الجيش السوداني يخرج عن صمته متوعدا بمقاضاة من يهينه

الخرطوم- خرج الجيش السوداني عن صمته للرد على الاتهامات التي طالته بعرقلة سير التحقيقات في قضية مقتل متظاهرين في يونيو 2019. وهدد الجيش بمقاضاة كل من يوجه إهانات للمؤسسة العسكرية.
وقالت المؤسسة العسكرية في بيان السبت إنها شرعت في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الناشطين والإعلاميين الذين وجهوا “إهانات” للجيش.
وأكد الجيش أن الإجراءات القانونية ستطال النشطاء والإعلاميين وغيرهم داخل وخارج السودان. ولم يقدم المزيد من المعلومات لكنه قال إنه سيذكر تفاصيل أكثر في الوقت المناسب.
وأضاف البيان أن “القوات المسلحة اتخذت هذه الخطوة بعد أن تجاوزت الإساءات والاتهامات الممنهجة حدود الصبر، وهي ضمن مخطط يستهدف جيش البلاد ومنظومته الأمنية”.
وحكم الجيش البلاد بضعة أشهر عقب الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل 2019، قبل التوقيع على اتفاق سياسي تم فيه تقاسم السلطة مع المدنيين لمدة ثلاثة أعوام تحت ضغط المتظاهرين.
وأكدت المؤسسة العسكرية أنها باشرت فتح بلاغات مع النيابات المختصة وفقا للقانون الجنائي والجرائم الموجهة ضد الدولة وقانون الصحافة والمطبوعات وجرائم المعلوماتية الذي أجيزت تعديلاته مؤخرًا بعقوبات رادعة.
تطالب المنظمات الحقوقية السودان الجديد بإظهار أنه جاد في محاسبة المسؤولين عن الهجمات القاتلة على المتظاهرين بعد عقود من القمع العنيف والفظائع المرتكبة ضد المدنيين
وأوضح البيان أنه في مايو الماضي عيّن الجيش أحد ضباطه مفوضا لفتح البلاغات ومتابعة الشكاوى ضمن فريق بإشراف المدعي العام العسكري وعضوية ضباط قانونيين من القضاء العسكري، وأن مهمة هذا الفريق تتمثل في رصد الإساءات كافة التي تمس القوات المسلحة بكل مكوناتها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها.
وأضاف البيان أن “المؤسسة العسكرية لا تحاول تقييد الحريات أو المساس بحرية الرأي وإنما تدافع عن حقها وفق الدستور لصون حقوق أكبر مؤسسة قومية وطنية بالبلاد”. ويتهم نشطاء وجماعات حقوقية الجيش بعرقلة التحقيقات في مقتل العشرات من المتظاهرين في الثالث من يونيو عام 2019 عندما فضت قوات الأمن اعتصامًا خارج وزارة الدفاع. ويقول شهود إن قوة شبه عسكرية لعبت دورًا أساسيا في عملية المداهمة. وينفي الجيش سعيه لإعاقة التحقيق، قائلاً إن المذنبين سيعاقبون.
وتعتبر عدة مصادر سياسية في السودان أن هناك الكثير من الأطراف في البلد والمنتمية إلى جماعة الإخوان المسلمين تدفع إلى تأزيم العلاقة بين الجيش والمدنيين في محاولة للثأر من المؤسسة العسكرية التي أطاحت بنظام البشير في 11 أبريل 2019.
ويشير مراقبون إلى أن محاولات الإسلاميين للركوب على الثورة ومواصلة بث الفتنة بين المؤسسة العسكرية والمدنيين والناشطين ستتواصل خاصة بعد التعديلات القانونية الجديدة التي أجرتها الحكومة مؤخرا تحت عنوان “حريات شخصية”.
ولدى تنظيم مسيرة “المليونية” في الثلاثين من يونيو الماضي بهدف استكمال مهام الثورة، وتحقيق العدالة والإسراع في محاكمة عناصر النظام السابق، أظهرت الحركات المدنية استعدادا جيدا تحسبا لسيناريو سيء في ظل بروز مؤشرات على مخططات تعدها مجموعات إخوانية بهدف تسلق المسيرة وتغيير مسارها السلمي واستخدام العنف لخلق فوضى أمنية تتيح لها العودة إلى السلطة مجددا.
ونظمت المظاهرات المذكورة حينها بالتزامن مع إحياء ذكرى مرور عام على تظاهرات 30 يونيو 2019، التي خرج فيها عشرات الآلاف من السودانيين في مختلف أنحاء البلاد للمطالبة برحيل العسكريين عن الحكم.
وفي سياق متصل، كان الجيش قد نفى أيضا اتهامات أخرى، قالت إن المؤسسة العسكرية تعد لتنفيذ انقلاب عسكري في البلاد، بالتزامن مع الذكرى الأولى للاعتصام بمحيط القيادة العامة في 6 أبريل من العام الماضي.
وقال آنذاك المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، العميد ركن عامر محمد الحسن، في تصريحات “لا توجد إرهاصات انقلاب، ولا توجد اعتقالات، والقوات المسلحة تعمل بشكل طبيعي”.
أكدت المؤسسة العسكرية أنها باشرت فتح بلاغات مع النيابات المختصة وفقا للقانون الجنائي والجرائم الموجهة ضد الدولة وقانون الصحافة والمطبوعات وجرائم المعلوماتية
وتقول جهات حقوقية، ومنها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن الهجمات القاتلة للمتظاهرين في السودان في 3 يونيو كانت مُبرمَجة وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ودعت المنظمة السلطات الانتقالية السودانية إلى الالتزام بمحاسبة حقيقية على أعمال العنف غير القانونية المرتكبة ضد المتظاهرين والتي قُتل فيها المئات.
وقالت المنظمة في 3 يونيو الماضي إن الحكومة الانتقالية السودانية لم تُحقّق العدالة للضحايا والأسر، بعد مقتل أكثر من 120 شخصا وإصابة المئات وإساءة معاملتهم في هجوم عنيف على المتظاهرين في الخرطوم.
وتطالب المنظمات الحقوقية السودان الجديد بإظهار أنه جاد في محاسبة المسؤولين عن الهجمات القاتلة على المتظاهرين بعد عقود من القمع العنيف والفظائع المرتكبة ضد المدنيين.
ورغم وجود تأكيدات محلية تشدد على أن السودان يشهد منذ عزل عمر البشير تعايشا هشا بين المجتمع المدني والقوات المسلحة، فإن السلطة الانتقالية، وفي مقدمتها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، تؤكد عكس ذلك تماما.
وكان حمدوك قد أعلن أمام وفد من الكونغرس الأميركي في العاصمة الخرطوم خلال شهر يناير 2020 أن “الشراكة في الحكم بين المدنيين والعسكريين نموذج فريد لبقية العالم. وهذا الكلام ليس من باب التباهي، بل يدعو للنظر إلى ما عاشه السودان في الأشهر الأخيرة”.