الحكومة العراقية لا تحصل على ربع عائدات المنافذ الحدودية

تكشف تصريحات المسؤولين العراقيين عن حجم الخسائر التي يسبّبها الفساد للبلاد، حيث يحرم الدولة من عوائد المنافذ الحدودية نظرا لاستفحال الرشوة والتهريب الجمركي وسيطرة الميليشيات الإيرانية على الحدود، في وقت تشدد فيه الحكومة حملة مراقبة الحدود لتطويق هذه الشبكات.
بغداد - يدرك الوزراء والمسؤولون العراقيون أن تبعات الفساد تكلّف البلاد خسائر ضخمة في المنافذ الحدودية خصوصا في ظل استفحال نشاط الميليشيات الإيرانية التي تهرّب السلع، ما يحرم البلاد من إيرادات ضخمة.
وقال علي علاوي وزير المالية العراقي خلال مقابلة مع صحيفة “ذي غارديان البريطانية”، إن “الأزمات ستبقى قائمة في العراق إلى حين وصول سعر برميل النفط الخام إلى 70 دولارا”. وأشار إلى أن “سوء الوضع الاقتصادي في العراق والفساد في المنافذ الحدودية باتا يشكلان خطرا على الاستقرار الاجتماعي”.
وأضاف أن “الاقتصاد العراقي شابه الفساد لدرجة أن مقعد الموظف في المنافذ الحدودية بات يباع بما بين 50 و100 ألف دولار”.
ولفت إلى أن “عدم حلحلة المشاكل المالية سريعا سيقود البلاد إلى خسائر كبيرة”، لافتا “ستبقى الأزمات فترة طويلة، وستستمر إلى حين بلوغ سعر برميل النفط 70 دولارا”.
وبخصوص عائدات المنافذ الحدودية، قال وزير المالية العراقي إن “10 في المئة فقط من المليارات الثمانية التي يفترض أن تعود بها المنافذ الحدودية على الخزينة العراقية، تصل إلينا”.
وقارن الوزير الوضع بما يعيشه الأردن، قائلا “الأردن جار للعراق وتتلقى الخزينة الحكومية فيه 97 في المئة من عائدات منافذه الحدودية، وتعود قلة عائدات المنافذ الحدودية إلى الفساد في المنافذ الحدودية الذي بلغ حدا يباع فيه مكان شاغر لموظف عادي بما بين 50 و100 ألف دولار وأحيانا أضعاف هذه المبالغ”.
ووصف الوضع بأنه أشبه بمستنقع أفريقي تعرض للجفاف قائلا “عندها تخرج الأسماك عن السيطرة نتيجة نقص الأوكسجين.. أغلب الناس لم يعودوا يعرفون كيف يؤمنون إيجارات مساكنهم في هذا الحوض المنكوب”.
وفي ما يتعلق بعائدات النفط، أعلن وزير المالية العراقي أن “سعر النفط لن يرتفع، ويجب أن نجد حلا، وإلا سيكون مصيرنا كمصير فنزويلا التي اعتمدت على النفط وحده، يجب أن نجد حلا جديا للوضع، فلن يأتينا أحد بالحل”.
وأشار علاوي إلى وجود رغبة في التغيير في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي للعراق، “يجب أن يكون هناك من يقول ‘لا’ عند نقطة معينة وأعتقد أنني أنا من يجب أن يقولها، لكن يمكن للمرء أن يقول ‘لا’ إلى حد معين وعندها سيقولون هم أيضا ‘لا”.
ويعتقد علاوي أن “مشاكل العراق مترابطة لدرجة أنك عندما تريد حل إحداها يتبيّن لك أن شخصية قوية جدا منتفعة منها، وتعيق حلها.”
10 في المئة فقط من عائدات المليارات الثمانية للمنافذ الحدودية تعود للدولة
وشددت الحكومة العراقية الأسبوع الماضي إجراءات مراقبة الحدود في خطوة لتطويق الفساد والتهريب. وأعلن اللواء عمر عدنان الوائلي، رئيس هيئة المنافذ الحدودية في العراق، أن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وجه قيادة العمليات المشتركة بغلق المعابر الحدودية غير الرسمية، حيث يهدف التحرك إلى إيقاف عمليات التهريب والإضرار بالاقتصاد الوطني وحماية المنتج المحلي.
وكان الكاظمي منذ يوليو الماضي، قد فتح جبهة مواجهة لنفوذ المهربين والميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون، خصوصا محافظة ديالى بالقرب من الحدود الإيرانية، مستهدفا ممرات تهريب الأسلحة والعملة هناك.
وفوجئ العراقيون حينها بسلسلة إعلانات أمنية، أولها وضع القيادة العسكرية يدها مباشرة على معبرين حدوديين حيويين مع إيران، بالتزامن مع عمليات مداهمة لأوكار ومواقع مشبوهة في ديالى، ثم وصول الكاظمي إلى مقر القيادة العسكرية في المحافظة.
وتعد منافذ إيران على ديالى، أبرز خطوط دعم وتموين الميليشيات العراقية بالسلاح والمعدات اللوجيستية، كما أنها تعد الممر الرئيس لتهريب العملة الصعبة من العراق إلى الأراضي الإيرانية.
وخصص الكاظمي فريقين من قوات النخبة العراقية للسيطرة على منفذي مندلي والمنذرية بين ديالى وإيران. ويدخل عبر هذين المنفذين معظم السلاح الإيراني المخصص لدعم الميليشيات، فضلا عن مختلف المعدات العسكرية غير المرخصة.
وتستخدم الميليشيات الشيعية العراقية هذين الممرين لتهريب الدولار الأميركي إلى إيران بعد جمعه من المصارف والأسواق يوميا.
ويعاني العراق، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، من وضع اقتصادي صعب منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003 وما أعقبه من فوضى أمنية دمرت أسس الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط.
ويقدر حجم ما تفقده الدولة من الأموال، التي تذهب إلى الميليشيات المرتبطة بإيران، بنحو ثمانية مليارات دولار سنويا، غير أن البعض يعتقد أنها أكثر بكثير من ذلك.
وتظهر بيانات رسمية لوزارة المالية العراقية أن حجم الواردات السنوية من المعابر تبلغ أكثر من 9 مليارات دولار، لكنها لا تصل إلى خزينة الدولة.
وكانت قيادة العمليات المشتركة قد أعلنت عن وضع خطة متكاملة لمسك كافة المنافذ الحدودية البرية والبحرية لمحافظة البصرة بالتنسيق مع هيئة المنافذ الحدودية.
وشدد الكاظمي خلال ترؤسه جلسة للحكومة بمحافظة البصرة الصيف الماضي على موقف السلطات القاطع بالسيطرة على المنافذ الحدودية والموانئ البحرية ومحاربة الفاسدين.
وقال إن “الموانئ والمنافذ الحدودية يجب أن تكون تحت سلطة القانون وليس بيد الفاسدين”، كاشفا عن خطة لإصلاح النظام المالي والإداري “للتحرر من عبودية النفط”.
وأكد الكاظمي أن الاعتماد على النفط تجربة فاشلة، وأن سبب قلة الأموال في الوقت الحالي هو سوء الإدارة والاعتماد المطلق على عائدات الطاقة.
ووفق الإحصائيات الرسمية، يرتبط العراق مع جيرانه، وهي السعودية والكويت وسوريا والأردن وإيران وتركيا، عبر 24 منفذا حدوديا بريا وبحريا.