الدكتور علي بن تميم: نسعى إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في أوروبا

ندوة في باريس حول الجهود الكبرى للإمارات للحفاظ على لغة الضاد وحضارتها.
الجمعة 2024/10/25
لدينا إستراتيجيا لمعالجة القضية اللغوية

مبادرات ومشاريع متعددة أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مسار دعم حضور اللغة العربية دوليا، والتشجيع على القراءة وفتح آفاق التعاون بين الحضارات، وهو ما اضطلعت به مؤسسات إماراتية نجحت في مهمتها التي تتطور عاما بعد عام عبر المبادرات والفعاليات والدعم والمواكبة وغيرها، ومن بين هذه المؤسسات مركز أبوظبي للغة العربية.

ألقى الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، خلال زيارته للعاصمة الفرنسية مؤخرا محاضرة في معهد العالم العربي بباريس، سلط خلالها الضوء على جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة اللغة والثقافة العربية، تقديرا لما تقدمه من مبادرات وما تقوم به من مشروعات، وما تصدره من مؤلفات تصب جميعها في خدمة لغة الضاد.

وواكب المحاضرة، هذا الأسبوع، حشد من المثقفين والإعلاميين العرب والفرنسيين والأجانب، الذين تقدمهم جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي السابق ورئيس معهد العالم العربي، ومدير المعهد الشاعر شوقي عبدالأمير، وعدد من الشخصيات الدبلوماسية، وخبراء وباحثون في شؤون لغة الضاد، وممثلون لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، إضافة إلى حضور طلبة أقسام اللغة العربية في عدد من الجامعات الفرنسية وخاصة من جامعة السوربون.

النهوض باللغة العربية

بداية أكد الدكتور علي بن تميم أن السياسات اللغوية في دولة الإمارات العربية المتحدة تحظى برعاية خاصة منذ تأسيسها، فقد نص الدستور الإماراتي المؤقت (1971) والدائم (1996) على أن دولة الإمارات “جزء من العالم العربي الكبير، الذي تربطها به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك”.

وأشار إلى أن مركز أبوظبي للغة العربية يعمل من خلال أهدافه الإستراتيجية الثابتة، ويسعى إلى النهوض باللغة العربية في جميع المجالات.

وقال بن تميم إن “الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أبرز في أحاديثه وخطبه ومقابلاته، هذه المعاني التي تُعلي من شأن اللغة العربية وتؤكد أهميتها، وهو ما تُرجم إلى سياسات عملية، ومواقف فعلية، ومؤسسات ومبادرات، في مسيرة تنموية جمعت الأصالة والمعاصرة، جعلت الإمارات نموذجا فريدا وإضافة مميزة إلى سردية الحضارة العربية القائمة على احترام الآخر والتواصل معه”.

جائزة الشيخ زايد للكتاب دعمت حركة الترجمة التي من شأنها بعث الحياة في اللغة العربية وتنشيط الإنتاج بها

ولفت الدكتور في محاضرته التي جاءت بعنوان “السياسات اللغوية في دولة الإمارات”، والتي سلط من خلالها الضوء على أهم المُبادرات الإماراتية الكُبرى للحفاظ على اللغة العربية والنهوض بها، إلى أن هذه هي المكتسبات التي تجلت وبلغت ذرى مجدها اليوم، خاصة مع وضع اللغة العربية موضعها من النسيج المعاصر للهوية الثقافية، والعناية الرسمية بها عناية بالغة، من خلال مبادرات وجهود حثيثة تبذلها الدولة للحفاظ على اللغة العربية وتمكينها في جوانب الحياة اليومية كافة، لتجعلها في المكانة التي تليق بها بين اللغات القادرة على مواكبة موجات التحديث والتطور العالمية.

وأكد رئيس مركز أبوظبي للغة العربية أن دولة الإمارات وضعت على عاتقها مهمة النهوض باللغة العربية وتمكينها من خلال إستراتيجية عمل تُشرف على تنفيذها جهات ومؤسسات وطنية عدة، وأطلقت مبادرات تصب جميعا في مصلحة تمكين اللغة العربية.

وبحسب قوله، فقد كان الوعي بذلك مُوجها لحمايتها والنهوض بها بإنشاء جمعية حماية اللغة العربية (1999)، والمجلس الاستشاري للغة العربية (2012)، ولجنة تحديث تعليم اللغة العربية (2012)، وتحدي القراءة العربي (2015)، وإطلاق مجمع اللغة العربية بالشارقة (2016)، ومركز أبوظبي للغة العربية (2020) الذي يتبنى مشروعات كبيرة في خدمة اللغة العربية على مستوى النشر والترجمة وتنظيم المؤتمرات والمهرجانات التي تحتفي بالعربية وثقافتها، ويطرح عددا من الجوائز التي باتت محط اهتمام محلي وعالمي.

