الدبلجة الفورية تعدنا بمحتوى تلفزيوني رائع

إذا تمت دبلجة كل ما نستمع إليه ونشاهده، ستفقد الأصوات التعاطف الحسي، ويمكن أن تكون لدى الإنسان بعدها طريقة واحدة للنظر إلى الجميع.
الخميس 2021/10/21
نتحدث بالعربي

غادر إريك شميدت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمحرك غوغل آنذاك، منصة الإلقاء وبدأ يتحرك على المسرح أمام المئات من جمهور قمة أبوظبي للإعلام عام 2010، وهو يعلن عن السحر التكنولوجي الذي ينتظرنا في السنين القادمة.

لم تكن شركة غوغل آنذاك قد أطلقت نظامها في الترجمة الآلية كما هو متاح اليوم، لكن شميدت كان يضع المستقبل الذي تصنعه الهواتف الذكية أمامنا وهو يصف الثورة التكنولوجية بـ”السحر”.

ولم يكن تعبير “السحر” مغاليّا حينها من شميدت، كما أنه ليس قراءة استشرافية لما ينتظر التكنولوجيا، بقدر ما كان ينقل لنا خطة الشركة العملاقة في السنوات القادمة.

بسّط الأمر بطريقة معتادة، عندما قال إنني لا أعرف اللغة العربية، لكنني في المستقبل القريب، سيكون بإمكاني وبإمكانكم جميعا ارتياد مطاعم أبوظبي ومعرفة محتويات قائمة الطعام المطبوعة باللغة العربية، عندما تكون هواتفكم الذكية تحمل تطبيقات ساحرة للترجمة من كل اللغات.

في كل تطور تكنولوجي، ينبري المشككون بشأن هذه التجارب التي تخفي آثارا مظلمة، فعندما يكون الترفيه متاحا في الدبلجة الفورية، سنفقد معه نكهات اللغات ومحلية التعبير

في نفس القمة وقبل أكثر من عقد من الآن، كان إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ رئيس مجلس إدارة “نيوز كوربوريشن” يقرب لنا المستقبل الذي ينتظر العالم بوجود الأجهزة الذكية بجملة “عندما تهب الريح يجب أن تسير معها”.

لا أحد من الحاضرين شكك بقراءات شميدت ومردوخ للمستقبل التكنولوجي. اليوم بإمكاننا استخدام أعمق من مفردة “السحر” التي استخدمها الرئيس التنفيذي السابق لغوغل للتعبير عن الذكاء الاصطناعي.

كان من المفيد العودة إلى عقد من السنين التكنولوجية في التمهيد لما توصل إليه اليوم الذكاء الاصطناعي في نظام “الدبلجة الفورية”.

إنه أمر مثير للدهشة عندما تتغير الأمور بطريقة دبلجة مسلسل كوري مثلا “ضع اللغة والدولة التي تهمك” بنفس سهولة تغيير القناة في جهاز التحكم. ذلك يعني أنه يمكن أن يتغير الكثير على طول الطريق باتجاه المحتوى الإعلامي والدرامي.

ماذا عن أصوات الممثلين الذين يمتهنون الدبلجة؟ إنهم لسوء الحظ سينضمون قريبا إلى مجزرة الوظائف التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي.

التكنولوجيا الجديدة ستساعد على دبلجة الأعمال التلفزيونية بطريقة أكثر كفاءة وفعالية مما متاح اليوم في صناعة الدبلجة.

تبدو الفكرة من الوهلة الأولى خيالية، لكن وظيفة الذكاء الاصطناعي تحويل الخيال إلى واقع في بداية ثورة تلفزيونية جديدة يمكن أن تُعرف باسم “الدبلجة التلقائية”.

ويمكن أن تكون التداعيات كاسحة في الرؤية المثيرة للدبلجة الفورية في أي محتوى فيديو، بدءا من أفلام الرسوم المتحركة حتى البرامج التلفزيونية. إذ سيكون متاحا دبلجتها باللغة التي يريدها المشاهد وبنقرة زر واحدة. والأهم من ذلك أن الدبلجة إلى اللغة المختارة، ستبدو تماما مثل الأصل. ليس صعبا تخيل ذلك، عندما نجد المستوى المضطرد في التقدم بنظام الترجمة الآلية المتاح في شبكة غوغل.

الفكرة الأولية لهذا النظام الجديد تكمن في قيام ممثل بتسجيل خمس دقائق من النص الأصلي باختيار عشوائي وفي اللغة المطلوبة. تتعلم منه بعدها أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبقه في ترجمة للنص كما يؤديه الممثلون الأصليون في العمل التلفزيوني، بما في ذلك تعبير الشبكة العصبية لصوت الممثل، ودرجات الإيحاء الأدائي.

