الحب لغز "بسيط" لم يفسره العلم

خبراء يرصدون أنماطا للحب الرومانسي لا تختلف كثيرا عن أنماط الارتباط المتعلق بالأمومة.
الأربعاء 2020/03/04
انجذاب معقد

لندن - أكد أستاذ علم الأعصاب في جامعة كوليج لندن باراشكيف ناتشيف أن الحب الرومانسي جارف لا يمكن مقاومته، كما أنه يتسم بالاندفاع، ويتحكم في الإنسان أكثر مما يتحكم هو فيه.

ولفت إلى أن الحب في أحد وجوهه لغز غامض، وفي وجه آخر يتسم بالبساطة الخالصة، وأن مجرد السير في طريقه يمكن التنبؤ به، ولا مفر منه أيضا، كما أن التعبير الثقافي عنه واحد تقريبا في كل زمان ومكان.

وأشار إلى أن دوافع التفكير في الحب، من حيث أسبابه البسيطة، سبقت الدراسات العلمية الحديثة بزمن بعيد، وعلى الرغم من ذلك لم يتسن للعلم تفسير الحب بسهولة.

وبيّن أن ما يعرف بـ”فيرومونات” الجنس، التي هي عبارة عن مواد كيميائية وظيفتها الإعلان للآخرين عن الاستعداد للتناسل، توصف غالبا بأنها أدوات أساسية لتحقيق الانجذاب، ولكن بينما تلعب الفيرومونات دورا مهمّا في التواصل بين الحشرات، لا يوجد دليل قوي على وجودها في البشر.

وأضاف ناتشيف “بيد أنه لو كان باستطاعة مادة كيميائية أن تبرز الانجذاب خارج الجسم، فلماذا لا تفعل ذلك بداخله؟ إن هرمون ‘أوكسيتوسين النيروببتايد’ يوصف غالبا على نحو غير دقيق بأنه ‘هرمون الارتباط’، وهو معروف بدوره في إفراز حليب الرضاعة وتقلص الرحم، وهو المرشح الرئيسي والأقوى هنا”.

ولا يزال هذا الهرمون يخضع لدراسات مكثفة، باستخدام فأر البراري المعروف بزواجه الأحادي، الذي يتميز بعاطفة المودة، ما يجعله النموذج المثالي للحيوان الذي تُجرى عليه مثل هذه الدراسات.

ويعرقل منع هرمون الأوكسيتوسين عملية الارتباط التزاوجي التي تحل محل الحب هنا، الأمر الذي يجعل الفئران أكثر تحفظا في تعبيراتها العاطفية، على نقيض تحفيز كمية زائدة من الأوكسيتوسين في الفئران الأخرى، وبالنظر إلى طبيعة البشر، يكون التأثير أقل حدة بكثير، ولا يتعدى مجرد تغيير غير ملحوظ في إظهار تفضيل معين في علاقة رومانسية ما، لذا، ووفق تقرير هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، فمن غير المؤكد أن هرمون الأوكسيتوسين ضروري للحب.

الحب يكمن مثل كل أفكارنا وعواطفنا وتصرفاتنا في عمليات فيزيائية داخل الدماغ وتفاعل معقد جدا
الحب يكمن مثل كل أفكارنا وعواطفنا وتصرفاتنا في عمليات فيزيائية داخل الدماغ وتفاعل معقد جدا     

وتابع خبير الأعصاب “عندما خضع الحب الرومانسي للفحص العلمي، من خلال تقنيات تصوير الدماغ، تداخلت مناطق مضيئة في الدماغ مع مناطق أخرى تدعم السلوك الرامي إلى الحصول على مكافأة والسلوك الموجه بالأهداف”.

وأشار إلى أن الخبراء رصدوا أنماطا للحب الرومانسي لا تختلف كثيرا عن أنماط الارتباط المتعلق بالأمومة، أو حتى حب شخص ما في فريق كرة القدم المفضل، لافتا إلى أن علم الأعصاب لم يفسر حتى الآن عاطفة “الغرق الشديد في الحب”.

كما أفاد أنه لا يمكن أن يكون قرار مثل الزواج أو التناسل بسيطا أو موحدا، لأننا لا نخضع في عملية اتخاذ القرار لتأثير عامل واحد، وكلما كانت القرارات معقدة، كانت الأداة العصبية التي تجعل هذه القرارات ممكنة معقدة أيضا.

وعلى الرغم من أن ذلك يفسر السبب وراء التعقيد الذي تتسم به عملية الانجذاب الرومانسي، إلا أنه لا يفسر شعورنا بأن هذه العملية غريزية وتلقائية للغاية، على خلاف الوضع المتعارف عليه في الطريقة التي نتبعها في القرارات الأخرى في حياتنا.

ونبه إلى أنه إذا كانت الآليات العصبية المتحكمة في الحب تعتبر بسيطة، لكان بالإمكان تحفيزها بمادة ما، أو إخمادها باستخدام مشرط جراحي مع الإبقاء على كل شيء آخر كما هو.

وأوضح ناتشيف أن الحب يكمن مثل كل أفكارنا وعواطفنا وتصرفاتنا في عمليات فيزيائية داخل الدماغ، وتفاعل معقد للغاية في ما بينها، لكن القول إن الحب مجرد كيمياء دماغية هو أشبه بالقول إن روميو وجولييت مجرد كلمات لأن ذلك يغفل الحقيقة، فالحب مثل الفن، أكبر من مجموع أجزائه. لهذا فإن من حالفهم الحظ وخاضوا تجربة حب مضطربة، عليهم أن يتركونا لأمواجه تحملنا كيف تشاء. وإذا انتهى بنا الأمر بالارتطام بصخور تخفيها تلك الأمواج، فلنهدأ عندما نعرف السبب الذي يجعلنا لا نبحر إلى مسافة أبعد من ذلك، وفق ناتشيف.

21