الخوارزميات تفك أسرار العطور ومستحضرات التجميل

تتجه الشركات العالمية المتخصصة في مجال مستحضرات التجميل والعطور إلى تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتطوير مساحيق وعطور مصممة لكل فرد بشكل شخصي، وذلك بهدف تجنب المضاعفات السلبية وضمان جودة المنتجات وفاعليتها على البشرة.
حتى وقت قريب، كان امتلاك مكواة تصفيف الشعر يعدّ ترفا، وقد ينظر إليه على أنه من أكثر منتجات التجميل عالية التقنية. ولكن حاليا شهد العالم تطورا مذهلا وسريعا في هذا المجال، وبرزت تطبيقات وأجهزة قائمة على الذكاء الاصطناعي أعادت تشكيل سوق صناعة مواد التجميل، لتصبح أكثر قدرة على مواكبة تطلعات زبائنها ورغباتهم في أن يصبحوا أكثر جمالا.
ويمثل خيار الاستعانة بالتكنولوجيا أهمية كبرى بالنسبة إلى العلامات التجارية، فهو يتيح لها مجالا أكبر لتطوير منتجاتها وتحقيق عائدات مالية ضخمة، انطلاقا من التدفق المعلوماتي المتوفر عن طبيعة الزبائن، والذي يتم استقاؤه من ملايين الفحوص، فضلا عن المسوح الإحصائية الموجودة على الإنترنت.
وتوظف هذه المعلومات المجمعة، مثل عدد النساء اللواتي لا تحظى بقسط كاف من النوم، أو اللواتي لا يمارسن الرياضة، في تطوير علاجات ومنتجات حسب كل حالة فردية.
وقد يستعان أيضا بالبيانات التي توفرها تطبيقات مثل ساعات تتبع النشاط البدني، وتطبيقات رصد حالة الجسد أثناء النوم، جنبا إلى جنب مع الصور السلفي المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات أكثر دقة.
ويرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي بمقدوره تحليل الكثير من المعلومات في وقت قصير وربطها ببعضها سريعا، مما يسهم في تلبية الأذواق البشرية دون استثناء، والوصول إلى جميع الزبائن في كل أنحاء العالم.
وتمكنت شركة “أفون” العالمية الرائدة في مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة من إنتاج ماسكرا للعيون تم تصميمه باستخدام خوارزمية “جينيوس”، وهي برنامج يقوم بقراءة وتصنيف ومعالجة مئات الآلاف من تعليقات المستخدمين. واستنادا إلى هذه البيانات، يحدد البرنامج بالضبط نوعية الماسكرا التي يرغب فيها الزبائن.
وسجلت سوق مستحضرات التجميل نموا ملحوظا منذ عام 2017، حيث بلغت عائداتها ما قيمته 532 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن تفوق القيمة المقدرة مبلغ 805 مليارات دولار بحلول عام 2023. ويرجع سبب نمو المبيعات إلى حد كبير إلى اتجاه العديد من الشركات نحو تطوير منتجات ذات طبيعة شخصية، من أجل تلبية احتياجات جميع الزبائن.
أسرار صناعة العطور
وشهدت الأعوام الأخيرة صعود العديد من الشركات الناشئة التي تستعين بالبيانات حول الأمراض الجلدية، وعادة ما تجتمع هذه الشركات على بعض المبادئ المشتركة مثل ما يقدمه الزبائن من معلومات تفصيلية حول احتياجاتهم وأسلوب حياتهم، ثم توكل المهمة للأنظمة الخوارزمية لاختيار المكونات والصيغة المناسبة التي تناسب كل حالة على حدة.
ويلعب مكون تعلم الآلة دورا مهما في هذا المجال، حيث توفر تعليقات المستخدمين باستمرار المزيد من المعلومات التي يمكن من خلالها للخوارزمية تطوير المنتج بشكل دائم.
كما تشجع الخوارزميات المستهلكين على تغيير عادات العناية بالبشرة، إذ تقترح بعض العلامات التجارية حمل أجهزة استشعار يوميا لتقدير مدى التأثير عند تعرضهم للعوامل البيئية الضارة.
وتقول شارون كويك، خبيرة بارزة في سوق مستحضرات التجميل في شركة “منتل” لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، إن طريقة “سكين إنك” لإنتاج مستحضرات العناية بالبشرة حسب حاجة الفرد كانت “جذابة”، حينما بدأت الشركة عملها.
وتضيف “لم يكن من الشائع في ذلك الوقت تصنيف البشرة ووصف علاج لكل نوع من أنواعها، في الوقت الذي كانت تقدم فيه سكين إنك مستحضرات للعناية بالبشرة حسب حالة المريض”، الأمر الذي كان يختلف عن العلامات التجارية الأخرى التي تركز على إنتاج مستحضرات عامة وغير مخصصة لحالة مرضية بعينها.
واستطاعت “سكين إنك” حتى الآن جمع أموال ضخمة من مستثمرين في كل من هونغ كونغ وكوريا، وتطمح الشركة إلى فتح صالات للتمارين الرياضية، ومراكز استشفاء وماكينات بيع مستحضرات للعناية بالبشرة. وهناك الكثير من الشركات الأخرى التي تقوم بفرز كمية كبيرة من البيانات الموجودة على الإنترنت، وبناء على تلك البيانات تقوم بتطوير مستحضراتها، ومن بينها شركة “كيرولوجي” التي تتخذ من سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية مقرا لها.
وقد نجحت الشركة في توظيف تقنية التعلم الآلي لتقديم الرعاية إلى عشرات الآلاف من الأشخاص حول العالم، ممن تصعب عليهم رؤية مختصين في الأمراض الجلدية والفحص المباشر، وخصوصا ممن يعانون من مشاكل حب الشباب.
