الخدمة المدفوعة خيار "النهار الجديد" الجزائرية لمواجهة الإغلاق

قررت صحيفة “النهار الجديد” الجزائرية استنساخ تجربة صحف عالمية كبيرة بتقديم خدمة مدفوعة مع خطة التحول الرقمي. وتعتمد الخدمة على حزمة من الأخبار الحصرية والتحقيقات والحوارات والروبورتاجات، لكن من غير المؤكد أن تستطيع إقناع الجمهور بالدفع مقابلها، خصوصا في ظل هامش الحرية الضيق للصحافة في الجزائر، إضافة إلى أن القراء الجزائريين كما العرب عموما غير معتادين على هذا النموذج الاقتصادي للصحف.
الجزائر - أعلنت إدارة مجمع النهار الإعلامي الجزائري عن خطتها لـ”تطوير محتوى صحيفة النهار الجديد وتحويلها إلى صحيفة إلكترونية، وتقديم خدمة صحافية مدفوعة مسبقا مثلما هو معمول به في كبريات العناوين الصحافية في عالم الصحافة المكتوبة في العالم”، في بادرة غير مألوفة للقراء الجزائريين الذين لم يعتادوا الدفع مقابل الأخبار، وسبقتها إليها تجارب عربية في لبنان ومصر لم تحظ بنجاح يذكر.
وقالت إدارة النهار إن خطتها تأتي في إطار التماشي مع الأوضاع الراهنة التي تشهد هيمنة الإعلام الإلكتروني على اهتمامات جمهور القراء.
وأضافت أنها شرعت منذ أسابيع في تحويل صحيفة “النهار الجديد” إلى صحيفة إلكترونية تصدر على الإنترنت وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، على أن يجري تطوير النسخة الرقمية منها تدريجيا.
وتعمل على تطوير محتوى النسخة المصورة تحريريا وتقنيا لبلوغ الهدف المنشود، وهو المحافظة على عنوان “النهار الجديد” وإن تغيرت الأساليب والواجهات.
ولن تكون الصحيفة أمام مهمة سهلة بالاعتماد على نموذج الخدمة المدفوعة مقابل محتوى سيكون غالبا متوفرا في الكثير من وسائل الإعلام الأخرى، أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر أكثر قدرة على نقل الأخبار والوقائع بحرية مما هو موجود في الصحف ووسائل الإعلام التي تخضع لرقابة الحكومة.
"النهار الجديد" تأمل في حصة من الإعلانات الحكومية، وأكدت أن هذه الخطة لن تتجسد إلا بتغير المعطيات الراهنة
وتواجه الصحافة الجزائرية حزمة من القوانين تتعلق بالإساءة وتشويه وإهانة الشخصيات أو المؤسسات الرسمية عند تناول الملفات الحساسة إلى السب والقذف عند انتقاد المسؤولين الحكوميين، ثم نشر الأخبار الكاذبة والتضليل، حيث أصبحت تهمة رائجة لدى العديد من الحكومات العربية لمواجهة الصحافيين وردعهم عن التحقيقات، لذلك لن يكون من السهل تناول قضايا مهمّة تشغل الرأي العام وتحرج الحكومة.
وتأمل الصحيفة كما يبدو في حصة من الإعلانات الحكومية لدعم مشروع تحولها الرقمي، حيث ربطته بصدور نص قانوني يضبط الإشهار الإلكتروني في المواقع الإخبارية، وأكدت أن هذه الخطة لن تتجسد إلا بتغير معطيات وظروف راهنة، تتعلق أيضا بالانتهاء من ضبط وإرساء أسس نظام الدفع الإلكتروني في الجزائر.
وتتألف خطة تطوير محتوى وشكل “النهار الجديد” في نسختها المصورة، من عدة مراحل، تنتهي عند مرحلة يتم فيها تقديم خدمة صحافية مدفوعة مسبقا، غير أن تلك الخدمة لن تشمل كافة مواضيع ومقالات صحيفة النهار الجديد، حيث من المقرر أن تمس فقط حزمة من الأخبار الحصرية والتحقيقات والحوارات والروبورتاجات، بحسب البيان الذي أصدره المجمع الثلاثاء.
وإلى حين تحقيق ذلك، ستبقى النهار الجديد، متاحة لعموم القراء على موقع “النهار أونلاين”، في إطار تقديم خدمة إعلامية عمومية.
