الدراما العراقية تقتحم سوق الإنتاج المشترك بحثا عن منشطات عربية

لفتت الأعمال الدرامية العراقية الرمضانية الانتباه إليها من قبل الجمهور العربي فضلا عن تفاعل المشاهد العراقي معها في سنة درامية عراقية بامتياز حيث شهدت حضورا عربيا في التأليف والإخراج ما اعتبر بداية تدعو إلى التفاؤل بمستقبل الإنتاج الفني العربي المشترك.
بغداد – خرجت الدراما العراقية من بوتقتها المحلية للانفتاح على السوق العربية عبر مجموعة من مسلسلات الإنتاج المشترك، بعد سنوات من الكساد الفني.
وتحظى مسلسلات عراقية تبث خلال شهر رمضان الحالي باهتمام جماهيري ونقدي متصاعد مع استمرار الموسم الدرامي.
وتحاول الأعمال العراقية دخول سوق المنافسة العربية، لكنها تدخل السباق على قياس وشروط نوافذ العرض الخليجية على الأغلب.
ومع الفشل الدرامي على مدار سنوات في المنتج الذي تبنته قناة العراقية الحكومية الرسمية، ومحاولات الإنتاج المحدودة من قبل قنوات فضائية عراقية خاصة، بدا الانفتاح على شركات الإنتاج العربية بمساهمة كتاب ومخرجين عرب نوعا من الحل بالنسبة للفنان العراقي.
وظهر تعاون إخراجي وتأليفي مع كوادر فنية من لبنان ومصر وسوريا في إنتاج مسلسلات رمضانية عراقية.

مسلسل "طيبة" للمؤلف العراقي محمد حنش
ويتواصل عرض مجموعة من الأعمال الملفتة خلال رمضان تتنافس عليها قنوات العراقية الحكومية الرسمية والشرقية و”أم.بي.سي- العراق” وقناة “يو.تي.في”، حيث شهدت عودة نجوم الصف الأول في الدراما العراقية، مثل سامي قفطان ومقداد عبدالرضا وهند كامل وسمر محمد وبتول عزيز وعبدالستار البصري.
وتعرض قناة “أم.بي.سي العراق” مسلسل “أم بديلة” للمؤلفة اللبنانية ندى عماد خليل والمخرج اللبناني دافيد أوريان ومن بطولة النجمة العراقية هند كامل.
ويتناول المسلسل قصة سيدة تبحث لنجلها وزوجته عن أم بديلة من أجل أن يصبح لديهما طفل.
وشد المسلسل الانتباه إلى التعاون اللبناني العراقي في الدراما مذكرا في بعقود السبعينات والثمانينات، في أعمال عراقية لبنانية شارك فيها الفنانان عبدالمجيد مجذوب وهند أبي اللمع مع نجوم الدراما العراقية.
بينما يقوم المخرج السوري أياد نحاس في مسلسل “طيبة” للمؤلف العراقي محمد حنش بتقديم دراما عراقية تعيد الفنانة آسيا كمال ورياض شهيد إلى جمهورهما.
ويعالج “طيبة” سيرة فتاة فقيرة، تقدم نفسها للمجتمع الأرستقراطي على أنها واحدة منهم، فتتورط في علاقة حب مع شاب من هذه الطبقة في حكاية رومانسية.
وتقدم “أم.بي.سي العراق” بالتوازي مسلسلا يصنف على الدراما الكوميدية تحت عنوان “حامض حلو”، إلا أنه يمثل إساءة بليغة للدراما العراقية وسقوطا ضحلا في ما يسمى “الكوميديا الواطئة”.

