الحكومة المصرية تتراجع أمام المعارضة الشعبية ولا تتنازل للسياسيين

السيسي يضع شروطا للمعارضة تتناسب مع رؤيته لدورها في الشارع.
الأربعاء 2021/02/17
السيسي: من حق الناس أن يعبروا عن رأيهم ويعترضوا

القاهرة - وضع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء مفهوما للمعارضة وشروطا للتعبير عن الرأي، بما يتناسب مع المقاييس العامة التي يعتقد في جدواها حاليا، وهو ما يجعل الإصلاحات السياسية مرهونة بحسابات السلطة التي باتت تقبل تقديم تنازلات لفائدة المعارضة الشعبية “التلقائية” وترفض أي تنازل للمعارضة السياسية حتى لا تبدو في موقف ضعف.

وقال السيسي في كلمته خلال افتتاح عدد من المشروعات بمحافظة الإسماعيلية شرق القاهرة إن “من حق الناس أن يعبروا عن رأيهم ويعترضوا، وتكون لدينا معارضة صحيحة، لكن الهدف في النهاية -سواء التعبير عن الرأي أو المعارضة- هو تحسين أحوال الناس وحياتهم. الهدف كده مش المعارضة للمعارضة ومش التعبير عن الرأي علشان الناس تتكلم (الهدف بهذا المعنى ليس المعارضة لمجرد المعارضة وليس التعبير عن الرأي لمجرد أن يتكلم الناس)”.

ووجهت وسائل إعلام دولية انتقادات لمجال الحريات في مصر خلال الأيام الماضية، تزامنا مع الرسائل التي بعثت بها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والخاصة بالاهتمام بملف حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في دول كثيرة، بينها مصر.

جمال أسعد عبدالملاك: المعارضة الشعبية تفرض نفسها وتجد تعاطفا في الشارع
جمال أسعد عبدالملاك: المعارضة الشعبية تفرض نفسها وتجد تعاطفا في الشارع

ومرت الحكومة المصرية بالكثير من المواقف الشعبية التي أجبرتها على التراجع عن قرارات مست مصالح المواطنين بشكل مباشر، بينما رفضت الاستجابة لمطالب سياسية هادئة رفعتها أحزاب عديدة بشأن القيام بإصلاحات تمكنها من ممارسة دورها المباشر، وبدت الحكومة تفضّل صخب الشعب على هدوء الأحزاب.

وأدى استحسان الصخب غير المنظم إلى زيادة الضغوط على الحكومة، وربما يجعلها تدفع ثمنا باهظا لاحقا، فكل قرار تتخذه ولا يلقى ترحيبا يجد طريقه إلى المعارضة الشعبية، وهي سلاح خطير يستخدمه الكثيرون في الوصول إلى أهدافهم، ذلك أنهم عرفوا أن الحكومة تنحني أمام هذا النوع من العواصف خوفا من اشتدادها وعدم السيطرة عليها.

واضطرت مصادر حكومية أخيرا إلى نفي إنشاء جسر بجانب كنيسة “البازيليك” في منطقة مصر الجديدة شرق القاهرة قبل أيام، وحاولت من خلال النفي امتصاص غضب فئات لم تهدأ حتى تلقت من جهات مختلفة تأكيدات على أن الجسر لن يتم تنفيذه.

وأصدر أهالي المنطقة بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي رفضوا فيها إنشاء جسر الإسماعيلية بحي مصر الجديدة، بطول 2 كيلومتر ويمر بمحاذاة كنيسة السيدة العذراء -وهي كنيسة تراثية أنشئت منذ 110 أعوام- وصولاً إلى قصر الاتحادية الرئاسي ونادي هيليوبوليس الرياضي.

وتضامن مع الأهالي مسؤولو الكنيسة، ورفضوا المشروع لأسباب أمنية وروحية، حيث يمكن لأي إرهابي اعتلاء الجسر وتهديد من يؤدون الصلوات داخل الكنيسة، فضلا عما يسببه صوت السيارات فوقه من إزعاج للمصلين.

وأرسلت “البازيليك” بالتضامن مع الكنيسة المارونية وكنيسة الروم الأرثوذكس خطابا إلى كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس الوزراء لإبداء الموقف من إنشاء الجسر، وكانت تنوي مخاطبة رئيس الجمهورية قبل التراجع عن المشروع.

ولم يكن المشروع المحاذي لـ”البازيليك” الوحيد الذي تنحني له الحكومة، فقد أوقفت تطبيق الكثير من بنود ملف التصالح في مخالفات البناء، واضطرت إلى التنازل عن الصيغة الإلزامية والسرعة في تنفيذه.

