الدراما تُعيد فتح الملفات السرية لثورة يناير المصرية

"هجمة مرتدة".. الجاسوسية تُجدّد الثقة في أجهزة الاستخبارات العربية.
الخميس 2021/04/15
المرأة شريك رئيسي للرجل في معاركه الوطنية

كشفت العودة إلى دراما الجاسوسية المأخوذة من ملفات أجهزة الاستخبارات المصرية خلال شهر رمضان، عن حاجة الساحة الفنية لحكايات مُثيرة مبنية على أحداث حقيقية، تصُب أيضا في صالح ترسيخ مشاعر الانتماء الوطني.

القاهرة – وجد المسلسل المصري “هجمة مرتدة” اهتماما واسعا قبل أن يبدأ عرضه فعليا في رمضان الحالي، حيث جذب بثّ إعلان ترويجي له على صفحات التواصل الاجتماعي جمهورا واسعا إليه. وعكس ذلك شعبية دراما الجاسوسية المستوحاة من الملفات الرسمية التي عرفها وتفاعل معها جمهور كبير في العالم العربي خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عبر العديد من المسلسلات المصرية، أبرزها “دموع في عيون وقحة”، و”رأفت الهجان” و”الحفار”.

وبدا واضحا أن عودة هذا النوع من الدراما بعد غياب سنوات، يعكس حرصا من النظام المصري على توظيف الدراما لزيادة الوعي بمخططات وسيناريوهات استهداف الاستقرار في المنطقة، ويسعى أيضا لتوصيل رسائل سياسية لأطراف بالداخل والخارج انخرطت في بعض الأحداث.

ويقوم ببطولة مسلسل “هجمة مرتدة” أحمد عز وهند صبري إلى جانب بعض النجوم المصريين والعرب، وهو من تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء الديب.

وتدور قصته حول سيف، وهو شاب مصري طموح، يسافر إلى الخارج بحثا عن عمل أفضل ويتعرّض لمحاولة تجنيده لزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في مصر خلال مظاهرات 2011، إلاّ أنه يتصل بالمخابرات المصرية ويُطلعها على الأمر، ليتم تدريبه للإيقاع بالعناصر المتورّطة في الشبكة التي سعت إلى تجنيده.

رواية أخرى للثورة

العمل يمثل تحذيرا مُبطنا من دعوات براقة ظاهرها العدالة وحقوق الإنسان، وباطنها غرس بذور الانقسام وخلخلة الهوية

يُمثل المسلسل أول شهادة غير رسمية من جانب جهة سيادية في مصر تؤكّد النظرة الأخرى لثورة يناير 2011، باعتبارها انتفاضة غضب غير منظمة وليست ثورة، شهدت قيام بعض الجهات والعناصر بمحاولة استغلالها لخلخلة المؤسسات العامة وإثارة البلبلة ونشر الكراهية داخل المجتمع.

ويبدو أن هناك توجهات مصرية رأت أن الوقت بات مناسبا لمُكاشفة الرأي العام بجانب من الحقائق المسكوت عنها خلال ما عرف بثورات الربيع العربي، وتوضيح بعض المخاطر التي واجهت البلاد في أحداثها.

واعترف الدستور المصري الحالي بأحداث يناير 2011 كثورة، وأكّد أن مظاهرات 30 يونيو 2013 جاءت كموجة تصحيحية للثورة الأولى، غير أن ذلك لا يمنع أحدا من كشف سوء الاستغلال من قبل جماعات التيار الديني لإسقاط مؤسسات الدولة، وربما تمثل الدراما إحدى الأدوات المهمة في ذلك.

وكان من المفترض عرض المسلسل في رمضان الماضي، إلاّ أن ظهور وباء كورونا، وما نتج عنه من إغلاق بعض الدول لحدودها أدّى إلى صعوبة السفر لتصوير الكثير من مشاهد العمل في دول أوروبية، ما دفع الشركة المنتجة “سينرجي” إلى اتخاذ قرار بتأجيل عرضه للعام الجاري، حرصا على إتمامه بصورة جيدة.

