الحسابات السياسية تعطل إفطار الوحدة الوطنية بمصر

السبت 2016/06/25
الوحدة قوام الدولة

القاهرة - في ظل العلاقات الملتبسة بين المسلمين والأقباط في مصر منذ ما يقرب من أربعة عقود، حافظت موائد الإفطار الرسمية التي اعتادت كنائس مصر الثلاث الرئيسية (الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية) إقامتها على رمزيتها في التقريب بين مكونات الشعب، ونجحت في تحدي الظروف غير الملائمة إلى حين اندلاع ثورة 25 يناير 2011.

واتفق عدد من المتابعين للشأن المسيحي على أن تلك الموائد التي كان يدعى إليها كبار المسؤولين الرسميين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لم تكن مؤشرا حقيقيا على فعالية الوحدة الوطنية في الشارع، بدليل أنها لم تمنع العشرات من الحوادث والاشتباكات بين مسلمين وأقباط.

لكن هناك من ربط بين اختفاء تلك الموائد منذ عام 2010 وظروف سياسية واقتصادية غير مواتية، اضطرت معها الكنائس الثلاث الرسمية للتخلي عن الفكرة التي بدأها البابا الراحل شنودة الثالث قبل أكثر من ثلاثة عقود.

وكشف مصدر كنسي لـ”العرب” أن السبب الحقيقي وراء تأخر استئناف موائد الوحدة الوطنية هو الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية، حيث أرسلت الكنيسة طلبا كالمعتاد للحصول على موافقتهما لإقامة الموائد لكنها لم تتلق ردا وهو موقف فهمت منه الكنيسة أن المؤسسة الإسلامية الرسمية لا تحبذ إقامتها.

وأكد سمير عليش المفكر القبطي لـ”العرب” أن الموائد الرسمية كانت تهدف إلى إعطاء رسالة للداخل والخارج بتماسك النسيج المجتمعي المصري.

وأوضح أن تلك الموائد لم تكن مقياسا دقيقا للوحدة بين المسيحيين والمسلمين، بقدر ما كانت احتفالية يحضرها مسؤولو الحزب الوطني المنحل، وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة، ما يعني أنها كانت منفصلة عن الشارع والواقع المصري.

وكانت آخر مائدة إفطار وحدة وطنية على المستوى الرسمي أقيمت عام 2010، وحملت عددا من المؤشرات على وجود توتر خفي بين الكنيسة الأرثوذكسية والرئيس الأسبق مبارك رغم حرص شيخ الأزهر وعدد من كبار المسؤولين على الحضور كعادتهم.

متابعون للشأن القبطي لفتوا إلى أن التوتر بدأ منذ عام 2008، وكان هناك اتجاه قوي داخل الكنائس لإلغاء تلك الموائد، وأعلنت وقتها أنها بصدد تحويل أموال المائدة الرسمية إلى مشروع خاص لتوفير 6 ملايين وجبة إفطار للفقراء.

ثم جاء إلغاء الموائد فعليا في العام التالي ليقدم دليلا إضافيا على التوتر القائم بين النظام والكنسية، على خلفية توجه الدولة المصرية للسماح بالزواج الثاني للمسيحيين، رغم رفض الكنيسة وامتناعها عن تنفيذ حكم قضائي بهذا الشأن بذريعة مخالفته للنص الإنجيلي.

القس إسحق إبراهيم اعترف بأن الظروف التي أعقبت ثورة يناير فرضت استمرار انقطاع مائدة الوحدة الوطنية التي تقيمها الكنيسة، سواء لظروف عدم الاستقرار الأمني في البلاد وانتشار حالة الفوضى، وكذا لسفر البابا شنودة المتكرر للعلاج في الخارج.

وأضاف لـ “العرب” أن التوتر الديني والسياسي المتصاعد بعد تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي الحكم عزز فكرة تجميد تلك الموائد، في ظل مناخ سياسي كان يزيد حدة الاستقطاب الديني بين المسلمين والمسيحيين.

ثم جاءت مطالبة الإخوان للكنائس المصرية بتسليمها أموال موائد الرحمن للتصرف فيها بمعرفتهم لدعم الفقراء، وهو ما رفضته الكنيسة، ليضيف سببا مهما، إلى جانب تصاعد دعوات سلفية وفتاوى تحظر على المسلمين التواجد على الموائد التي يقيمها المسيحيون.

وجاء عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في يوليو 2013، وما أعقبه من تداعيات وأحداث عنف وإرهاب شهدتها بعض الكنائس والممتلكات القبطية بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، ليقدم سببا قويا لاستمرار التجميد.

غير أنه برحيل الإخوان عن الحكم، وتراجع معدلات استهداف الأقباط، كان من المتوقع استئناف موائد الوحدة الوطنية، لكنها استمرت في الغياب عام 2014 رغم تولي عبدالفتاح السيسي الحكم وزيارته بطريركية الأقباط الأرثوذكس.

محللون سياسيون قللوا من التكهنات السياسية التي تطلق لتفسير استمرار الغياب، داعين إلى الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها مصر والتي تقف خلف هذا الغياب، بدليل أن البابا تواضروس الثاني دعا إلى توجيه أموال الموائد لدعم صندوق تحيا مصر.

وقال الباحث القبطي سامح فوزي لـ “العرب” إن “موائد الرحمن الكنسية” بما كانت تتضمنه من تكلفة كبيرة واحتفاء مبالغ فيه أثارت موجة سخط في أوساط الشباب المسيحي بعد ثورة 25 يناير، ممن رأوا فيها نموذجا للإسراف بلا مبرر في وقت يوجد فيه الملايين من المسيحيين الذين يعانون من الفقر والجوع.

ورغم أنه لا توجد تقديرات حول المبالغ المالية التي تنفق على موائد الوحدة الوطنية، إلا أن البعض يقدرها بالملايين من الجنيهات في شهر رمضان.

لكن القس إسحق إبراهيم أشار إلى أن الكنيسة لا تتحمل تكلفة هذه الموائد وإنما يتحملها بعض رجال الأعمال المسيحيين.

ولا تزال بعض الشخصيات القبطية والكنائس الفرعية تقيم بعض الموائد على نطاق محدود، يدعون فيها بعض الكتاب والإعلاميين كرمز ظاهر على التلاحم، غير أن الأزمة الحقيقية بين الجهات الرسمية الكبيرة على الجانبين، المسلم والمسيحي، مستمرة.

2