وبعد احتدام الرفض الشعبي وعدت بدراسة فكرة التراجع عن إنشاء مشروع “عين القاهرة” في حديقة المسلة القريبة من نهر النيل عند مدخل جزيرة حي الزمالك الراقي في القاهرة، والقريب من دار الأوبرا المصرية، وهو يحاكي “عين لندن”.

و”عين القاهرة” عبارة عن عجلة دوارة ترفيهية على مساحة 20 ألف متر، بارتفاع 120 مترا، وتضم 48 مقصورة، وتتيح للزوار مشاهدة نحو 50 كيلومترا من القاهرة، وتملك المشروع وتنفذه شركة هاواي، ومقدر له جذب 205 ملايين زائر في العام.

وتبدو الحكومة المصرية كأنها تمارس ديمقراطية من نوع جديد، تريد من خلالها كسب رضا الشعب، ولا تريد كسب ود أحزاب المعارضة التي فُرضت عليها قيود لم تمكنها من ممارسة دورها السياسي.

وقد تكون الطبيعة الجغرافية محددا لحالة الجدل التي صاحبت مشروعي مصر الجديدة والزمالك، والانتقادات كانت من قبل مواطنين يسكنون في تلك المناطق، وليست على مستوى عام، كما الحال بالنسبة إلى الأحزاب التي تنتقد رؤى وتوجهات سياسية وليس مجرد مشروعات خدمية أو سياحية صغيرة.

الحكومة وعدت بدراسة فكرة التراجع عن إنشاء مشروع "عين القاهرة"
الحكومة وعدت بدراسة فكرة التراجع عن إنشاء مشروع "عين القاهرة"

كما أن المشروعات المعلن عنها ليست لها مدلولات سياسية، والنقاشات التي دارت حولها جاءت لاعتبارات تتعلق برؤية المواطنين وتأثرهم بها سلْبًا بشكل مباشر.

وتتجاوب الحكومة مع صيحات المواطنين لأن تصرفاتهم لا تتضمن أهدافا سياسية محددة، وتريد الإيحاء بأنها قريبة من نبض الشارع، ما يدحض اتهامها بأنها متعنتة أو متغطرسة في التعامل مع الفضاء العام.

كما أنها تريد فرض منطقها السياسي في الكثير من المجالات؛ فلها توصيف معين لحقوق الإنسان يحصرها في المأكل والمشرب والملبس، ولا تندرج ضمنها مسألة الحريات. ولها رؤية في دور المعارضة تفرض عليها التوافق مع الخطوط العامة وحصر الخلاف في الهوامش، وغالبا تأتي من رحم جيوب أو شخصيات تدور في فلكها أصلا.

وترفض الحكومة أن تمارس المعارضة دورها بشكل مفتوح، بحجة تخوّفها من تسرب عناصر جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وخلقت لنفسها مفهوما يمكن أن يجبرها على المزيد من التنازلات ويؤدي إلى تعطيل مشروعات التنمية التي تقوم بها، خاصة التي تتعارض مع مصالح فئة عريضة من السكان.

وقال المحلل السياسي جمال أسعد عبدالملاك إن “ارتفاع أصوات المعارضة الشعبية أمر تشهده العديد من دول العالم، ويتماشى مع تنامي مفهوم ‘الشعبوية’، وهي نقيض ‘الديمقراطية النيابية’، وفي ظل خفوت تأثير الأحزاب على الجماهير وإهدار أدوار المجالس المحلية في التعبير عنها أُفسح المجال لتوالي الحملات الشعبية”.

وأضاف عبدالملاك في تصريح لـ”العرب” أن “اهتمام الرأي العام المصري بقضيتي كوبري مصر الجديدة ومشروع عين القاهرة له ارتباطات تتعلق بالنطاق الجغرافي داخل العاصمة، والذي يضم أماكن تتواجد فيها النخبة من سياسيين وصحافيين وكتاب ونجوم مجتمع، نقلوا ما يدور في الشارع إلى وسائل الإعلام، واستطاعت المعارضة الشعبية أن تفرض نفسها مصحوبة بدعم معنوي قد يغيب في قضايا أخرى كثيرة”.

ويقول متابعون إن غياب الحوار المجتمعي بشأن المشروعات الراهنة من الأسباب التي دفعت إلى ظهور معارضة شعبية، ما يشكل تهديدا لفاعلية مفهوم التنمية التي تبذل الحكومة جهودا كبيرة فيها، وقد لا تحظى برضا شعبي واسع.

1