الجزائر تنقلب على سياساتها القديمة لجذب الاستثمار

السلطات تعول على حزمة الإصلاحات الجديدة لتغيير النظرة السلبية إلى بيئة الأعمال.
الأربعاء 2022/06/15
هكذا نجذب الشركات بدل تنفيرها بقوانين بالية

تتباين آراء الأوساط الاقتصادية بشأن تحركات الجزائر الرامية إلى إحداث انقلاب في سياساتها القديمة لكسب ثقة رؤوس الأموال المحلية والأجنبية في البيئة الاستثمارية المحلية حيث تحاول الحكومة من خلال قانون جديد للقطاع إزالة كافة قيود البيروقراطية والجمود، التي سيطرت عليها لعقود طويلة.

الجزائر - طرحت الجزائر قانون استثمار جديد تأمل من خلاله تحريك عجلات الاقتصاد المتعثر لأسباب مختلفة أملا في جذب رؤوس أموال جديدة وخاصة من الخارج لإعطاء صورة إيجابية لتحسن مناخ الأعمال الذي ظل لسنوات مكبلا.

وأدرجت الحكومة تعديلات عميقة في القانون السابق لإقناع المستثمرين المحليين والأجانب بالاستثمار في مختلف القطاعات يأتي على رأسها ثبات القانون لمدة عشر سنوات لإضفاء حالة استقرار على المنظومة التشريعية.

وإلى جانب ذلك، سيتم اعتماد حزمة واسعة من الحوافز والامتيازات، فضلا عن استحداث هيئة رئاسية تتولى مهمة حل المشاكل على المستويين المحلي والمركزي.

وكشفت وثيقة المشروع عن عدة تدابير اتخذتها الحكومة، لتكون بذلك منصة الانطلاق لما أسماه الرئيس عبدالمجيد تبون بـ”2022.. عام الإقلاع الاقتصادي” ولو أن خبراء يربطون نجاح ذلك الطموح بالمناخ العام والاستقرار السياسي والاجتماعي أكثر من سن النصوص التشريعية.

عبدالقادر بريش: نجاح الإصلاح يتطلب توافقا مع برامج إنعاش الاقتصاد

وأشارت الوثيقة التي اطلعت “العرب” عليها إلى أن “القانون يهدف إلى تحديد القواعد والمبادئ التي تحكم الاستثمار، وكذلك الضمانات الممنوحة للمستثمرين والأنظمة التحفيزية المطبقة على الاستثمارات المنجزة في الأنشطة الاقتصادية المنتجة للسلع والخدمات، من طرف الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين، المقيمين أو غير المقيمين”.

وأوضحت أن “مشروع القانون الذي تم إعداده بمراعاة النقائص الملاحظة في النصوص السابقة، يرمي إلى استعادة ثقة المستثمرين وضمان الاستقرار وديمومة الإطار التشريعي مستقبلا لمدة عشر سنوات”.

وينتظر إحالة المشروع على البرلمان خلال الأيام المقبلة من أجل المناقشة والتصويت، وأمامه سجاد أحمر للمرور إلى التنفيذ، خاصة وأن السلطة تملك الأغلبية النيابية، ولا يمكن أن تعترضه أي قوة سياسية.

ومن المرجح إقرار القانون مع أنه في حاجة إلى منظومة مرافقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى البنوك والمؤسسات المالية التي لا زالت تشتغل بوسائل توصف بـ”البدائية”، ولا يمكن لها أن تواكب أي إصلاحات اقتصادية إن لم تشملها معالجة جوهرية وحقيقية.

وتبدو مسألة رقمنة الاقتصاد المعتمد على إيرادات النفط والغاز بشكل كبير إحدى ألح الخطوات التي يفترض أن تركز عليها السلطات للحد من مظاهر البيروقراطية التي ظلت جاثمة لعقود على مناخ الأعمال.

واعتبر الخبير الاقتصادي عبدالقادر بريش في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “قانون الاستثمار الجديد يرتكز على تحيين القوانين، خاصة المتعلقة بالعقارات الصناعية وجودة التشريع من بين الآليات الفعالة في استقطاب المستثمرين الأجانب، لما له من أهمية بالغة في النهوض بالاقتصاد بشكل عام”.