باسم قهار: سيناريو "المنطقة الحمراء" حرك خيالي وجعلني أعود إلى جمهوري العراقي لأقول شيئا مختلفا
وقال فنان عراقي إن محطة “أم.بي.سي العراق” باتت تفرض شروطها على الدراما العراقية، لتقديم ما يتوافق مع خطابها بغض النظر عن أهميته.
وأضاف الفنان الذي فضل عدم ذكر اسمه “الاندفاع من قبل المحطة السعودية باتجاه الدراما العراقية أمر يستحق الثناء، لكن النوعية يجب أن تتقدم على أي اعتبار آخر من أجل دعم الدراما العراقية التي عاشت ظروفا قاسية من الحصار والتهميش”.
وفشلت قناة العراقية الرسمية في تقديم دراما تليق بالتاريخ العراقي، عندما فضلت مسلسلات كتبت وفق الخطاب السياسي للأحزاب الحاكمة.
وتعرض “العراقية” أعمالا وصفت بأنها تنظر إلى التاريخ المعاصر بعين واحدة. وأغلبها يركز على أوقات احتلال داعش لمدن عراقية، فضلا عن ترويج “بطولات” الحشد الشعبي والميليشيات.
ويعرض على العراقية مسلسل “مذكرات الرصاص” الذي كتبه ويخرجه عباس العلاق، ويتناول سنوات احتلال داعش لمدن عراقية ويقدم قراءة للأحداث يغلب عليها جانب البطولات الدعائي.
أما قناة الشرقية فتعرض مجموعة من الأعمال منها مسلسل “العدلين” للمخرج حسن حسني كتبه مصطفى الركابي، الذي كتب أيضا مسلسل آخر للقناة “كمامات وطن”.
ويعود حسني في “العدلين” إلى أعماله التي عالجت موضوع حرب العصابات من مسلسله الناجح “ذئاب الليل”، الذي أنتج بداية تسعينات القرن الماضي حتى “فوبيا بغداد”.
يذكر أن حسني أخرج في الموسم الرمضاني الماضي مسلسل “الفندق” للقناة نفسها، وأثار عصفا نقديا لتعرضه لتجارة الجسد والمخدرات داخل المجتمع العراقي.
أما “كمامات وطن” فلا يمكن عده ضمن الدراما التعبيرية بقدر ما هو حلقات منفصلة تعالج الأوضاع الاجتماعية المتردية في العراق. مع ذلك حظي بمتابعة ملفتة من قبل الجمهور العراقي الذي ما زال يتفاعل مع حلقاته عبر مواقع التواصل.
ويمثل مسلسل “جوري” تعاونا مصريا عراقيا جديدا ينقل المشاهد إلى أجواء عقد السبعينات من القرن الماضي.

هديل كامل: "المنطقة الحمراء" نوع من الدراما الذي نرى فيه خارطة دلالية جديدة تكسّر المقيت من المألوف
وكتب مسلسل “جوري” المؤلف المصري أحمد عثمان، وبإخراج عراقي للفنان أحمد عباس، الذي استعان بوجوه فنية عراقية في التمثيل: علاء رشيد ومناضل داود وشجرة الدر وآلاء نجم.
ويعيد مسلسل “المنطقة الحمراء” الفنان باسم القهار مخرجا وممثلا عراقيا في هذا العمل، بعد أعمال عالمية مثل فيلم “كارلوس” مع الفنان إدغار راميرز ومن إخراج الفرنسي أوليفيه أساسياس، ومسلسلات عربية مثل “هجمة مرتدة” و”سقوط الخلافة” و”صديق العمر” و”كلبش 3″ و”مملكة الغجر”.
ويمثل مسلسل “المنطقة الحمراء” الذي أنتج لحساب قناة “الشرقية”، مناسبة سانحة لإعادة اكتشاف الفنان باسم قهار الذي عرفناه مسرحيا ونعيد اكتشافه اليوم مخرجا وممثلا تلفزيونيا لا يقل براعة عن الأول. علاوة على ذلك قدم هذا المسلسل أضواء عن الشغف وما يمكن أن ينتجه من عمل متقن.
وقال قهار “ما يهمني فإن المنطقة الحمراء هو محاولة لتحقيق طموحات فنية في الدراما العراقية وبعد ثلاثين سنة أعود إلى العراق، بعد أن تلقيت الكثير من الدعوات كممثل في الأدوار أو كمخرج لبعض النصوص الدرامية واعتذرت لأنها لا تلبي طموحي الفني”.
وأضاف قهار في تصريح لـ”العرب”، “السيناريو حرك ذهني وذاكرتي وخيالي، واستطعت أن أقول لنفسي إنه السبب الذي سيجعلني أعود إلى العراق وجمهور العراق لأقول شيئا مختلفا، لا يهمني أن أكون الأفضل، يهمني أن أكون مختلفا لأننا لسنا في سباق جري، الاختلاف هو الأصل في الفنون ولذلك نحن مختلفون بالطريقة التي لا تقلد ولا تشبه أحدا ومن الصعب أن يقلدك أو يشبهك أحد”.
كسر المألوف
ووصفت الفنانة هديل كامل مسلسل “المنطقة الحمراء” بنوع من الدراما الذي نرى فيه خارطة دلالية جديدة تكسّر المقيت من المألوف.
وأضافت “الفكرة في المنطقة الحمراء لها معنى، السيناريو الذي نجد فيه سيلا من معان تبدد حسرتك وتغضب بصوتك وتبكي بدموعك، ويكاد يختصر المشهد الأخير من الحلقة الرابعة ويفسر كل شي”.
وتعرض قناة “يو.تي.في” مسلسل “فايروس” للمؤلف أحمد هاتف والمخرج جمال عبدجاسم. ومسلسل “الهروب” للمؤلف علاء الفارس ومن إخراج أمجد زنكنة الذي أعاد فيه الفنان مقداد عبدالرضا إلى الشاشة بعد سنوات من الانقطاع، ويشارك البطولة أيضا الفنان سامي قفطان وإيناس طالب ومهند هادي.

