الجزائر: ماذا يريد مولود حمروش

مساهمة حمروش تدخل في إطار البحث عن موقع سياسي من خلال جس نبض الرأي العام الوطني بواسطة رمي بالون اختبار في ملعب المعارضة الجزائرية لكي يختبر مدى وجود قبول من طرفها لزعامته في المستقبل المنظور.
الخميس 2019/01/17
حمروش لعب دورا مفصليا في إطالة عمر أزمة الهوية الثقافية وتأجيل حلها

من السهل فكّ شفرات الأهداف المتوخاة من وراء المساهمة التي نشرها رئيس الوزراء الجزائري الأسبق مولود حمروش يوم 13 يناير الماضي على صفحات يومية “الوطن” الناطقة باللغة الفرنسية، ولا نعرف لماذا اختار كتابة مساهمته باللغة الفرنسية بدلا من اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية؟ ولماذا يريد الظهور في هذا الوقت بالذات مع أنه يعلم أن النظام لم يحسم أمره حتى الآن فيما إذا كان سيقرر التمديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أم سيقوم بترشيحه للعهدة الخامسة، الأمر الذي يعني في العقلية السياسية الجزائرية المصادقة عليه كرئيس لعهدة خامسة قبل انتخابه.

لا شك أن مساهمة حمروش تدخل دون ريب في إطار البحث عن موقع سياسي من خلال جسّ نبض الرأي العام الوطني بواسطة رمي بالون اختبار في ملعب المعارضة الجزائرية لكي يختبر مدى وجود قبول من طرفها لزعامته في المستقبل المنظور. ومن جهة أخرى هو يهدف من وراء هذه المساهمة إلى معرفة ردود فعل مؤسسة الجيش التي يعد واحدا من أبنائها القدامى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار كونه مجاهدا في صفوف الجيش الوطني الشعبي أيام الاحتلال الفرنسي للجزائر، فضلا عن عمله في فترة الاستقلال كإطار سام في وزارة الدفاع الوطني في مرحلة الاستقلال قبل أن يشغل مناصب عدة في رئاسة الجمهورية منها منصب مدير مساعد ثم مسؤول البروتوكول فيها، إضافة إلى تقلّده بعد ذلك مناصب حساسة أخرى منها منصبا أمين عام للحكومة، وأمين عام للرئاسة لغاية عام 1989 ورئيس للحكومة حتى عام 1991.

من المعروف أن حمروش يتقن اللغة العربية ولهذا يستغرب الملاحظون عدم نشره لمساهمته، أو لنقل لبرنامجه السياسي، باللغة العربية. ويرى هؤلاء أن التفسير الوحيد لحركة حمروش هو أنه فضّل مخاطبة فرنسا واللوبي الفرنكوفوني في الجزائر أوَلا، وذلك بغية الترويج لنفسه في الأوساط الفرنكوفونية الجزائرية التي تتحكم في معظم دواليب صنع القرارات الحاسمة، وفي الإدارة الوطنية والاقتصاد الجزائري وذلك لضمان نصرتها له وكذلك من أجل نيل رضا ودعم فرنسا له، خاصة وأنه يدرك أن الجزائر في ظل النظام الحاكم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم تفك الارتباط بالدولة الفرنسية التي لا تزال تتدخل في تصميم التوازنات السياسية في الجزائر وفي حسم أمر أي شخصية سياسية جزائرية تطمح إلى أن تصل إلى سدة رئاسة الجمهورية.

وفي هذا السياق يتساءل المرء عن معنى كل هذا التنظير الشكلي لمفهومي الدولة والحكومة التقليديين من طرف حمروش وهو يدرك أن لا وجود للدولة العصرية أو الديمقراطية في الجزائر، وإنما هو إقليم جغرافي يدعى الجزائر يحكمه شخص واحد وجماعة تتحلّق حوله، وأفراد لهم مصالح اقتصادية ونفوذ في مختلف المؤسسات حيث يسيطرون على مقدرات البلاد تحت إشراف نظام حاكم يستند إلى قوة الجيش والأمن.

من المدهش أن يطلق حمروش العنان لنفسه للتحدث عن بذخ التمييز الأكاديمي بين مهام الدولة الديمقراطية المفترضة وبين مهام الحكومة في الجزائر، وهو يعرف أن فترة الاستقلال لم تتمخض عنها حتى اليوم الأركان الحضارية ذات الهوّية الوطنية الخالصة التي تتأسس عليها الدولة الوطنية العصرية ناهيك عن الدولة الديمقراطية، بل إن الذي يوجد في الفضاء الجزائري لا يتجاوز شكل حكومة تصريف الأعمال وتبرير الأزمات التي تعين بطرق ملتوية، وتتشكل من عضوية أشخاص لا مستوى لهم، وتكلف بطبيعة الحال من طرف قوى تحكم من وراء الستار بإنجاز مهمة نمطية وهي إنتاج وإعادة إنتاج التخلف المادي والتعبّدي كما يقول الفقهاء.

وفي الواقع فإن مولود حمروش، الذي يلقّب في الجزائر برجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية ويعرف بأنه سهّل فتح المجال أمام كل القوى السياسية ما سمح بظهور عدة أحزاب سياسية في البلاد بالإضافة إلى إعطائه حريات التعبير ما سمح بظهور عدة صحف مستقلة، قد لعب دورا مفصليا في إطالة عمر أزمة الهوية الثقافية وتأجيل حلها حلا راديكاليا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن الوقائع التاريخية تؤكد أنه من الشخصيات الجزائرية التي انقلبت على خيارات الرئيس الراحل هواري بومدين منها التسيير غير الرأسمالي لمختلف المؤسسات الوطنية المنتجة للثروة وخاصة المؤسسات التي أكدت عليها خيارات بومدين بما في ذلك مؤسسات التعليم والطب وقطاعات الصناعة والزراعة.

9