الخرطوم تبدأ تفكيك العقبات أمام الصادرات

بدأت الحكومة السودانية الجديدة باتخاذ إجراءات لتفكيك العقبات المزمنة أمام الصادرات بعد عقود من السياسات المرتبكة والمتناقضة التي قوضت إدارة الثروات الكبيرة التي تتمتع بها البلاد، دون أن تغفل حجم التحديات التي تواجه تطبيق السياسات الجديدة.
الخرطوم – كشفت وزارة المالية السودانية خطة جديدة لتحريك المبادلات التجارية وإزالة العقبات التي تعرقل حركة الصادرات التي تقلص دورها كثيرا في خلال العقود الماضية.
ولم تغفل الوزارة حجم التحديات التي تواجهها لتطبيق الإجراءات الجديدة في وقت تواجه فيه الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك ضغوطا شديدة من الأوساط الاقتصادية والشعبية للإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية تقطع مع الماضي.
وأعلن مدني عباس مدني وزير التجارة والصناعة في مقابلة مع محطة تلفزيونية محلية خاصة عن عزم الحكومة مراجعة سجلات المصدرين والموردين ووضع سياسات جديدة لمعالجة مشاكل الصادرات.
ولم يذكر الوزير تفاصيل دقيقة بشأن الخطة لكنه قال إن “عائدات الصادرات لا تظهر في الموازنة السنوية بسبب التهريب. سنشرع في إقرار تدابير وإجراءات جديدة لمكافحة التهريب”.
وتشير بعض التقديرات إلى أن العجز التجاري للسودان يبلغ قرابة المليار دولار، وهو مبلغ كبير قياسا بدولة تعيش أزمات اقتصادية متتالية نتيجة بطء نشاط القطاعات التجارية والتدابير الارتجالية للحكومات السابقة.
وأكد مدني أن مهمة الدولة التدخل لمصلحة المستهلك، وأن الحكومة ستجتمع مع كل الجهات لحسم الفوضى في الأسواق وتفعيل القوانين والرقابة وإلزام تجار التجزئة بوضع الأسعار على السلع وفق قانون حماية المستهلك.
وشدد على عودة التعاونيات الاستهلاكية لوقف تصاعد أسعار السلع، وإعلان الحرب على جشع التجار بالقانون، وقال إن “الثورة قامت لمعالجة الأوضاع المعيشية”.
وتصطدم الخرطوم بعقبات كثيرة قبل معالجة الاختلالات في التوازنات المالية وكبح مستويات التضخم ودعم العملة المحلية وفتح ورشة كبيرة لإعادة ترميم البنية التحتية المتهالكة ووقف العجز الكبير في الموازنة والميزان التجاري وكذلك الديون.
ويستشعر المواطنون خطر الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها مستقبلا بعد أن بعث اقتصاديون بإشارات سلبية تحذر من آثار كارثية ما لم يحدث
تغيير جذري في الوضع وبالسرعة المطلوبة ولاسيما مع إبقاء العقوبات الأميركية.
وأورثت الحكومات المتعاقبة إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير الممتدة لثلاثة عقود، اقتصادا مثقلا بالأزمات المعيشية تتجلى في شحّ مستمر في السلع الاستراتيجية، وهبوط متواصل في العملة المحلية، فضلا عن شحّ السيولة في الأسواق.
واضطرّت الخرطوم العام الماضي، إلى اللحاق بركب تونس والجزائر ومصر، عبر فرض حزمة تدابير الغاية منها خفض الواردات وإعادة ضبطها لتقليل الطلب المتزايد على النقد الأجنبي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها.
وكان حمدوك قد أكد خلال لقاء مع رجال الأعمال السعوديين في مجلس الغرف السعودية الاثنين الماضي، أنه من غير المعقول أن تصل ضريبة الصادرات إلى 17 بالمئة.
وأشار إلى أن هناك مشكلات كثيرة تعترض المستثمرين في بلاده ولاسيما السعوديين، من أهمها إمدادات الوقود وضعف البنية التحتية والموانئ وغيرها.
واقترح حمدوك عقد ملتقى اقتصادي سعودي- سوداني، لمناقشة الفرص الاستثمارية الواعدة، وزيادة التعاون بين البلدين.
وقال رئيس مجلس الغرف السعودية سامي العبيدي إن “العلاقات بين السعودية والسودان شهدت تطورا في المجالات التجارية والاستثمارية”.
وأوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في العام الماضي 1.2 مليار دولار وبهذا يأتي السودان في المرتبة السابعة كأهم الشركاء التجاريين للرياض من بين الدول العربية.
ومنذ اندلاع شرارة الأزمة، رمت السعودية والإمارات بكل ثقلهما خلف السودان لدعم استقراره، حيث تعهدتا بمساعدته بمبلغ 3 مليارات دولار من ضمنها نصف مليار دولار كوديعة ضخها البلدان الخليجيان والباقي مساعدات في شكل غذاء ونفط.
وتأتي مساعي زيادة الاستثمارات العربية ودفع عجلة الصادرات بينما تسعى الخرطوم لإعادة التفاوض مع جنوب السودان بشأن اتفاق نفطي لإنهاء سداد 3 مليارات دولار متفق عليها كتعويض عن انفصال الدولة الغنية بالنفط عام 2011.
ووقعت الخرطوم وجوبا في عام 2012 اتفاقا تدفع بموجبه الأولى المبلغ بعد أن نالت استقلالها مع 70 بالمئة من حقول النفط التي كانت تديرها الخرطوم.
وأكد وزير النفط في جنوب السودان أوو دانيال شوانغ للصحافيين أن الدولة التي تعاني ضائقة مالية دفعت حتى الآن مبلغ 2.4 مليار دولار، لكنها لن تتمكن من دفع الـ600 مليون دولار المتبقية بحلول أواخر العام.
وأضاف “بانتهاء العقد، يجب أن نكون قادرين على تمديد الموعد النهائي لأننا لا نستطيع تشغيل العمليات في فراغ. هذا الاتفاق هو الذي يحكم الرسوم التي ندفعها للسودان”.
ومن شأن الأموال المتبقية من العقد بين الطرفين أن تساعد السودان في تأمين رصيد جديد من العملة الصعبة لمواجهة التحديات التي تعترضها في الفترة المقبلة.
وأثر انفصال الجنوب على إيرادات السودان بشكل كبير، حيث تظهر المؤشرات انخفاضه بما يقارب 50 بالمئة، مما أحدث فجوة ضخمة في موازنة الدولة وارتفاعا كبيرا في العجز.