الدفن قبل الموت

الجمعة 2016/08/05

كل وزير يعيَن على رأس وزارة الثقافة في الجزائر، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، يسلك نفس السلوك المتميز بالمجافاة والإنكار تجاه المثقفين والأدباء الجزائريين وخاصة أولئك الذين يقيمون بينهم وبين السلطة الحاكمة مسافة نقدية نزيهة، ويظن هذا الوزير أو ذاك نفسه هو الأديب الأريب، والمثقف الألمعي والمفكر الذي لا يشق له الغبار. عندما تدخل مقرَ وزارة الثقافة الجزائرية لا تجد فيها غير الإداريين وكلهم لا علاقة لهم بالثقافة كإبداع ما عدا كمشة منهم لا ترى إلا بالمجهر وكثيرا ما تهمش هي بدورها.

والغريب في الأمر هو أن وزارة الثقافة الجزائرية لا تختلف طبيعتها عن طبيعة الأحزاب في هذا الزمان الرديء التي تقيس كل شي بمعيار الموالاة لها، وبخلاف ذلك فإنها تعتبرك خصما لدودا تجب إدارة الظهر له في أحسن الأحوال وإبعاده عن نشاطاتها بشكل مستمر ومنهجي. ومن الظواهر الأكثر غرابة ومأساوية ظاهرة إقصاء الكتاب الكبار أمثال الدكتور محمد أركون، ومحمد ديب، وكاتب ياسين، وعبدالقادر فراح وغيرهم عندما كانوا أحياء مما أدى بهم إلى اختيار ديار الغربة موطنا لهم كما في حالة أركون وفرَاح وديب أو العيش في حلة الفقر والضياع، والعزلة القاتلة، ومغالبة المرض حتى الوفاة كما كان الوضع مع الروائي والشاعر والمسرحي كاتب ياسين.

إن فرنسا هي وحدها التي كرمت هذا الأديب الكبير بجائزة الدولة الفرنسية للآداب أما الجزائر فلم تقدم له شيئا يذكر في حياته أو عند وفاته سوى تسمية مسرح يتيم باسمه. فالروائي الجزائري محمد ديب لم ينل وساما أو تكريما ببلده الأصلي طوال حياته، ولم يدع للمشاركة في الحياة الأدبية شخصيا علما أن روايته الثلاثية وأعماله الإبداعية الأخرى تمثل علامة مضيئة في الأدب الوطني التحرري وتصنف في الغرب ضمن الأعمال الأدبية الكلاسيكية العالمية. ومما يحزن له هو أن هذا الأديب الذي كان يسكن في منزل أقل من بسيط في منطقة شعبية تابعة لبلدية باريس قد توفي ودفن في فرنسا ولم تتحرك وزارة الثقافة لنقل جثمانه إلى موطنه الجزائر وفضلا عن ذلك فلا أحد يعرف الآن شيئا عن أعماله الأدبية التي تركها غير منشورة أو مطبوعة في كتب وعن أفراد عائلته.

أما محمد أركون الذي يعتبر بحق أحد المفكرين البارزين في مجال الإسلاميات التطبيقية في الجزائر والعالم العربي وأوروبا/ الغرب فهو بدوره قد عانى من مرارة التجاهل الجزائري الرسمي، وأكثر من ذلك فقد أبعد عن الحياة الفكرية والثقافية الجزائرية حتى أدركه الموت ودفن في المغرب الذي احتضنه وقدَره، ويعود السبب إلى نقده لأيديولوجيا الكفاح التي حوَلت جزائر ما بعد الاستقلال إلى مزرعة للعسكر، والأمن، والاستبداد السياسي من طرف شلة من أشباه السياسيين. هناك العشرات من الأدباء والمفكرين الجزائريين الذين يهمشون الآن ويوضعون في صناديق النسيان.

كاتب من الجزائر مقيم بلندن

15