نصير شمة: الدراما العراقية تستعيد حضورها مع أن الطريق طويل أمامها للتواجد على الشاشات العربية
وعبر الموسيقار نصير شمة الذي ألف الموسيقى التصويرية لمسلسل “الهروب” عن تفاؤله بمستقبل الدراما العراقية.
وقال شمة في تصريح لـ”العرب” إن “القراءة المكررة لسيناريو المسلسل جعلتني أكتب موسيقى تعبر عن الأحداث سواء في المقدمة أو النهاية أو في داخل حلقات العمل”.
وأضاف “في الدقائق الثلاث من الموسيقى، حاولت أن أختزل الحدث من خلال علاقة الآلات ببعضها والتفاعل والانفعالات الموجودة والخوف الموجود في العمل”.
وشدد على أن الدراما العراقية بدأت تستعيد حضورها، مع أن الطريق ما زال طويلا أمامها للتواجد على الشاشات العربية.
وأشار إلى جهود مشتركة وعمل حقيقي، كي تكون الأعوام القادمة هي أعوام العراق الدرامية.
وشارك الناقد عبدالخالق كيطان تفاؤله مع الفنان نصير شمة بالدراما العراقية، مؤكدا أن هذا العام هو من الأعوام القلائل في تاريخ الدراما العراقية التي يمكن التعويل عليه، ناهيك عن البناء عليه.
وقال كيطان الذي سبق وأن ألف مسلسلا تلفزيونيا عن البيئة البغدادية فضلا عن كتابة عدة مسرحيات “بالنظر السريع إلى خارطة الأعمال المقدمة هذا العام ستجد أن بعضها إنتاج عراقي صرف، والآخر مشترك بين العراق وبلدان أخرى، سوريا ولبنان بوجه خاص. ما يعنينا هنا هو الإنتاج المشترك. ذلك أن الدراما العراقية بحاجة ماسة إلى هذا النوع من التعاون بسبب تراجع ما يقدمه التلفزيون العراقي عامة، خلال العشرين عاما الأخيرة، وأكثر”.