ويتوافق عرض المسلسل خلال رمضان الحالي مع حالة غليان وطني واسعة تسود المجتمع المصري مؤخرا في ظل تنامي المخاطر الخارجية، خاصة ما يُهدّد موارد البلاد من المياه بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي.

ويُسهم العمل في ترسيخ ثقة الناس في مؤسسات البلاد الأمنية، والتي تبقى صورتها دائما نموذجا لليقظة، ومثالا يُحتذى به من حيث الجدية والوعي التام، ويمثل في الوقت ذاته تحذيرا مُبطنا من دعوات براقة ظاهرها العدالة وحقوق الإنسان، وباطنها غرس بذور الانقسام وخلخلة الهوية.

وطبقا لكتاب “دراما المخابرات وقضايا الهوية الوطنية” للباحثة دعاء البنا، والصادر عن دار العربي بالقاهرة عام 2019، فإن الصورة التي تُرسخها الدراما في ما يخص الوعي بالأمن القومي أكبر ممّا يُمكن أن يحدثه خطاب سياسي أو مقال صحافي، لأنها تبدو كصورة عفوية غير مقصودة.

وتشير الباحثة إلى أن عشرة أعمال درامية تناولت قصصا من ملفات المخابرات أسهمت في تدشين صورة قوية وثابتة للمجتمع المصري على مرّ عصوره باعتباره نسيجا واحدا لا فرق فيه بين مسلم ومسيحي ويهودي.

الشجاع الرومانسي

Thumbnail

جاء اختيار أحمد عز للقيام بدور بطل العمل، انطلاقا من نجاحات سابقة له في أدوار بطولة لأعمال سينمائية اتسمت بالحركة والشجاعة والقوة البدنية مثل دوره في أفلام “مسجون ترانزيت”، و”بدل فاقد”، و”الخلية” و”الممر”، ما يؤهله لتقديم وجبة مشبعة بالإثارة والتشويق.

ويعدّ عز الذي بدأ مشواره الفني من حوالي 24 عاما من خلال مُسلسل “زيزينيا”، نموذجا للفنان الجذاب وخفيف الظل، وله نظرات مؤثرة، ورغم بلوغه سن الخمسين، ما زال يُحافظ على لياقة بدنية وتناسق جسدي يؤهلانه للقيام بأدوار تغلب عليها الحركة والمطاردات.

ولا تعد ثيمة الشاب المغترب، الطموح والوطني، جديدة عليه، فسبق أن قدّمها في فيلم “الرهينة” مع الفنانة ياسمين عبدالعزيز، تأليف نبيل فاروق، سيناريو وحوار نادر صلاح الدين، وإخراج ساندرا نشأت.

الصورة التي تُرسخها الدراما في ما يخص الوعي بالأمن القومي أكبر مما يُمكن أن يحدثه خطاب سياسي أو مقال صحافي

ويحتوي مزج هذه الثيمة داخل إطار حركي مشوّق ضمن تفاصيله على حكاية حب رومانسية تتناسب مع الجاذبية التي يحظى بها الفنان المصري، خاصة أن رؤية المشاهد لصورة البطل الوطني تحبّذ لياقته وقوته البدنية، وهو في الغالب شخص طويل القامة، واسع الصدر، قويّ العضلات، رومانسي ورقيق المشاعر، بمعنى أنه نموذج للفارس المختار للفتيات.

وثمة إشارات متعدّدة تلعب على هذه الصورة في العمل، منها عندما يخبر ضابط مخابرات مصري، سيف، بأن من يعمل مع جهاز المخابرات المصرية يجب أن يكون شخصا استثنائيا.

وعكس دور هند صبري التي تلعب دور ضابطة مخابرات مصرية، نظرة معتبرة لدى الدولة للمرأة، وتراها شريكا رئيسيا في أي معركة وطنية، ما يسمح بتقديمها في كل المهام التي كانت من قبل حكرا على الرجال، لذلك تظهر كضابطة ذكية وماهرة ومجتهدة وشديدة الوطنية.

