقرانه تصيبه بالإحباط، والأساليب التربوية غير المتوازنة تفقد الطفل ثقته في نفسه.
الاثنين 2018/10/01
مرحلة الإحساس بالعجز أو بالثقة في النفس

يعتبر علماء النفس والاجتماع أن الثقة في النفس حصن يحمي شخصية الطفل ويضمن سلامة نموه النفسي والعقلي. وتلعب البيئة الأسرية دورا محوريا ومحددا لثقة الطفل في نفسه حيث يتأثر بما يتلقاه من بقية أفراد الأسرة من كلام وأفعال، وبحسب الطريقة التربوية التي يعامل بها في سنواته الأولى يبني ثقته في نفسه فإما أن يكون واثقا في نفسه بشكل متزن دون الوقوع في الأنانية أو الغرور وإما أن يكون غير واثق في نفسه معتادا على الشعور بالدونية والنقص.

القاهرة – تكون الدرجات الأولى من الثقة في النفس لدى الطفل في الإطار الأسري ثم يستمر هذا التكوين عند احتكاكه بالآخر خارج البيت، وقد تلعب المدرسة والاحتكاك بالزملاء والأقران والمدرسين دورا هاما في ذلك قد يفوق أحيانا حجم تأثير الأسرة لأن المدرسة بدورها أحد الفضاءات التي تساهم في بناء شخصية الطفل فإما أن تعمل على تقوية ثقته في نفسه وإما تتسبب في زعزعتها.

وتقول أستاذة علم نفس الأطفال فؤادة هدية إن الثقة في النفس هي ما يكنه الطفل لنفسه من مشاعر إيجابية وقبول، وتظهر من خلال قدرته على التعبير عن نفسه، فالثقة لدى الطفل هي الطريق الأمثل لتحقيق النجاح في الحياة الأكاديمية والعملية، لأنها الأداة التي يثبت بها ذاته فيؤثر في الغير ويتأثر بهم، كما أنها بمثابة جواز السفر لمعترك الحياة مستقبلاً، وهي تساعد الطفل على اتقان فن الاحتكاك بالغير والاندماج معه، فالطفل الواثق في نفسه يصبح رجلا قادرا على تحمّل المسؤولية التي قد تلقى عاتقه في المستقبل.

وتؤكد هدية أن للأسرة دورا كبيرا في تكوين المشاعر الإيجابية لدى الطفل تجاه نفسه، فإذا تعاملت الأسرة معه على أنه شخص محبوب متميّز وجدير بالاهتمام، أكسبته أرضية صالحة لتكوين ذاته وكسب ثقته في نفسه أمام الآخرين، فهو يرى ويدرك نفسه في عيون أفراد أسرته ثم غيرهم، أما إذا تعاملت معه على أنه شخص غير مرغوب فيه، واستخدمت القسوة أو العقاب الشديد في معاملته، فإن ذلك ينعكس بشكل سلبي على نفسيته، وبالتالي على ثقته في نفسه.

وتأتي الأم في مقدمة أفراد الأسرة كونها تحتل مكانة بارزة في حياة الطفل، فهي المربي والموجه الأول، وهي المصدر الرئيسي للحنان والرعاية، فإذا أحسنت تربيته ومعاملته بلا إفراط أو تفريط في حقوقه ينشأ طفلاً لديه ثقة في نفسه. ثم يأتي بعد ذلك دور الأب والأشقاء إن وجدوا وفي نطاق أوسع بقية أفراد العائلة الموسعة وصولا إلى المؤسسات التربوية.

وفي المرحلة الأولى لخروج الطفل من فضاء الأسرة إلى المجتمع يتنزل دور الحضانة في تكوين الثقة في النفس لدى الطفل، فهي أول مجتمع بعد المنزل يحتك به الطفل، وفيها يقضي معظم أوقاته، لذلك لا بد من توفير المناخ الملائم لتنشئة الطفل. وتشير هدية إلى أن سوء معاملة الطفل يؤثر على تحصيله الدراسي، فتدني مستوى التقدير للطفل يؤدي إلى تدني مستواه الدراسي، إذ أن ثقة الطفل في نفسه لا تولد مع ميلاده ولا يرثها من والديه، وإنما يكتسبها من التفاعل مع الآخرين، ومن التنشئة الاجتماعية السليمة، والتي تبدأ بالأسرة والحضانة.

