الحدث المسرحي وفعل التلقي

الأربعاء 2017/11/15

يختلف تصور المتفرج، أو المتلقي للحدث المسرحي (بمعنى النشاط وليس الفعل الدرامي) تبعاً لصلته بالمسرح، وبالأشكال الفنية الأخرى، وتبعاً لموقعه في النظام الاجتماعي والثقافي، ففي المناطق الحضرية، حيث تتاح المنتجات الثقافية بدرجة أو بأخرى، لا يهتم المتفرج كثيراً بالحدث المسرحي.

ومن ناحية أخرى تزداد جاذبية الحدث المسرحي وأهميته لديه إذا اشترك فيه ممثلون، أو مخرجون من النجوم المعروفين، ففي مثل هذه الحال يكون المشاهد على استعداد دائم لأن يدفع ثمن تذكرة الدخول. وفي أغلب الأحيان تزداد أهمية الحدث المسرحي إذا كانت تؤديه فرقة مسرحية قادمة من الخارج. وهذا ما نلاحظه في المهرجانات المسرحية العربية التي تستضيف عروضا أجنبية. أما خارج التجمعات الحضرية الكبيرة، فإن المحدودية التي يتسم بها وجود المسرح تؤدي إلى التقليل من فرصة استيعاب المتلقي للحدث المسرحي، وفي بعض الأماكن النائية التي يصعب فيها على الناس الوصول إلى المسارح لا يدرك السكان مفهوم الحدث المسرحي.

وعلى هذا الأساس تؤدي المسافة التي تفصل بين المتفرجين في المناطق غير الحضرية والمسرح، حتماً، إلى حدوث مشاكل في التلقي، كما ترى الباحثة الكندية سوزان بينيت، فالحدث المسرحي ذاته من الصعوبة بمكان بحيث يصعب على هؤلاء المتفرجين تماماً تفكيك شفرته، مثلما يجد المتفرجون الغربيون صعوبةً في تفكيك شفرة المسرح الشرقي.

ولكن، على الرغم من ذلك، يكتسب الحدث المسرحي في المناطق التي تقل فيها فرصة وجود المسرح وظيفة الطقس الاجتماعي بشكل، أو بآخر، وذلك لأن متعة العرض المسرحي تتصل هنا بتجمع أفراد ذوي سمات معينة، يرتبط بعضهم ببعض بدرجة كبيرة من القرب، وتجمعهم حميمية المكان، ومن ثم فإن العرض المسرحي يؤدي في تلك المناطق وظيفة التوكيد على العلاقة الاجتماعية القائمة بين جماعة معينة، وهي وظيفة تختلف عن وظيفة العرض المسرحي في المناطق الحضرية. ولذلك ظهرت فرق مسرحية عديدة سعت إلى تحقيق مثل هذه الوظيفة.

ويُعزى بروز ممارسات مسرحية عديدة تعكس ملامح متباينة ومتميزة للحدث المسرحي إلى نمو النشاط المسرحي للفرق التي تنهج نهجا غير تقليدي خلال العقود الأخيرة. ومن أهم الملامح التي اكتسبها الحدث المسرحي: عدم مركزيته من حيث المكان، ومن حيث هو مناسبة وعدم ارتباط العروض المسرحية بفضاءات تقليدية تقوم على العلاقة المألوفة بين المتلقي وخشبة المسرح، وانتشار تأثير المسرح، وتحقق وجود فعال له في المدن والتجمعات التي كانت بعيدة عنه سابقاً.

وللمهرجانات المسرحية، بالطبع، دور أساسي في تجاوز الفضاءات التقليدية، الأمر الذي جعل الفرق المسرحية الحديثة تسعى، سعياً حثيثاً، إلى المشاركة في هذه المهرجانات، وخاصة تلك التي تقام وسط تجمعات مسرحية غير تقليدية.

إن الكثير من عمليات التلقي التي يضطلع بها المتفرجون تبدأ نشاطها قبل الحدث المسرحي، من خلال تطلعهم إلى عرض مسرحي من نمط معين. لكن طبيعة هذا التطلع تتباين بدرجات مختلفة، حيث أن أفق التوقع الخاص بهؤلاء المتفرجين قد لا يكون مجدياً بدرجة كبيرة في تفكيك شفرة العرض المسرحي ذاته، ومن ثم فإن العنصر المحوري في التلقي المسرحي هو قابلية العرض المسرحي نفسه على التلقي من خلال شفرات، ومواصفات عرفها، واعتاد عليها في تفكيكه لشفرات الحدث المسرحي. وعلى هذا الأساس يقاس نجاح عرض ما وقابليته على أن يستوعبه المتفرجون.

كاتب عراقي

14