الخرطوم توظف ورقة البشير لتبرير الإخفاقات السياسية والأمنية

دوائر سودانية تربط بين قرار لجنة إزالة التمكين بإغلاق131 جمعية إخوانية جنوب دارفور بتهمة تلقي أموال خارجية وبين السخط الشعبي ضد الحكومة.
الاثنين 2021/01/25
احتجاجات على رغيف الخبز

الخرطوم - خفتت تأثيرات قرارات لجنة تفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير في السودان، وتسبب البطء في استكمال خطواتها في أن تُصبح أسيرة لما تمر به السلطة الانتقالية من تغيرات، وتوظيفها كورقة لتفسير ما تتعرض له من ضغوط.

وربطت دوائر سودانية بين قرار لجنة إزالة التمكين، مساء السبت، بإغلاق131 جمعية إخوانية في جنوب دارفور بتهمة تلقي أموال خارجية ودعم أنشطة إرهابية، وبين السخط الشعبي ضد الحكومة بعد أن فشلت في السيطرة على الأوضاع الأمنية بمدنية الجنينة، غرب دارفور، وإخفاقها في مجابهة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعدم حسم جملة من الملفات السياسية المرتبطة بفترة الانتقال الديمقراطي.

وجاء قرار اللجنة الأخير في وقت تزايدت فيه الاحتجاجات التي تشهدها مدن سودانية مختلفة، اعتراضا على ارتفاع أسعار المحروقات، واستمرار شح الوقود والخبز، ورفضا لما يوصف بـ “الفراغ الأمني” في بعض المناطق، وتعثر خروج الحكومة الجديدة إلى النور.

وشهدت العاصمة الخرطوم وأم درمان الأحد احتجاجات على تدهور الوضع الاقتصادي، تصدت لها الأجهزة الأمنية بالغاز المسيل للدموع.

وفشلت السلطة الانتقالية في إيجاد تبريرات مناسبة لتأخر تشكيل الحكومة، وبدت سخونة الأوضاع في أكثر من منطقة أسرع من قدرتها على الإطفاء، ما جعل خطواتها تجاه العديد من الأزمات بطيئة ومرتبكة، ولم تستطع إغلاق الملفات المفتوحة أمامها.

معتصم أحمد صالح: الحكومة تأخرت كثيرا في مواجهة رموز البشير
معتصم أحمد صالح: الحكومة تأخرت كثيرا في مواجهة رموز البشير

وحمّل صلاح مناع، عضو لجنة إزالة التمكين، حزب المؤتمر الوطني (المنحل) مسؤولية إشعال الأوضاع في دارفور، وأن الجمعيات المغلقة تعمل كواجهة للحزب التابع لتنظيم الإخوان، وتتلقى الأموال من جهات خارجية لدعم أنشطة الإرهاب، وطالب الحكومة بالتعامل مع حزب البشير كتنظيم إرهابي.

ولدى شريحة كبيرة من المواطنين قناعة بأن العناصر التابعة لنظام البشير مازالت تنخرط بقوة في جملة من أحداث العنف والفوضى في البلاد، وتملك قدرة على الإمساك بخيوط كثيرة منذ سقوطه المدوي، لكن ثمة شريحة أخرى تحمل السلطة مسؤولية التراخي في استخدام الشرعية الثورية للتعامل مع فلول النظام السابق.

وأكد القيادي بالجبهة الثورية، معتصم أحمد صالح، أن الحكومة تأخرت كثيرا في مواجهة رموز البشير وفقدت قراراتها بشأن التعامل معهم قدرا من بريقها، ولم تعد تستطيع أن تتخذ قرارات تتسم بالثورية في الظروف العادية، وبالتالي ظلت بنية تنظيم الإخوان قائمة دون أن تمتلك القدرة السياسية على تفكيكها.

واعتبر في تصريح لـ”العرب”، أن القرارات الأخيرة تسير في الاتجاه الصحيح، وعلى لجنة إزالة التمكين الوصول إلى أكبر عدد من الجمعيات المنتشرة في ولايات الهامش التي تمارس دورا تخريبيا ضد حكومة الثورة، مشيراً إلى أن السلطة الانتقالية تواجه صعوبات عدة للتعامل بجدية مع تلك الجمعيات، حيث تنهمك في الأزمات الاقتصادية التي تجابهها والفراغ الأمني الذي يحيط بها.