وشدد على أن “الإصلاح الضريبي ضرورة قصوى في الفترة الحالية، ومن المفروض أن يكون من بين الأولويات، وندعو إلى إصلاح جذري وشامل في هذا الجانب”.

الحكومة أدرجت تعديلات عميقة في القانون السابق لإقناع المستثمرين المحليين والأجانب بالاستثمار في مختلف القطاعات

وأكد بريش النائب في البرلمان أن على البنك المركزي القيام بمعالجة جذرية لسياساته من خلال تحيين البعض من القوانين التي تسهم في رفع القيود على التحويلات المالية وحركة رؤوس الأموال “لأن نجاح الإصلاحات يتطلب منهجية واضحة، محددة الزمن ومتوافقة مع برامج الإنعاش الاقتصادي”.

وظلت الشركات الأجنبية العاملة بالبلد العضو في منظمة أوبك تشكو باستمرار من أن القوانين واللوائح تتغير باستمرار وتطبق بشكل غير متساو، وهو ما يزيد من منسوب الأخطار.

كما أن الشركات ورجال الأعمال يخشون المجازفة بالدخول في مشاريع محلية بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.

ويلفت بريش إلى أن المجلس الوطني للاستثمار، وهو هيكل معني بقطاع الأعمال في البلاد، يجب أن يكون هيئة تفكير وتقديم الحلول، لا مجلسا لمنح الرخص بعد سنتين من إيداع الطلبات مثل ما كان يحدث سابقا.

ومع ذلك أبدى تفاؤلا بشأن الوضع الاقتصادي في البلاد، وهو ما عبر عنه بالقول “ننتظر قوانين خالية من التناقضات، كما ننتظر مرافقة قانون الاستثمار بالإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة”.

ولم يتطرق مشروع القانون الذي تضمن أكثر من 40 بندا، إلى أكبر الإشكاليات التي طرحت بإلحاح على مناخ الاستثمار في الجزائر، خاصة في ما يتعلق بما يعرف بـ”قاعدة 49/51″ في الاستثمارات الأجنبية.

وكرست هذه القاعدة أغلبية المشاريع الاستثمارية بيد الشركات المحلية سواء في القطاع العام أو الخاص بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية.

قانون الاستثمار الجديد صنف أولويات ومناطق الاستثمار ومدة استفادتها من الحوافز والامتيازات الجبائية والجمركية

كما برز إجراء ما يعرف بـ”حق الشفعة” للحكومة في حالات تصفية أو بيع الأسهم أو الأصول للمشروعات الأجنبية، كما حدث مع فرع شركة جيزي للاتصالات الخلوية، حينما حاول مالكه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بيعه العام 2010.

ويبدو أن المشروع صنف أولويات ومناطق الاستثمار ومدة استفادتها من الحوافز والامتيازات الجبائية وشبه الجبائية والجمركية.

وأشار البند السادس والعشرون من القانون إلى القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها، وتشمل المناجم والمحاجر والزراعة وتربية المائيات والصيد البحري والصناعة والصناعة الغذائية والصناعة الصيدلانية والبيتروكيميائية والخدمات والسياحة والطاقة المتجددة واقتصاد المعرفة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال.

في المقابل بقي الغموض يكتنف مسألة الاستثمار في قطاع النفط والغاز، ولم يشر إليه بأي صلة إلا إذا كان يخضع حصريا لقانون المحروقات.

وفي خطة لقطع الطريق أمام المعوقات الإدارية والبيروقراطية والفساد، استحدث المشروع هيئة على مستوى رئاسة الجمهورية تضطلع بالنظر في الطعون التي ترسل إليها.

وحدد لها ظرف شهرين لدراستها والرد على أصحابها، وذلك بموجب البند الحادي عشر، الذي نظم عمل وتركيبة الهيئة، كما ترك المجال مفتوحا أمام لجوء الطاعنين إلى القضاء لمتابعة ملفاتهم.

وتأمل الحكومة في كسر التبعية النفطية بتنويع مصادر دخل الاقتصاد، وتحقيق تدريجي للاحتياجات المحلية من المواد الأساسية على غرار الحبوب والزيوت والحليب.

لكن رهان كسب ثقة رأس المال المحلي والأجنبي وتحسين مناخ الاستثمار وتفكيك العقبات الإدارية والبيروقراطية، يبقى أكبر تحدّ يواجهه المسؤولون لتحقيق أهدافهم.

11