الجزائر: ماذا يحدث لحزب حركة مجتمع السلم الاسلامي
عاد الشيخ أبوجرة سلطاني، القيادي البارز في حزب مجتمع السلم “حمس” الإسلامي ورئيسه سابقا، إلى الواجهة السياسية من خلال المبادرة السياسية الثانية التي صرح في الأيام القليلة الماضية بأنه ينوي إطلاقها ويقدم خطوطها العريضة لمؤسسات هذا الحزب للتشاور حولها ولمناقشتها.
من المعروف أن السيد أبوجرة سلطاني تقلد في الماضي القريب عدة مناصب في الحكومة منها كاتب دولة مكلف بالصيد البحري ووزير الدولة، وكلها في عهد الرئيس بوتفليقة، وذلك في إطار ما يصطلح عليه بالتحالف الرئاسي.
من المعروف أيضا أن أبوجرة سلطاني قد تقدم في العام 2015 بمبادرة أولى أثارت الكثير من النقاش وردود الفعل والانتقاد أيضا وبهذا أصبح يلقب بشيخ المبادرات التي يبدو أنها مسلسل لا ينتهي.
وبخصوص مضمون هذه المبادرة الثانية، فقد أكد الشيخ سلطاني أنها في جوهرها ترمي إلى تحصين الحزب الذي ينتمي إليه “بالمناعة الواجب توفيرها للحركة وللوطن”.
وبالمقابل، فإن الرئيس الحالي لحزب مجتمع السلم السيد عبدالرزاق مقري نبّه إلى أن المبادرتين الأولى والثانية تتقاطعان في عدد من النقاط مع إرث الراحل محفوظ نحناح، المؤسس الفعلي والروحي لهذا الحزب وقائده السابق.
ومع ذلك، فإنه استدرك موضحا أن مؤسسات الحزب الذي يرأسه حاليا مستعدة لأن تصغي إلى كل ما لا يتعارض مع مبادئ الحزب الأساسية.
وهنا تطرح الأسئلة التالية: ماذا يريد الشيخ أبوجرة سلطاني بالضبط من وراء برنامج المبادرات التي تحولت على يديه إلى تقليد سياسي، ومن كلامه الذي يوحي بأنه يقف إلى جانب نهجه عدد من القياديين داخل الحزب؟
وماذا نفهم من ردود فعل السيد عبدالرزاق مقري الذي تستند حجته إلى تقاطع تحركات أبوجرة سلطاني مع موروث المؤسس محفوظ نحناح؟ وهل يفهم من كل هذا أن حزب حركة مجتمع السلم غير متجانس عقائديا وأنه يشهد انقساما داخليا ليس فقط على مستوى أدبيات التنظيم وإنما على مستوى المبادئ؟ وهل هذا الانقسام المضمر أحيانا والمعلن أحيانا أخرى هو حول الأيديولوجيا المركزية التي ينتمي إليهـا وهي بطبيعة الحال أيديولوجيا أهل السنة والجماعة، أم أن الخلاف هو حول العلاقة بالنظام الحاكم وبالمعـارضة معا، أم هو صراع حول الزعامة؟
من الواضح أن ما يطفو على السطح من تجاذبات حادة بين الأسماء الكبيرة في صفوف حزب حركة مجتمع السلم هو من العلامات الدالة على وجود تناقضات حقيقية وشروخ عميقة تتعلق بتشظي مبدأ الولاء للعقيدة الأصلية التي نشأت منها الأحزاب الإسلامية الجزائرية، ألا وهي عقيدة الإخوان المسلمين علما وأن “تنظيم الإخوان في الجزائر قد تكوّن سرّا في السبعينات من القرن الماضي تحت اسم حركة الموحدين وتم حله في الثمانيات من القرن الماضي أيضا ثم عاد إلى الوجود في صيغة جماعة البليدة”، بحسب تقدير مؤرخي ظاهرة الإسلام السياسي في الجزائر.
فرغم عدم وجود الارتباط العضوي بين فسيفساء الأحزاب الإسلامية الجزائرية بتنظيم الإخوان الدولي ظاهريا فإن هناك حنينا مضمرا إليه يترجم عن وعي أو لاوعي إلى تطابق جوهر مضامين ومواقف هذه الأحزاب مع هذا التنظيم جزئيا، كما أنها تؤكد على موقفها الرافض للعنف والإرهاب والوصول إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية.