ويعد قرار لجنة إزالة التمكين الأخير استجابة لمطالب عديدة تؤكد على أهمية المضي قدما في تفكيك بنية النظام السابق، وتخفيف الضغوط على الحكومة، وإثبات قدرتها على مواجهة فلول البشير وغلق مساحات الحركة أمامهم.

ويرى مراقبون أن قرار اللجنة يقطع الطريق أمام بعض الأصوات التي نادت بضرورة الحوار مع ما يسمى بـ”القوى الإسلامية المعتدلة” لحل الأزمات الطاحنة التي تواجهها البلاد، في محاولة لتمهيد الأجواء لانخراطهم في المشهد السياسي.

وأراد المكون المدني تأكيد عدم التنازل عن مبادئ الثورة، باعتبار أن ذلك يشكل آخر الحبال التي تربطه بالشارع، ومتوقع أن تكون هناك قرارات جديدة الأيام المقبلة تصب في هذا الاتجاه لمغازلة الشارع ومحاولة كسبه مجددا.

إيمان عثمان: تجار الحرب في دارفور مازالوا يمسكون بزمام الأمور
إيمان عثمان: تجار الحرب في دارفور مازالوا يمسكون بزمام الأمور

وتتلامس قرارات لجنة إزالة التمكين مع أصوات تنسيقيات لجان المقاومة في الهامش، ومع أصوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا التي تؤمن بأن جمعيات نظام البشير تنخرط بقوة في أحداث عنف قبلي.

ولفت معتصم صالح، المتحدث الرسمي باسم حركة العدل والمساواة، إلى أن النظام السابق ظل قابضا على مقاليد السلطة لأكثر من 30 عاما، وتمكن من مفاصل الدولة وليس من الممكن إزالته بين ليلة وضحاها، حيث يمتلك الآلاف من العيون المندسة بين المواطنين ويستطيع تحريكهم، لزيادة عدم الاستقرار السياسي والأمني في دارفور.

وجاء قرار لجنة التمكين في سياق حفاظ المكون المدني على علاقاته مع الحركات المسلحة التي بدأت تتململ من تأخر إنزال اتفاق السلام على الأرض، وتحمل الحكومة مسؤولية ذلك، وعليها أن تمضي قدما في تشكيل اللجان والآلية المشرفة على تنفيذ الاتفاق، على رأسها اللجنة العليا المشتركة للترتيبات الأمنية واللجنة القضائية ومفوضيات اللاجئين والنازحين والأراضي والحواكير.

وأكدت المحللة السياسية إيمان عثمان أن الحكومة لا تسير في الاتجاه السليم بشأن تفكيك بنية النظام السابق، فقرار حل عدد من الجمعيات في دارفور أتى في وقت مازالت تقوم فيه وزارة المالية بتقديم إعانات للجمعيات التابعة للحركة الإسلامية في ولايات الهامش، والوزارة ذاتها خاضعة تحت سيطرة شخصيات محسوبة على نظام البشير.

وأوضحت لـ”العرب” أن قرارات السلطة بشأن مواجهة فلول البشير ضعيفة، والأمر لا يرتبط فقط بلجنة إزالة التمكين لأن محاكمات رموز النظام السابق بطيئة، وتكمن المشكلة في وجود أشخاص لديهم مصلحة ليظل الوضع على ما هو عليه، وهناك علاقات سياسية وأخرى شخصية بين هؤلاء وبين الجمعيات والتنظيمات التابعة لنظام البشير في مناطق الهامش التي تعد سببا لأزمات الفوضى الأمنية.

وأشارت إلى أن تجار الحرب في دارفور مازالوا يمسكون بزمام الأمور هناك مع توالي التمويلات التي تأتي لمعسكرات النازحين من بلدان خاضعة لهيمنة التنظيم الدولي للإخوان، وتلك الأموال لا تذهب إلى الفقراء واللاجئين، بل يجري توجيهها إلى المجهود العسكري، ما يقلل من آثار قرارات لجنة إزالة التمكين، لأنه لم يجر حتى الآن غلق مسارات تهريب الأموال.

ويعود تأخر قرارات حل الجمعيات الإسلامية في الهامش إلى عدم الانتهاء من تشكيل لجان لتفكيك نظام الإخوان في تلك المناطق التي جرى تدشينها عقب تعيين الولاة المدنيين الجدد، وخرجت القرارات بعد أن انخرطت تلك اللجان في أداء أعمالها.

2