الدراما التركية تلوي عنق التاريخ لإسكات جوع غامض للماضي

مسلسل "بربروس: سيف البحر المتوسط"ينحرف من حين إلى آخر عن الحقيقة التاريخية.
الثلاثاء 2021/10/26
المسلسلات التاريخية أداة في يد الحكومة

إرجين هوا

إسطنبول - يحفل المسلسل التركي التاريخي الجديد "بربروس: سيف البحر المتوسط" بالكثير من الإثارة، وقد عرض للمرة الأولى الشهر الماضي، وهو من إنتاج محطة "تي.آر.تي" التلفزيونية التركية التابعة للدولة.

ويحكي المسلسل مغامرات أمير البحر بربروس خيرالدين باشا، والمعروف أيضا باسم هيزير رئيس الذي عاش في القرن السادس عشر، وإخوته الثلاثة أوروتش وإلياس وإسحاق.

وخاض الإخوة الثلاثة معارك ضارية في البحر المتوسط، سواء بمواجهة سفن القراصنة التي ترفع علم الصليب، أو بحراسة سفن فينيسيا التجارية.

ويقدم المسلسل الرؤية التركية للتاريخ من خلال تركيزها على هذه الشخصيات التاريخية وترسيخ أدوارها كأبطال تاريخيين أقوياء، وبعضهم لا يقهر، فيما يعتبره البعض نوعا من المبالغة والتضخيم وقراءة غير محايدة للتاريخ.

وحظيت المسلسلات التركية المعروفة باسم “ديزي” بجمهور متزايد على مستوى العالم، وهي تضفي غالبا طابعا رومانسيا على الإمبراطورية العثمانية أيام ازدهارها، بهدف الوصول إلى جمهور أوسع، وقد بدأت تجذب المعجبين بها على منصة البث المباشر نتفليكس فيما يدعو آخرون إلى ضرورة تدقيق المعلومات التاريخية التي تقدمها هذه الأعمال بشكل أفضل وتخليص أبطالها من هالات التمجيد المفرط أحيانا.

وفي تركيا تحمل المسلسلات التاريخية من حين إلى آخر إشارات تاريخية للظروف السياسية التي تواجهها البلاد حاليا، وبعضها مثل مسلسل “بربروس” يلوي من أجل ذلك الحقائق التاريخية بشكل صريح، وفقا لما يقوله الكثير من المراقبين.

المسلسل يبرز الشخصيات الرئيسية التي تطارد مؤامرة ما بشكل مبالغ فيه
المسلسل يبرز الشخصيات الرئيسية التي تطارد مؤامرة ما بشكل مبالغ فيه

وقدمت مسلسلات سابقة أنتجتها محطة “تي.آر.تي” -مثل “السلطان عبدالحميد الثاني” و”قيامة أرطغرل”- مقارنات بين الوقائع التاريخية وبين أحداث معاصرة مثل محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016.

وقالت سينيم شفيق، المحاضرة المتخصصة في الدراسات الدولية بجامعة كاليفورنيا إرفن، إنه مع مسلسل “بربروس” تنقل المحطة التلفزيونية التركية محور التركيز “بهدف نشر وجهة نظر الحكومة في ما يتعلق بنهج السياسة الخارجية”.

وأضافت شفيق أنه “ليس من قبيل المصادفة أن تتم إذاعة مسلسل ‘بربروس’ في نفس الوقت الذي أدت فيه الطموحات البحرية التركية إلى إثارة مشكلات”.

وأوضحت أن المحطة التلفزيونية “استخدمت عناصر وجود مؤامرة لتبرير إذكاء النعرة القومية الجديدة من جانب الحكومة”.

وثارت توترات إقليمية خلال السنوات الأخيرة إثر سعي تركيا لتوسيع نفوذها البحري، مما جعلها تشتبك مع دول مجاورة بسبب مشكلة الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن النفط والغاز.

وأشارت شفيق إلى أن المسلسل “يؤكد القوة البحرية التركية، كما لو كانت هذه القوة قدر تركيا المحتوم والمبرر”.

وذاعت شهرة هيزير عبر القارة الأوروبية في أواخر القرن السادس عشر، عندما حقق سيطرة العثمانيين على البحر المتوسط عن طريق غزو مناطق من شمال أفريقيا، وشن حملات على الموانئ الإيطالية والإسبانية، ودخل في معارك مع أساطيل جنوة وفينيسيا، وتعاون مع الأسطول الفرنسي.

وتواجه تركيا اليوم تحديات جديدة في نفس المنطقة، حيث لا يزال تأثير هيزير وزملائه من البحارة ماثلا، ويتضح ذلك من خلال إطلاق أسمائهم على بعض القطع البحرية التركية الكبيرة والحديثة.

ومن جانبها قالت محطة “تي.آر.تي” إنها تأمل أن يسهم مسلسل “بربروس” في “رفع الوعي” بتطلعات تركيا البحرية الأخيرة.

Thumbnail

غير أن تقديرات مرتبة المسلسل تتراجع وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، مما أجبر “تي.آر.تي” على تغيير كتاب السيناريو والمخرج بعد إذاعة خمس حلقات، ومع ذلك لم تؤكد المحطة التلفزيونية هذه التقارير.

ويواجه المسلسل تحديا خطيرا من ناحية ربط العثمانية الجديدة بما يطلق عليه “الوطن الأزرق” الذي يعني توسيع تركيا إلى حدودها البحرية، وهو عقيدة ذات أصل علماني وفقا لما يوضحه جوش كارني الأستاذ في الجامعة الأميركية ببيروت.

ويقول إنه “بالإضافة إلى ذلك ينحرف المسلسل من حين إلى آخر عن الحقيقة التاريخية؛ ويتم ذلك مثلا عندما يبرز الشخصيات الرئيسية التي تطارد مؤامرة ما”.

ويعزو كارني هذا الاتجاه إلى الإغراء “باستخدام التاريخ بشكل فعال للغاية” لإسكات “جوع غامض لتعدين الماضي” في تركيا وفي الخارج أيضا.

ويقول كارني إن “المشاهدين في مختلف أنحاء العالم لا يزالون مهتمين بمشاهدة عروض لا تحمل وجهات نظر المستشرقين”.

وتوضح بيترا دي بروين، الخبيرة في دراسات الشرق الأوسط بجامعة لايدن في هولندا، أنه “سواء أكانت الدراما التركية ذات دوافع سياسية أم لا، فإن رواجها يتزايد على المستوى العالمي، كما أنها بدأت تغزو الأسواق الغربية”.

وتقول إن هذا النجاح يرجع جزئيا إلى السرعة التي يتم بها إخراج وإنتاج المسلسلات، إضافة إلى وجود مجموعة قوية من الممثلين والممثلات.

وتشير بروين إلى أن الدراما التركية التي يطلق عليها اسم “ديزي” أصبحت الآن ثاني أكبر نوعية من المسلسلات التي تلقى إقبالا بعد مثيلتها الأميركية، محققة نجاحا يمكن مقارنته بالانتشار العالمي لمسلسلات الميلودراما الشائعة المعروفة باسم “تيلينوفيلا”.

13