وفي مايو 2017 قررت صحيفة “النهار” اللبنانية دخول التجربة في سابقة هي الأولى من نوعها لصحيفة إخبارية يومية في الصحافة العربية، كحل بديل عن الإغلاق في ظل أزمة يعاني منها قطاع الصحافة والإعلام في لبنان، وقررت تخصيص جزء من محتواها الإلكتروني إلى خدمة مدفوعة الأجر، بحيث يتم تقديمها للقراء عن طريق اشتراكات.وتعتبر سياسة الاشتراكات للمحتوى الإخباري على المواقع الإلكترونية، واحدة من مصادر الدخل التي ابتكرتها المؤسسات الإعلامية في العالم لتنشيط مبيعاتها. وتتمثل هذه السياسة في تقديم جميع ما تنشره المواقع الإلكترونية للجمهور باشتراكات شهرية، أو تخصيص جزء فقط من المحتوى المتعلق بالتحقيقات والتقارير وبعض الأخبار ليكون محتوى مدفوع الأجر.
وتشترك الصحيفة اللبنانية والجزائرية في نفس الظروف التي دفعتهما إلى هذا القرار، فالمؤسستان الإعلاميتان واجهتا خيارين: إما الإقفال وتسريح العشرات من الموظفين، وإما البحث عن مصدر جديد للتمويل. والاثنتان اختارتا الثاني.
وإذا كانت “النهار” اللبنانية لم تفصح عن تفاصيل هذه التجربة لاحقا وعن مدى نجاحها أو فشلها بالأرقام، إلا أنها لا تزال مستمرة حتى اليوم، ونجحت على الأقل في تحقيق هذا الهدف، أي البقاء في المشهد الإعلامي.
وعلى الضفة الأخرى، تحتاج الصحيفة الجزائرية إلى انطلاقة قوية بمحتوى جاد وتقنيات حديثة تجذب القراء وقد تقنعهم بالدفع، في سبيل تجاوز الصعوبات التي تواجهها منذ أشهر، حيث اضطرت إلى تعليق صدورها.
وأصدرت إدارة صحيفة النهار الجديد بيانا في أبريل الماضي، كشفت فيه عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قرار تعليق طباعة وإصدار الصحيفة بعد 13 سنة من الوجود غير المنقطع في الساحة الإعلامية الجزائرية.
ويرجع القرار بدرجة أولى إلى أسباب مادية، حيث لا تسمح الأوضاع المادية التي تمر بها الصحيفة بعد توقيف الإشهار العمومي شهر فبراير الماضي، وهو الذي يعتبر المورد المالي الوحيد للصحيفة بمواصلة الطباعة والإصدار.
كما أرجع البيان سبب تعليق طباعة وصدور الصحيفة إلى الأوضاع الصحية التي تمر بها الجزائر بسبب انتشار جائحة كورونا، وحالة الحجر الصحي وشروط الوقاية التي تسببت في عزوف المتعاملين عن اقتناء الصحيفة بسبب غلق الأكشاك.
وقالت النهار الجديد، إنه تقرر تعليق طباعة وإصدار الصحيفة إلى إشعار آخر، لتفادي تراكم الديون لدى المطابع العمومية والديون لدى شركات التوزيع.
ولاحقا أفادت سعاد عزوز، مسؤولة نشر النهار الجديد أنّ الصحيفة ستعود إلى الصدور بقوة بعد الأزمة الصحية وتوفر الشروط اللازمة لعملية التوزيع. وكتبت في تغريدة على حسابها على تويتر “قرار تعليق طبع النهار مؤقت وليس نهائيا.. والصحيفة ستعود إلى الصدور فور توفر شروط التوزيع”.
وأضافت في تغريدتها أن “توقف سحب الصحيفة هو بمثابة خروج في عطلة تقنية بالنسبة للصحافيين والتقنيين بحكم الوضع الصحي السائد في البلاد”.
وكان العربي ونوغي، المدير العام للمؤسّسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار السابق، قد كشف عن أرقام لحجم استفادة الصحف من الإشهار العمومي خلال الفترة ما بين 2012 و2019. وأوضح ونوغي أن أكثر المستفيدين في هذه الفترة كانت صحيفة “النهار الجديد” التي تعتبر مقربة من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.