الدفاع عن الديمقراطية في ميانمار ليس دفاعا عن سو تشي

تعكس دعوات الدول الغربية لاسترجاع الديمقراطية في ميانمار، دون ذكر رئيستها أونغ سان سو تشي، تراجع مصداقية الزعيمة الحائزة على جائزة نوبل للسلام لدى الدوائر الغربية التي راهنت في فترة ما عليها لتكريس الحكم المدني.
بروكسل - قال دبلوماسيون ونواب إن فقدان أونغ سان سو تشي مكانتها كرمز لحقوق الإنسان قلل من حماس الغرب لها باعتبارها زعيمة لميانمار، لكن الحكومات الغربية ستطالب بإخلاء سبيلها بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد الاثنين من أجل العودة إلى الحكم الديمقراطي.
وندد زعماء غربيون باستيلاء الجيش على السلطة ودعوا إلى الإفراج عن القيادات المعتقلة، غير أن حكومات أوروبية كثيرة اختارت ألا تذكر سو تشي بالاسم في بياناتها.
وطالب وزير خارجية هولندا ستيف بلوك على تويتر “بالإفراج الفوري عن جميع الساسة المنتخبين ديمقراطيا وممثلي المجتمع المدني”.
وقالت هايدي هاوتالا نائبة رئيس البرلمان الأوروبي والوزيرة السابقة في الحكومة الفنلندية، والتي التقت سو تشي في 2013 في ميانمار، إن فوز حزبها الساحق في انتخابات الثامن من فبراير من شأنه أن يجعلها شخصية محورية في أي عودة إلى الديمقراطية.
وتعتبر الانتخابات استفتاء على الحكم الديمقراطي الوليد الذي خطت سو تشي خطواته الأولى. لكن هاوتالا قالت أيضا “لن ننسى ما قالته عن الروهينغا في محكمة العدل الدولية. فقد أفسدت سمعتها الدولية كشخصية مدافعة عن حقوق الإنسان بتأييدها الصريح جدا للجيش في قضية الإبادة الجماعية”.
ولسنوات طويلة ظلت سو تشي تحظى بمكانة خاصة كناشطة من أجل الديمقراطية ونالت جائزة نوبل للسلام وهي قيد الإقامة الجبرية في 1991، ثم استُقبلت بحفاوة في البيت الأبيض وأصبحت موضوعا لفيلم عام 2011. لكنها واجهت بعد انتخابها زعيمة لبلادها عام 2015 انتقادات دولية لدفاعها في مواجهة ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية بحق سكان ميانمار من الروهينغا.
وكانت سو تشي قادت في ديسمبر 2019 فريق الدفاع القانوني أمام المحكمة العالمية في لاهاي، حيث تواجه بلادها اتهامات بارتكاب إبادة جماعية بحق مسلمي الروهينغا.
ويرى متابعون أنه لا يمكن تفادي القول إن سو تشي تستغل مأساة الروهينغا لتعزيز فرص حزبها في الانتخابات المزمع إجراؤها في عام 2020، وأنها بإنكارها أن الروهينغا عانوا من الفظائع التي ارتكبت بحقهم قد تحولت إلى شريرة ترفض الاعتذار عن تلك الجرائم.
ويشير هؤلاء إلى أنه كان بإمكان سو تشي أن ترسل “موظف دولة صغيرا” لتقديم مرافعة بلادها أمام المحكمة، لكنها بدلا من ذلك روجت لمهمتها في لاهاي وهي على دراية تامة بأن قلة من أبناء جلدتها يتعاطفون مع الروهينغا الذين ينظر إليهم في ميانمار، خطأ، على أنهم مهاجرون غير نظاميين من بنغلاديش يهددون هوية البلاد البوذية.
وقد تلقت لجنة جوائز نوبل مطالبات بتجريدها من جائزتها، وسحبت عدة مدن ومؤسسات أخرى ومنها الاتحاد الأوروبي الأوسمة التي منحتها لها أو علقتها. ورغم أن سو تشي لا تواجه اتهامات شخصيا فقد أيدت الجيش ونفت تهمة الإبادة الجماعية.
وقال تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أغسطس 2018 إن جيش ميانمار نفذ عمليات قتل واغتصاب جماعي “بنية الإبادة الجماعية” في العملية التي شنها في 2017.