وتعتبر مشكلة حب الشباب من المعضلات الصحية التي قد يتعرض نحو 85 في المئة من الأشخاص في أوقات معينة دوريا على مدار حياتهم، وقد تفضي إلى الشعور بالإحباط، وحتى الميل إلى الانتحار.
وبالرغم من أن المرض منتشر على نطاق واسع إلا أنه لا يزال هناك غموض بشأن أسباب الإصابة به والعوامل التي تؤدي إلى تدهور الحالة.
وتمكنت “كيرولوجي” بفضل تقنية التعلم الآلي من تحليل مجموعة هائلة من البيانات والصور حول مشاكل الجلد والبشرة، ومحاولة فهم عوامل ظهور حب الشباب، مثل تغيير عدد ساعات النوم والنظام الغذائي وعدد الوجبات التي يتناولها الفرد في اليوم، ومساعدة الكثيرين على تحقيق حلمهم في الحصول على بشرة مشرقة وخالية من ندوب حب الشباب.
الذكاء الاصطناعي بمقدوره تحليل الكثير من المعلومات في وقت قصير وربطها ببعضها سريعا، مما يسهم في تلبية الأذواق البشرية دون استثناء
وتستخدم تقنيات تحليل البيانات وتعلم الآلة اليوم في العديد من المجالات المختلفة، إذ يتم توظيفها في كشف عمليات الاحتيال وعمليات التسويق المستهدفة لفئات معينة، وأيضا للتنبؤ بمستوى الأداء أو مدى الإقبال على شراء بعض المنتجات، وكذلك في عمليات تشخيص الأمراض الجلدية ووصف العلاجات المناسبة.
وبدأ هذا النهج المستند إلى الذكاء الاصطناعي، في اكتساب شعبية في فك أسرار صناعة العطور وتركيب روائح أكثر تعقيدا. ومن المعروف أن العطور تتكون من عديد المكونات الكيميائية المختلفة، التي تدخل في تركيبتها وتعطي لكل عطر رائحته المميزة.
وتبدو صناعة العطور من المجالات الحساسة للغاية، لأنها تتعلق بالمشاعر الإنسانية وما تثيره من ذكريات وتنقله من رسائل من الأنا إلى الآخر، غير أن شركة “آي.بي.أم” الأميركية حاولت قلب هذا النموذج التقليدي رأسا على عقب من خلال تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتطوير الروائح.
وتمكنت شركة “آي.بي.أم” من ابتكار خوارزمية قادرة على فهم تركيبة العطور الموجودة حاليا، ويطلق على هذه الخوارزمية التي طورها “مركز توماس واتسون” للأبحاث تسمية “فيليرا”، وهي عبارة عن نظام كمبيوتر، مكون من شبكة من الخلايا العصبية الاصطناعية، تم إنشاؤها لتخزين ومعالجة وإعادة تجميع كميات كبيرة من البيانات الخاصة بالمكونات الكيميائية للعطور.
عطور حسب الطلب
وتستقي خوارزمية “فيليرا”، معلوماتها من قاعدة بيانات تحتوي على تكوين ما يقرب من 1.7 مليون عطر، كما تعتمد على مجموعة من المعلومات الخاصة بالفئة العمرية للزبائن وجنسهم والمناطق الجغرافية التي ينتمون إليها.
وقال، ديفيد أبيل، الذي يعمل في صناعة العطور منذ 39 عاما بشأن خوارزمية “فيليرا”، “لقد دربتها، وها هي الآن تدربني”، مشددا، على أنه لا يخشى من أن تحل أنظمة الذكاء الاصطناعي محله. وأضاف “لقد أتيحت لي فرصة رؤية صيغ من العطور التي لم أكن أفكر فيها بنفسي”.
بينما يرى البعض من الخبراء أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال حميمي يتميز بالخصوصية كالعطور يبدو غريبا بعض الشيء، وفي هذا الشأن، يقول تشاندلر بور، وهو خبير في مجال العطور “إن صناعة العطور قد تحولت من مهنة إلى فن حقيقي، والهدف من هذا الفن هو جعل الناس يشعرون بأشياء معينة. وكلما كانت التجربة الحسية والعاطفية أقوى، كلما كان النجاح باهرا”.
وأضاف “العطر هو شيء يخلق لدى الإنسان تفاعلا عاطفيا وذهنيا. والكمبيوتر يمكنه إنتاج خلطة لعطر يشهد رواجا كبيرا لدى فئة عمرية معينة، ولكنه لن يفهم سبب شعبية تلك الروائح، ولن يعرف لماذا تقبل الفتيات على شراء روائح الزهور”.
سجلت سوق مستحضرات التجميل نموا ملحوظا منذ عام 2017، حيث بلغت عائداتها ما قيمته 532 مليار دولار أميركي
لكن جوليا زنغريلي، مؤسسة شركة “نوفا” للعطور، تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمثل نعمة حقيقية في صناعة العطور، لما له من قدرة هائلة على مساعدة الشركات في تطوير عطور جديدة تستهدف قطاعات محددة جدا من السوق.
ويتوقع الخبراء أن تحقق سوق العطور العالمي عائدات مالية تصل إلى 51 مليار دولار أميركي في عام 2022، بسبب النزعة المتنامية لدى رواد صناعة العطور لابتكار عطور مصممة خصيصا حسب الطلب.
لكن مهما بلغت أنظمة الذكاء الاصطناعي من تطوّر، فإن إقحامها في مجال صناعة العطور “يشبه إلى حدّ كبير اقتناء بيتزا مجمدة من السوق، ثم يتمّ تسخينها ووضع بعض الإضافات عليها، فهي قد لا تكون قديمة جدا، ولكنها على أيّ حال لذيذة”، على حد قول جوليا.