المعلمة تمتلك مفاتيح رفع الروح المعنوية والثقة في النفس عند الأطفال، لذا يجب التدقيق في اختيارها

من جانبها ترى أستاذة الصحة العامة وصحة الطفل العقلية بجامعة عين شمس سامية عزيز أن الثقة في النفس موجودة لدى الطفل منذ الولادة، فالسنتان الأوليان من عمره تسميان مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة، ومنذ ولادة الطفل توجد لديه احتياجات، إما مادية كالأكل والشرب والرضاعة، وإما معنوية كالحب والإحساس بالأمان، فإذا تمّ إشباع هذه الحاجات عنده نشأت بداخله الثقة في النفس وفي من حوله، أما عدم إشباعها فيؤدي إلى فقدان الثقة في النفس، وخاصة عند الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقات الذهنية.

وأشارت سامية إلى أن المرحلة الابتدائية تعتبر مرحلة الإنجاز أو الإحساس بالفشل والعجز، فالمرحلة الأولى من التعليم الأساسي هي المؤثر الفعال في تكوين الثقة في النفس لدى الطفل بجانب الدور الفعال للأسرة، لذلك يجب الاهتمام بهذه المرحلة وباختيار القائمين عليها، فإذا ركزت على مناطق القوة فسوف يتحسّن الطفل دراسياً واجتماعياً، ومن هنا يأتي دور المربية أو المعلمة، فهي التي تملك مفاتيح رفع الروح المعنوية للطفل، وبالتالي يجب التدقيق في اختيارها، فتشجيعها المستمر للطفل وبحثها الدائم عن مناطق التفوق لديه يزرعان بداخله بذور الثقة في النفس، فالطفل غير المتفوق دراسياً يمكن أن ينجز أعمالاً أخرى ويبدع فيها كالرسم والموسيقى، والأنشطة التي تخلق إحساساً عالياً لديه بالثقة في النفس.

وتعدد أستاذة الصحة العامة وصحة الطفل العقلية سامية الأسباب التي تقف وراء فقدان الطفل لثقته في نفسه، ومن أهمها مقارنته بأقرانه، وبمن أفضل منه دراسياً أو جسدياً، فهذه المقارنة لها أثر سيء على الطفل، حيث تخلق لديه غيرة وحسدا تجاه الآخرين، لأن الطفل قد تكون قدراته محدودة فيصاب بمشاعر سلبية تجاه غيره لشعوره بالنقص في أن يكون مثلهم، وكذلك الدلال المفرط أو الصرامة الشديدة مع الزجر والتوبيخ لأتفه الأسباب أمام الآخرين، إضافة إلى الأساليب الخاطئة التي تتبعها المدرسة في تنشئة الطفل، كالاختيارغير المناسب للمعلمين، وعدم إعدادهم بشكل جيد.

ويؤكد أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس إلهامي عبدالعزيز، أن الحماية المبالغ فيها كقيام الأم نيابة عن الطفل بما وجب عليه فعله كواجباته المدرسية وحمل حقيبته، من الأمور التي تؤدي في النهاية إلى شعور الطفل بالعجز عن القيام بما يستطيع فعله، بجانب التسلّط المبالغ فيه من قبل أفراد الأسرة لفرض آرائهم على الأبناء، وبالتالي حرمانهم من الاستقلال في التعبير عن الرأي والمبادرة.

هذا أيضاً ينطبق على الحضانة، فالمعلمة التي تقول للأطفال إنهم أسوأ ما رأت عيناها، وأنهم غير قادرين على فهم ما تقول، تشعرهم بالإحباط وتضعف لديهم الثقة في النفس، وهذا ينسحب أيضاً على المعلمة المتسلطة التي تعتبر أن فلسفة التربية الصحيحة تكمن في سلب إرادة الطفل، وهي الآمر الناهي دون إعطاء الطفل فرصة.

ويضيف أن عدم معرفة إمكانيات الطفل يضعف ثقته في نفسه، فمعرفة إمكانيات الفرد وقدراته وما يستطيع القيام به تخلق درجة من درجات التوافق بين الطموح والقدرة، فإذا زادت هذه الدرجة حيث كان الطموح أكبر من الإمكانيات انتقلنا من الثقة في النفس إلى التهور، وإذا قل الطموح عن الإمكانيات، فذلك يدل على ضعف الثقة في النفس.

21