مشروعات ومبادرات

الإمارات تسعى للنهوض باللغة العربية وتمكينها من خلال إستراتيجية عمل تشرف على تنفيذها جهات ومؤسسات عدة

سلط بن تميم الضوء على احتفاء دولة الإمارات في كل عام بالقراءة تنفيذا لقرار مجلس الوزراء الذي حدد شهر مارس شهرا وطنيا من كل عام للقراءة، لتعزيز وتكثيف المبادرات والبرامج المشجعة على القراءة. وعلى رأس هذه المبادرات مبادرة “تحدي القراءة” التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2015 من جملة مبادرات كثيرة تهدف إلى النهوض باللغة العربية. وكذلك “مؤشر الإمارات الوطني للقراءة” وهو مؤشر إستراتيجي أطلقته وزارة الثقافة بالتعاون مع المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء يهدف إلى قياس واقع القراءة بين أفراد المجتمع المحلي.

وقال إننا نحتفل اليوم بإعلان اكتمال أبرز مشاريع مجمع اللغة العربية في الشارقة، مشروع “المعجم التاريخي للغة العربية”، في 127 مجلدا، وهذا المعجم إنجاز فريد في بابه، وهو ثمرة صبر وعمل دؤوب، ويشكل وثيقة لغوية تاريخية دائمة ومتجددة. حري بنا أن نحتفل بهذا العمل الضخم ونحافظ عليه وندعمه بقوة.

ونوه بما للجوائز من أثر كبير في واقع اللغة العربية، من خلال تعزيز الإنتاج بها نوعيا وكميا، ورعاية آداب العربية وفنونها، الفصيح والعامي على السواء، ودفع حركة الترجمة منها وإليها، ورفدها بجملة من الدراسات المحكمة. ولا شك أن جائزة الشيخ زايد للكتاب مثال حي على هذه الحركة التي من شأنها بعث الحياة في اللغة العربية وتنشيط معامل الإنتاج بها. ومن الجوائز التي يمكن أنْ تُذكر هنا: جائزة محمد بن راشد للغة العربية، وجائزة الألكسو – الشارقة للدراسات اللغوية والمُعجمية، بالإضافة إلى جائزتي كنز الجيل وسرد الذهب، وهما جائزتان أطلقها مركز أبوظبي للغة العربية عامي 2022 و2023 على التوالي.

وتحدث بن تميم عن مركز أبوظبي للغة العربية، وما يضطلع به من مهمات متعددة في سبيل النهوض باللغة العربية، ويُلْحظ بروز الجانب الإستراتيجي في معالجة القضية اللغوية.

بن تميم سلط الضوء على احتفاء دولة الإمارات في كل عام بالقراءة تنفيذا لقرار مجلس الوزراء الذي حدد شهر مارس شهرا وطنيا من كل عام للقراءة

ولفت إلى دور مشروع كلمة للترجمة الذي يديره مركز أبوظبي للغة العربية، الذي أسهم منذ، انطلاقته عام 2007، في رفد المكتبة العربية بأكثر من 1283 كتابا مُترجما من حوالي 22 لغة، موضحا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تضع اللغة العربية في عين اهتمامها من خلال مشروعات ثقافية ومبادرات منهجية وسياسات مدروسة، تهدف إلى حضور اللغة العربية في السردية الحضارية وربطها بالهوية الثقافية وتحديات العصر.

وتوجه رئيس مركز أبوظبي للغة العربية بخالص التهنئة والتقدير لمعهد العالم العربي في باريس، وذلك بمناسبة فوزه المُستحق بجائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية في فئة مُبادرة تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية، ومنح المعهد “شهادة سمة” للناطقين بغير العربية، والتي تُعتبر أكبر اختبار وشهادة دولية في مجال إتقان لغة الضاد للأجانب.

وأعرب بن تميم عن سعادته بأن يكون مركز أبوظبي للغة العربية شريكا وداعما لهذا الاختبار المُهم “سمة”، الذي يُعد أول شهادة لقياس كفاءة الأفراد باللغة العربية الحديثة، تُمنح لهم بعد الخضوع لاختبار علمي لتقييم كفاءتهم في الفهم والتعبير باللغة العربية.

وذكر أن الشراكة بين مركز أبوظبي للغة العربية، ومعهد العالم العربي انطلقت في أكتوبر 2021، وبدأت هذه الشراكة منذ انطلاقتها تتكلل بالنجاح. مؤكدا أننا “نتجه معا نحو تعزيز مكانة اللغة العربية عالميا، ونحو سُبل أوسع للتعريف بالعربية وثقافتها وفنونها ومُنجزها الحضاري، في فرنسا وأوروبا”.

وقال إننا “نؤمن بأن هذه المهمة يضعها معهد العالم العربي نصب عينيه ويسعى إلى تنفيذها بكفاءة واقتدار. وليس هذا اللقاء الذي نحن فيه إلا إشارة دالة في هذه الطريق التي تقودنا إلى الاحتفاء باللغة العربية ‘كنز فرنسا’، كما  أحب جاك لانغ أنْ يصفها بحق. وقد جمعتنا بمعهد العالم العربي شراكة قوية، أفضت إلى توقيع اتفاقية كانت تنفيذا لتوجيهات القيادة الحكيمة لدولة الإمارات في يناير 2021، بتخصيص منحة لدعم معهد العالم العربي في باريس، تحفيزا للجهود العالمية المُشتركة لنشر اللغة العربية وتعزيز مكانتها العالمية”.

13