"الحياة المستدامة" أسلوب عيش غائب عن المجتمعات العربية

ارتباط نمط حياة الأفراد بأسلوب استهلاكي يولّد أزمات خطيرة.
الجمعة 2021/06/18
تغيير نمط الحياة يحد من تأثيراته السلبية

يفرض نمط الحياة المعاصر على الأفراد أن يتبنوا أسلوب عيش يتميز بالاستدامةـ ما يعود عليهم وعلى البيئة بالنفع. ويرى المختصون أن الحياة المستدامة مفهوم غائب عن المجتمعات العربية لارتباط العيش فيها بنمط استهلاكي غير رشيد ولّد أزمات بيئية خطيرة.

شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية وعيا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي وتقلص مساحات الغابات المدارية وتلوث الماء والهواء وارتفاع درجة حرارة الأرض والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار واستنفاد الموارد غير المتجددة.

وقد دفعت هذه العوامل بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى المناداة بنموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى.

ويرى خبراء البيئة أن “الحياة المستدامة” أسلوب عيش غائب عن المجتمعات العربية رغم بعض التجارب والمحاولات، مشيرين إلى أن الامتثال لقيم ومبادئ الحياة الأخلاقية اختيارٌ فردي إلى حدٍ كبير أكثر من كونه حركة اجتماعية منظمة.

وأكد الخبراء أن الحياة الأخلاقية هي فرع من الحياة المستدامة، حيث يقوم الفرد في البداية بإحداث تغييرات بسيطة في نمط الحياة للحد من تأثيراتها على البيئة.

عادل الهنتاتي: الحياة المستدامة مفهوم غائب عن المجتمعات العربية
عادل الهنتاتي: الحياة المستدامة مفهوم غائب عن المجتمعات العربية

وأقرّ عادل الهنتاتي الخبير التونسي في البيئة والتنمية المستدامة بأن مفهوم التنمية المستدامة غائب ليس فقط عن المجتمعات العربية وإنما أيضا عن نظيرتها الغربية.

وقال الهنتاتي إن مبادئ التنمية المستدامة لم يتم تطبيقها، وحتى إن تم تطبيق بعض جوانبها يكون ذلك بطريقة عشوائية سواء في تونس أو خارجها، مشيرا إلى أن البلدان التي أكدت التزامها بالمعايير البيئية لم تلتزم بها فعليا.

وقال الخبراء إن قرار البدء بالعيش أخلاقياً يمكن أن يكون سهلاً كالشروع في إطفاء الأنوار بعد مغادرة الغرفة أو شراء المنتجات العضوية المحلية أو اقتناء المواد التجارية المقبولة أو التقليل من تناول اللحوم. وعادةً ما يقوم أغلب الناس بإعادة استخدام مياه الصرف أو إعادة تدويرها، أو استخدام مصادر متجددة في منازلهم كالألواح الشمسية أو مولدات الماء الهوائية، أو استبدال وسائل نقل بأخرى صحية كقيادة الدراجات.

وفي فلسطين تعمل الجمعية الفلسطينية للطاقة الشمسية والمستدامة على رفع مستوى الوعي بأهمية الطاقة الشمسية كمورد متجدد يمكن استخدامه والاستثمار فيه بما يحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية.

وفي تونس نفذ في منطقة الغدير (شمال البلاد) مشروع لإنشاء معصرة زيتون تنتفع منه 70 امرأة و30 رجلا، وساهم في إعادة إحياء النشاط الزراعي الذي توقف سابقا، لاسيما الإفادة من أشجار الزيتون حيث تم إنتاج 4 أطنان من زيت الزيتون ذي النوعية الجيدة.

وأشار الخبراء إلى أن الحياة الأخلاقية هي فلسفة صنع قرارات الحياة اليومية التي تأخذ بعين الاعتبار الأخلاق والقيم المعنوية، وخصوصاً ما تعلق منها بالاستهلاك والاستدامة وحماية البيئة والحياة البرية والرفق بالحيوانات، مؤكدين أن إحداث التغييرات المطلوبة لتحقيق نمط حياة أكثر أخلاقية يمكن أن يكون صعبا.

ويشير المختصون إلى أن البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشكلتين حادتين، تتمثل الأولى في أن الكثير من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاد في المستقبل القريب، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه البيئة في الوقت الحاضر والناتج عن الكم الكبير من النفايات الضارة التي نخلّفها.

Thumbnail

وأشار تقرير بعنوان “دور المجتمع المدني في المنطقة العربية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030” إلى أنّ الجفاف ألحق أضرارًا بأكثر من 44 مليون شخص في المنطقة بين عامي 1990 و2019، وأنّ قيمة الأضرار الاقتصادية للكوارث تجاوزت 19.7 مليار دولار في الفترة نفسها. كما تشير التقديرات إلى أنّ تغيّر المناخ سيحدّ من توفّر المياه، ويغيّر أنماط الإنتاج الزراعي، ويهدّد إنتاج الثروة الحيوانية، ويؤثر سلبًا على الغابات والأراضي الرطبة، ويقلّص فرص العمل في الزراعة، ويزيد من موجات الحر.

وقالت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي “اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى تغيير هيكلي، تغيير يضعنا على مسار التحوّل المنشود”. وفيما يؤكد التقرير على أنّ إحقاق التغيير يتطلّب جهودًا جادّة من الحكومات وواضعي السياسات، يُضيف أنّ التحوّل الجذري يبقى مشروع المجتمع بأسره.

ويشير التقرير إلى أن محور اهتمام خطة عام 2030 هو الإنسان والتزامه وقدرته على التغيير، ويشمل ذلك قدرة المجتمع المدني والصحافة والقطاع الخاص على تأدية أدوارهم بنشاط وفاعلية والتزام.

ويعتقد الكثير أنه حتى التغييرات الجذرية في نمط الحياة يجب أن توضع لمقاومة تغير المناخ؛ فمثلاً من المرجح أنَّ الزيادة الوشيكة في تلوث العالم ستُفاقم من ندرةِ المصادر وتزيد من الانبعاثات الكربونية. ولهذا يعتقد الكثير أن الحياة الأخلاقية قد تعني السيطرة على صحة الفرد وتتطلب حلولاً اجتماعية كزيادة الاهتمام بالمرأة في الحياة العامة والخاصة وتنظيم الأسرة والاهتمام بالصحة الإنجابية.

ويرى الخبراء أن الحياة الأخلاقية تتألف من أوجه كثيرة، من الملابس التي يرتديها الفرد والغذاء الذي يأكله والطريقة التي يسافر بها ومدى الجدارة في إدارة الموارد مثل الماء والكهرباء. وقال الخبراء إنه بمجرد تبني البدائل سيجد المرء غالبا أن تلك التغييرات الصديقة للبيئة وفرت المال والوقت وأفادت الكوكب أيضا.

ونصحوا الأفراد بأن يكونوا على دراية بمصدر الطعام، ذلك أن الغذاء المنتج محليا طازج ومليء بالمغذيات أكثر من ذلك الذي جرى شحنه من مختلف مناطق العالم تقريبا ولكن له أيضا أثر سلبي على البيئة. وسواء كان الأفراد يزرعون غذاءهم أو يشترونه من المزارعين المحليين فإن الحصول على المنتجات في موسمها يقلل الأثر الكربوني ويدعم أيضا الاقتصاد المحلي ما يجعل ذلك من بين أكثر الطرق استدامة لتناول الطعام الصحي.

21