كما أن التصدّعات الحاصلة داخل خيمة الأحزاب الإسلامية الجزائرية تصبّ مباشرة في صالح استراتيجيات النظام الحاكم الذي تمكّن من ترويض بعضها بواسطة إدخالها في ترسانته، ومن تفكيك وحدتها التنظيمية وتحويلها إلى ملل ونحل سياسية فاقدة للقاعدة الشعبية.
أما الأحزاب التي اختارت الاصطفاف إلى جانب الأحزاب المعارضة غير المتجانسة والتي تتعارض معها عقائديا فقد ظهرت جراء ذلك أمام الرأي العام الوطني بمظهر الانتهازية السياسية والتحالف التكتيكي المؤقت على حساب العقيدة.
ولكي ندرك عمق مشكلات حزب حركة مجتمع السلم في مشهد الأحزاب الإسلامية الجزائرية، فإنه ينبغي التذكير بأن هذه الحركة قد تأسست في العام 1990 على يدي الشيخ محفوظ نحناح تحت اسم حركة المجتمع الإسلامي.
ويعـود تغيير جزء مـن اسمها إلى ظـروف تـداعيات العشرية الدموية التي عصفت بالجـزائر، وتحـديدا إلى مطلب النظام العسكري الحاكم في الجزائر في تلك الفترة وبعدها أن تسمي الأحزاب نفسها بأسماء لا علاقة لها بالدين أو العرق أو الجهوية وجراء ذلك تم حذف كلمة “الإسلامي” وعوضت بكلمة “السلم” وعلى هذا المنوال سمّـت الأحزاب الأخرى نفسها بأسماء أخرى خالية من الانتماء الديني أو الجهوي أو العرقي على المستوى اللغوي الظاهري.
لكن هذا التكتيك اللغوي لم يصمد طويلا حيث أن حزب مجتمع السلم قد جرّ إلى الدخول في لعبة النظام الحاكم ونتيجة لذلك انضم حزب حركة مجتمع السلم إلى حزب التجمع الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني، وبذلك تم تشكيل التحالف الرئاسي بقيادة النظام الحاكم في الخلفية غير المرئية والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الواجهة الأمامية.
لقد كان هذا التحول بداية جديدة لحزب حركة مجتمع السلم، حيث لم يعد حزبا معارضا بل أصبح جزءا عضويا من ترسانة السلطة الحاكمة. وقد أفقده هذا التحول البراغماتي وغير المبدئي بريقه الجوهري والظاهري معا.
وفي الحقيقة، فإن التيار الراديكالي في حزب حركـة مجتمع السلم وعلى رأسـه السيد عبـدالرزاق مقري متوجـس من مبادرتي أبوجرة سلطاني الـذي يعتقد أقطابـه أنه يسعى إلى تكريس تبعية هذا الحزب للسلطة ممّا أدى إلى خلافات حادة معه ومع مجموعته أدت إلى بروز السيد مقري في مؤتمر عام 2013 كرئيس جديد له وقاد عملية إبعـاد حركـة مجتمع السلـم عـن النظـام الحاكم والانضمام إلى صفوف المعارضة.
تمخضت عن هذا التغيير تصدعات بنيوية داخل الحزب نفسه رصدها كاتب مختص في شؤون الإسلام السياسي بالجزائر قائلا “انشقت عن الحركة عدة قيـادات وأسست أحـزابا وحركـات مثل “حركة الدعوة والتغيير’، وراج أنها حصلت على تزكية الإخوان المسلمـين بمصـر ورفضت وزارة الداخلية الاسم فأضحت “جبهـة التغيير” ورئيسها عبـدالمجيد مناصرة، وانشق عن الأخيرة “حزب البناء الوطني”، وقال مؤسسوه إنهم الممثلون الحقيقيون للإخوان.
ومن أبرز قيادات “حزب البناء الوطني” أحمد الدان، وهـو أحد قـادة حمـس السـابقين، ومن رحم حمس ولد أيضا حزب “تجمع أمل الجزائر” الذي أسسه عمر غول لرفضه قرار الحزب بالتحول إلى المعارضة” وهلم جرا.
كاتب من الجزائر