عبدالخالق كيطان: هذا العام هو من الأعوام القلائل في تاريخ الدراما العراقية التي يمكن التعويل والبناء عليه
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الدراما العراقية في هذه الفترة أصبحت فقيرة للغاية، وكان لا بد من منشطات عربية، وتركية أحيانا أخرى، لإنعاشها. جيل كبير من الفنانين العراقيين عمل في سوريا خلال الفترة الماضية واستطاع أن يفيد من تطور الدراما السورية الملحوظ، على أن تلك الإفادة تمثلت بأعمال معدودة ومحدودة. ثم إنها لم تستمر، أو تنعكس على تقنيات الإنتاج العراقي”.
ووصف كيطان مسلسلي “أم بديلة ” و”طيبة” بعينة نقدية في التصوير والإخراج المختلف، حكاية غريبة عراقيا، أجواء مريحة للعين من حيث الكوادر وجماليات المشهد، مزاوجة بين ممثلين عراقيين وعرب… كل ذلك مما تحتاجه الدراما العراقية، وأكثر.
واعتبر هاتين التجربتين خطوة على الطريق الصحيح.
ومضات درامية
إلا أن الفنان جبار المشهداني وصف واقع الدراما العراقية بنسخة طبق الأصل تماما من الواقع العراقي الذي تحاول أن تجسده.
وقال المشهداني في تصريح لـ”العرب”، “لأن الدراما صناعة وتخطيط وتخصيصات مالية، ولأننا نفتقد لكل هذه العوامل مجتمعة سواء على المستوى الحكومي أو على صعيد القطاع الخاص، لذلك شهدت الدراما تراجعا كبيرا على المستويين الكمي والنوعي”.
وعبر عن اعتقاده بأن هناك “ومضات درامية” بثتها بعض الأعمال التي قدمت هذا الموسم الرمضاني قد تتحول إلى بداية عودة لعافية الدراما، وقال “رغم أنني لا أستطيع التأكيد أن هناك أي عمل يقترب من مستوى المنافسة والتسويق لأسباب تعود إلى ضعف الميزانية المالية المخصصة للأعمال”.
وعزا المشهداني أسباب عدم تسويق الدراما العراقية إلى تركيز المؤلف العراقي على تناول مواضيع قد تثير حساسيات اثنية في بلدان أخرى، وعدم مواكبتنا فنيا للتطور الكبير للمعدات الفنية من جهة ولطرق التمثيل الحديثة.
وطالب بالاحتكاك مع مؤسسات عربية وأجنبية، ووضع إستراتيجية تنهض بالدراما بعد اقتناع الراعي الرسمي بخطورة الدراما، بوصفها “أحد أسلحة الحرب الناعمة التي اخترقت بيوتنا وعقول شبابنا الذي أصبح يطيل لحيته تشبها وتأثرا بمسلسلات أنتجتها دول مجاورة للعراق”.

جبار المشهداني: أعمال الموسم الرمضاني قد تتحول إلى بداية عودة عافية الدراما العراقية
واتفق باسم قهار مع المشهداني بالقول إن الدراما العراقية لا تزال تعاني من نفس العلل، ويعود عدم قدرتها على النهوض والتطور إلى غياب مقومات هذا التطور من رأس المال الذي ينتج بشروطه وقد تكون سياسية أيديولوجية، أو بشروط تتبع لائحة الضوابط التي تضعها القنوات أكثر من شركات الإنتاج التي لا تنتج بمعزل عن هذه القنوات. وقال “إن رأس المال لا يتطور لأنه لا يُسوّق وبالتالي لا يحقق أرباحا كي يتوسع ببناء بنية فنية تحتية واستقطاب التخصصات والخرّجين الجدد لتوسيع الصناعة”.
ولفت مخرج وبطل مسلسل “المنطقة الحمراء” إلى غياب التقاليد العامة التي تبعثرت بسبب ظروف العراق، مؤكدا أنه لا يمكن إنتاج دراما جيدة في حياة سيئة. فالحياة الجيدة تنتج دراما وفنونا جيدة، والحياة السيئة تنتج دراما سيئة لأن البؤس لا يخلق الجمال.
مشروع لدعم الدراما العراقية
إلى ذلك كشف الفنان نصير شمة عن قيام جهات فنية ومجموعات اقتصادية بإطلاق مشروع إنتاجي لدعم الدراما العراقية عبر شراكة خليجية عراقية من المؤمل الإعلان عنها قريبا.
وقال شمة في تصريح لـ”العرب”، “إذا عرفت الشركات الاشتغال على أعمال تمتلك مواصفات التنافس الحقيقي وبميزانيات كبيرة وظروف تصوير جيدة فإننا سنخرج بأعمال تغير المشهد الدرامي العربي”.
وأكد على أن المشروع يهدف إلى إعادة تصوير الأعمال في المدن العراقية المعروفة بتنوعها الجغرافي واستثمار طاقات فنية جديدة تنتظر من يدعمها في أعمال درامية.
وأشار إلى أن التركيز سيكون على التأليف والإخراج المشترك من قبل فنانين عراقيين وعرب.
وعبر عن أمله في الإعلان الرسمي لهذا المشروع بعد شهر رمضان المبارك، مؤكدا أن نجاح هذا المشروع العربي سيعيد دوران عجلة الإنتاج الفني العراقي سواء ضمن المشروع المزمع إطلاقه أو خارجه، وسيزيد من منسوب المنافسة الفنية لإنتاج دراما عراقية بمحتوى متميز.