وفر أكثر من 730 ألفا من الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش المجاورة خلال الحملة العسكرية التي قال محققو الأمم المتحدة إنه ربما يكون عشرة آلاف قتيل سقطوا خلالها. لكن سو تشي دافعت عن العنف في غرب ولاية راخين، ووصفته بأنه عمليات لمكافحة الإرهاب وطلبت من المحكمة شطب القضية.
وهذه أخطر أزمة منذ أن بدأت ميانمار الانتقال إلى الديمقراطية في عام 2011، جعلت سو تشي عالقة بين مجتمع دولي يطالب بالمساءلة وبين جمهورها هي بالذات، الذي يتسم بتعصب وطني شديد ومزاج يفتقر إلى الرحمة.
وعززت الأزمة أيضا الحالة الهشة للفترة الانتقالية غير المكتملة التي بدأتها ميانمار نحو الديمقراطية، الأمر الذي ترك الجيش يتولى ثلاث وزارات رئيسية، وربع المقاعد في البرلمان، والسيطرة على القوات المسلحة والشرطة.
ويقول كو بي مايو هين، المدير التنفيذي لمعهد تاجاوانج للدراسات السياسية في يانجون “برأيي، انتقال ميانمار يعاني عيوبا خلقية، خاصة الترتيبات الدستورية المتعلقة بدمج الحكومة المنتخبة مع وصاية القوات المسلحة”. ويضيف “إذا لم تستطع الحكومة المدنية المنتخبة تغيير اللعبة، ستموت فكرة الانتقال موتا بطيئا في مقبرة الأنظمة الهجينة”.
وبالنظر إلى ميانمار ككل، هناك بوادر تشير إلى أن المريض وصل إلى وضع سيء بالفعل، وبعض ذلك يعود إلى عوامل تقع ضمن سيطرتها.
ويؤكد مراقبون محليون وأجانب مطلعون على أعمال الزعيمة، بمن فيهم بعض من كان يعرفها منذ سنوات، أنها مدير مركزي صغير يعجز عن التعاطي مع مشاكل متعددة.
وبعد طفرة النمو التي صاحبت موجة الاستثمارات الداخلية وسط خطوات أولية نحو التحول إلى الديمقراطية، تباطأ الاقتصاد.
ويقول خين زاو وين، المحلل والسجين السياسي السابق “إما إنها لا تسمح لمستشاريها بأداء واجباتهم، وإما أنها لا تصغي إليهم. إنها شخص عنيد، أناني جدا وغير ديمقراطي، لكن الناس يبدون لها ولاء عجيبا”.
ويرى بعض المراقبين لسو تشي أن الافتراضات التي يستند إليها الدعم الغربي كانت معيبة منذ البداية: العالم الخارجي علق كثيرا من الآمال على شخص ذي غرائز تشبه تلك الغرائز التي يتصف بها زعيم من سلالة الأسر الآسيوية قديمة الطراز.
ومع ذلك، يرون أنها أفضل أمل لميانمار حتى الآن. ويقول أحد كبار الدبلوماسيين في يانجون “سيكون من الغباء حقا الاستغناء عن فكرة الانتقال للديمقراطية في بورما والاهتمام فقط بالوضع في ولاية راخين، الوضع الذي لا تملك فيه إلا القليل من السيطرة”.
ويعتقد أنصار الزعيمة أن الحكم عليها يتم بطريقة قاسية جدا نظرا لافتقارها للنفوذ على الجيش. ويقول يو نيان وين، وهو مسؤول كبير في “إن.إل.دي” في يانجون” “إن سياق موقف بلادنا مختلف عن البلدان الأخرى في كل أنحاء العالم. نحن لا نستطيع السيطرة على ما يحدث على الأرض، خصوصا في مناطق القتال”.
وقال دبلوماسي كبير من الاتحاد الأوروبي إن صورتها ربما تستفيد من الانقلاب “بما يستعيد لها مكانتها كشهيدة”، غير أن الغرب يدرك الآن أنها ليس لها أي نفوذ على العسكريين رغم شعبيتها في بلادها.
وأضاف أن الولايات المتحدة وبريطانيا فقط هما اللتان تفرضان عقوبات مباشرة على قائد الجيش القوي في ميانمار الجنرال مين أونج هلاينج، ومن ثم فإن الاتحاد الأوروبي قد يبدي دعمه لسو تشي بفرض عقوبات هذا الشهر، رغم أن الخيار الأول ربما يكون لخفض مساعدات التنمية.