الجماليات والحضارة

الجمعة 2015/03/27

منذ استقلال الجزائر إلى يومنا هذا والقبح يسيطر فيها على البيئة المعمارية، والسياسية، والإدارية، وعلى كثير من أنماط التعبير، وقد صار يفرز الآن صورا بشعة على مستوى العلاقات الإنسانية التي تسقط يوميا في التشيّؤ، والعنف بكل تجلياته المادية والرمزية.

في هذا السياق انتبه المفكر الجزائري مالك بن نبي مبكرا إلى هذه المشكلة الخطيرة في المجتمع الجزائري بشكل خاص ودعا إلى إيلاء مكانة خاصة للذوق الجمالي الذي يعتبره متصلا اتصالا عضويا بالوازع الأخلاقي، وبالممارسة العملية في مجالات الإنتاج المادي، والتربوي، والسياسي، وفي هذا الخصوص كتب قائلا «لسنا هنا نهتم بالأخلاق من الزاوية الفلسفية، ولكن من الناحية الاجتماعية، وليس المقصود هنا تشريح مبادئ خلقية، بل أن نحدد “قوة التماسك” الضرورية للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية».

وفي الحقيقة فإن التوجيه الجمالي الذي يدعو إليه بن نبي ركن جوهري للثقافة، وللدولة، ولبناء الوحدة النفسية وعناصر الهوية المشتركة “ولا شك أن للجمال أهمية اجتماعية هامة، إذا ما عددناه المنبع الذي تنبع منه الأفكار، وتصدر عنه، وبواسطة تلك الأفكار، أعمال الفرد في المجتمع″.

وأكثر من ذلك فإن “الإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بتذوق الجمال، بل إن الجمال هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة، فينبغي أن نلاحظه في نفوسنا، وأن تتمثل في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا مسحة الجمال نفسها، التي يرسمها مخرج رواية في منظر سينمائي أو مسرحي”، وهكذا فإن انحطاط الدولة وقيم المجتمع له علاقة قوية بانحطاط الجماليات بأبعادها الفنية والروحية والمادية.

رغم إلحاح بن نبي على مركزية ودور البعد الجمالي الراقي في تحديث وأنسنة المجتمع، فإنه لا يملك نظرية مؤسسة على إجراءات واضحة المعالم، وذلك في صورة مشروع متكامل كما فعل هيجل مثلا، ضمن السياق الثقافي والحضاري الغربي، وذلك في موسوعته عن علم الجمال.

فبن نبي يدعو إلى الجمال حقا وهذا مهم، ولكنه لا يقدم نظرية تسندها إجراءات عملية ونماذج متطورة وذات خصوصية في حقول المعمار، والموسيقى، والنحت، والفنون التشكيلية الأخرى، وأخلاقيات الحكم والسياسة، والصناعات التقليدية، والعلمية، وفي مجال تصميم الحدائق والزي اليومي، إلخ..

ثم فهو لا يحدثنا عن الكيفية التي يؤسس بها جمال الشعر، والموسيقى، والمعمار للأخلاق اليومية، وللأخلاقيات السياسية على سبيل المثال، ثم فإن الجمال عنده غير مؤسس على إبراز عناصر التعبير الجمالي المتحضر في مختلف عناصر الثقافة الجزائرية، بما في ذلك بنيات المشاعر الشعبية، فضلا عن كونه يسبق الفكر على العمل، علما أن الفكرة الجمالية تتزامن مع ممارسة التشكيل الجمالي لها، في لحظات تجسيدها أثناء ميلادها الحقيقي.

كاتب جزائري مقيم في لندن

15