ويعدّ ذلك امتنانا حقيقيا لدور المرأة في المساهمة بفاعلية في إنقاذ مصر من حكم الإخوان المسلمين عندما شاركت بقوة وحماس في تظاهرات 30 يونيو 2013 وساندت دعم المؤسسات الوطنية والاستحقاقات السياسية اللاحقة.

وتعدّ الفنانة التونسية هند صبري من أكثر بنات جيلها موهبة وقدرة على إقناع المشاهد بما تجسّده من خلال إتقانها البارع للأدوار الصعبة، وغير المعتادة، ما دفع بالناقد المصري طارق الشناوي ليطلق عليها لقب “غولة تمثيل” كدليل على المهارة والإبداع والإقناع.

ورغم جنسيتها التونسية، إلاّ أنها تمتلك ملامح مصرية صميمة، جعلتها نموذجا لإمرأة مصرية شجاعة وصلبة ورومانسية في آن واحد، وهي ممّن يجدن التقلب من دور إلى آخر، ومن حالة إلى حالة أخرى مغايرة، بخفة وسرعة ودون افتعال، ما يناسب امرأة مُدربة تعمل في جهاز أمني رفيع.

وصعدت صبري إلى القمة الفنية في مصر بموهبتها المتميزة، والتي نضجت بشكل مذهل في السنوات الأخيرة، ما جعلها تستحق جوائز عديدة فازت بها، أحدثها جائزة أفضل ممثلة في حفل مهرجان السينما العربية “أيه.سي.أيه” عن دورها في الفيلم المصري “الفيل الأزرق 2”.

دور هند صبري في العمل يعكس امتنانا لدور المرأة في المساهمة بفاعلية في إنقاذ مصر من حكم الإخوان المسلمين

ويُجسّد هشام سليم، دور ضابط مخابرات مصري، بملامحه الصارمة وأناقته اللافتة، مُستعينا بخبرات اكتسبها من أداء دور رجل الأمن في العديد من  الأعمال السابقة، أهمها فيلم “خيانة مشروعة” بطولة هاني سلامة وإخراج خالد يوسف.

وكانت الاستعانة بالفنان صلاح عبدالله، في دور والد الشاب المصري المغترب، مقنعة في ظل الإمكانات الكبيرة التي يتمتّع بها، وقدرته على تجسيد الشخصيات المركّبة، غير أنه في هذا العمل يطل كمواطن عادي، يفيض حبا لبلده، يحرص على أمنه ويزرع في أبنائه الكرامة والوطنية.

ويقول نقاد إن الاستعانة بالمخرج أحمد علاء الديب، جاء مناسبا لإخراج مسلسل يتّسم بالمغامرات ويحفل بمطاردات كثيرة تُحتمها سمات التشويق الدرامي المفترض، فقد سبق له أن قام بإخراج أعمال مبهرة احتوت على ثيمات مشابهة مثل فيلمي “بدل فاقد” و”الحفلة”، فضلا عن عمله لفترة كمساعد للمخرج المخضرم شريف عرفة في فيلم “الجزيرة”.

ومكنته تجاربه وحرفيته من القدرة على تكييف الخدع البصرية والاستعانة بفنون الغرافيك بشكل بارع، وهو ما يفرضه الإيقاع السريع المتوافق مع دراما عمادها الإثارة والتشويق.

ويتصوّر البعض أن كتابة اسم باهر دويدار باعتباره مؤلفا للعمل غير مناسب في ظل كتابة عبارة “مأخوذ من ملفات المخابرات المصرية”، لكن ذلك مقبول فنيا فما يقدّمه الجهاز السيادي من حكاية قد لا يتجاوز صفحات قليلة أو بضعة أسطر أحيانا ليسمح لخيال المؤلف بالعمل وبناء عوالم درامية متشعبة، مع الحفاظ على فكرة القصة.

ويبقى عنوان المسلسل “هجمة مرتدة” غير موفق تماما، وربما هو أضعف ما في العمل، باعتباره مصطلحا كرويا، يراه البعض لا يناسب عملا سياسيا وأمنيا جادا يحمل من الخطورة الحقيقية أكبر من مجرد فعل مفاجىء.

16