سيكون النظام الذكي فنانا بامتياز وبلغة مختلفة في عملية تستغرق وقتا أقصر بكثير مما كانت تأخذه عمليات الدبلجة التقليدية.

يقول المخرج سكوت مان الذي شارك في تأسيس إحدى هذه الشركات الناشئة المعنية بالدبلجة الفورية، إن المحتوى التلفزيوني والسينمائي في هذه الخدمة سيكون قابلاً للتبادل السلس بين بلدان العالم التي تتحدث لغات مختلفة.

ويعبر مان الذي يعمل في هوليوود عن اعتقاده أن الإمكانيات في هذا القطاع ستكون كبيرة، فمعظمنا لا يدرك حتى الآن حجم المحتوى الرائع في العالم الذي سيتاح مشاهدته.

يدرك الممثلون، لطالما كانت الدبلجة تمرينا شاقا بالنسبة إليهم، فهم لا يمثلون بكل أجزاء أجسادهم وعليهم التعبير بأصواتهم فقط عن مشهد تمثيلي متكامل، ثمة غيرهم من يؤديه.

كما أن التكلفة الباهظة لعملية الدبلجة التقليدية التي تتطلب تجميع اجور الاستوديوهات والأجهزة والمؤدين وتركيب الصوت لاحقا على الفيديو الأصلي. صار يختصرها الذكاء الاصطناعي في عملية واحدة وأسرع مما نتوقع. في تكنولوجيا تسد فجوة كبيرة. كما تمنح المشاهدين تجربة فريدة.

تم اختيار الفيلم المثير (Every Time I Die) الذي أنتجته نتفليكس عام 2019 باللغة الإنجليزية بما يحتويه من أحداث معقدة، وتجريب دبلجته بنظام الذكاء الاصطناعي الجديد إلى الإسبانية والبرتغالية، وكانت النتائج مثيرة حقا.

ومع أنه لا يوجد منتج تجاري لخدمة الدبلجة الفورية لحد الآن، إلا أن الأبحاث تتواصل في مختبرات شركات عملاقة مثل أمازون، وشركات أخرى أقل حجما معنية بصناعة الصوت وتقنيات الفيديو.

ويجمع غالبية الداعمين لهذه التكنولوجيا على عدم وجود تلاعب أو تزييف عميق، بقدر ما هي تحسين لهذه الخدمة وتقليل لتكاليفها. ويراهنون على أهميتها في صناعة المحتوى الدرامي المتبادل بين دول العالم التي تتحدث لغات مختلفة. كما أن المستثمرين في هذه التكنولوجيا لا يجازفون بأموالهم، عندما ندرك أن شركات إعلامية كبرى في هوليوود دخلت لدعم تطوير هذه التقنية.

المدافعون عن تقنية الدبلجة الفورية يرون أنها ستقرب بين البشر لفهم بعضهم البعض من دون الحاجة لتعلم لغة غيرهم!

كان من المفيد العودة إلى عقد من السنين التكنولوجية في التمهيد لما توصل إليه اليوم الذكاء الاصطناعي في نظام “الدبلجة الفورية”

مع ذلك، وفي كل تطور تكنولوجي، ينبري المشككون بشأن هذه التجارب التي تخفي آثارا مظلمة، فعندما يكون الترفيه متاحا في الدبلجة الفورية، سنفقد معه نكهات اللغات ومحلية التعبير، وقد لا تعوض أصوات الذكاء الاصطناعي حسية اللغات الأجنبية.

اللغويون يعبرون عن مخاوفهم، فمن دون تعلم لغة الآخر يصعب على البشر فهم بعضهم البعض. فالدبلجة الفورية لا تكشف طبيعة الإنسان الكوري والبرازيلي والصيني مثل أن نتعلم لغته.

وتقول سيفا ريدي أستاذة اللغات وعلوم الكمبيوتر بجامعة ماكغيل الكندية “إذا تمت دبلجة كل ما نستمع إليه ونشاهده، ستفقد الأصوات التعاطف الحسي، ويمكن أن يكون لدى الإنسان بعدها طريقة واحدة للنظر إلى الجميع”.

مهما يكن من أمر، فإن تجربة الترجمة في غوغل قدمت خدمة إعلامية هائلة، تجعل المستخدمين يرحبون بتقنية الدبلجة الفورية. لكن ذلك لا يعني أن الذكاء الاصطناعي قادر على بث الروح البشرية في الأصوات الرقمية. فصوت الأداء البشري في التمثيل ومحاكاة صوت ممثل محترف أصعب بكثير من أن تصله تقنية الدبلجة الفورية.

16