الجزائر تنفتح على تركيا لإحياء صناعتها البتروكيماوية المتعثرة

وجهت الحكومة الجزائرية أنظارها إلى الفرص المهملة في صناعة البتروكيماويات المنسية طيلة عقود أملا في تعزيز دورها في تنمية الاقتصاد المحلي المتعثر، في ظل تضاؤل هوامش البلد في تحقيق إيرادات أكبر من صادرات النفط والغاز رغم تعافي الأسواق العالمية مؤخرا.
الجزائر – أعاد مشروع الصناعات البتروكيماوية المبرم بين الجزائر وتركيا، الحديث في الدوائر الاقتصادية عن تجدد رهان السلطة الجزائرية على هذا القطاع الذي ظل منسيا لسنوات بغية الاستفادة من الثروة النفطية السائرة نحو التقلص التدريجي وأيضا للقطع مع حالة التردّد بشأن تطوير هذا المجال.
وتأتي الالتفاتة الحكومية المتأخرة لهذه القطاع بعد أن أدركت أنه لم يعد ثمة متسع من الوقت حتى تحسّن الأوضاع المالية للبلد في ظل تسارع تآكل احتياطاته النقدية.
وسبق لشركة سوناطراك النفطية المملوكة للدولة الإعلان عن إطلاق مشروعات محلية من هذا النوع، لكنها ظلت معطلة لأسباب فنية وحتى سياسية لأن السلطة لم تحسم في مسألة الشراكات الأجنبية.
وأولى البرنامج الحكومي للرئيس عبدالمجيد تبون أهمية قصوى لإعادة إحياء قطاع البتروكيماويات لتوفير مصادر تمويل جديدة للاقتصاد المحلي، الذي تضرر بسبب تذبذب الأسعار الدولية والجائحة الصحية العالمية، وهو ما سيحيي آمالا جديدة لتجسيد مشروعات معطلة منذ سنوات لأسباب مختلفة فنية واستراتيجية.
وكان وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، قد كشف أمام البرلمان على هامش عرض برنامج الحكومة للمرحلة المقبلة، أن “الحكومة شرعت في مفاوضات مع شركات الطاقة الأجنبية لإطلاق مشاريع كبرى في صناعة البتروكيماوية”.
وهذا الأمر قد يكون تجسد في الإعلان خلال الأسابيع الماضية عن المشروع المشترك مع تركيا، الذي أقيم في مدينة جيهان، وأشرف على تدشينه كبار المسؤولين في البلدين، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تم إبرام ثلاث اتفاقيات بين الطرفين، لإنجاز مشروع بتروكيماوي تساهم فيه سوناطراك بنسبة 34 في المئة.
وحدد عرقاب مجالات الاستثمار بالقطاع في تكسير النفتا وغاز البترول المسال بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو مليون طن سنويا، عبر بناء سوناطراك وحدتين مخصصتين لإنتاج المواد البتروكيماوية اللازمة للصناعة المحلية.
وأوضح أن الوحدة الأولى طاقة إنتاجها تقدر بنحو 200 ألف طن سنويا من مادة ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر في المنطقة الصناعية بأرزيو بمحافظة وهران.
أما الوحدة الثانية فتتمثل في مركب لإنتاج نحو 100 ألف طن سنويا من الكيل بنزان الخطي، وهي مادة أولية تستخدم في إنتاج مواد التنظيف والمبيدات في المنطقة الصناعية بمحافظة سكيكدة.
وفي مجال الشراكات الأجنبية، تحدث عرقاب عن مشروعين، الأول مع مجموعة سهيل بهوان العمانية، سيقام في بلدة أرزيو بوهران لإنتاج نحو 1.3 مليون طن سنويا من الأمونيا وقرابة 2.3 مليون طن من اليوريا.
وفضلا عن ذلك، سيتم إنشاء مصنع ثان تحت اسم “سورفارت” بالشراكة بين سوناطراك وشركة أو.أس.أي الهولندية للطاقة، والذي سينتج 1.1 مليون طن سنويا من اليوريا و1.5 مليون طن سنويا الأمونيا.
وساهم التقارب المسجل في العلاقات الجزائرية – التركية، بوجود نوايا كبيرة لاستقطاب الخبرات ورأس المال التركي ودعم أوجه الشراكة خاصة في المجال الصناعي، لاسيما في البتروكيماويات، حيث عرضت الحكومة الجزائرية على نظيرتها التركية عدة مشروعات في قطاع الطاقة والمناجم.
وفي هذا الشأن ذكرت وزارة الطاقة الجزائرية، عقب لقاء جمع عرقاب مع السفيرة التركية ماهينور أوزدمير كوكطاش، أن “الطرفين استعرضا علاقات التعاون والشراكة بين البلدين الموصوفة بالممتازة وآفاق تطويرها وتكثيف التعاون في مجالي الطاقة والمناجم مع استكشاف فرص الأعمال والآفاق المستقبلية للاستثمار”.
وأضافت الوزارة في بيان “عرض الوزير على السفيرة التركية إمكانية تنفيذ استثمارات تركية في مجالات البحث والتنقيب عن النفط، وتطوير صناعة البتروكيماويات وإنتاج ونقل الكهرباء”.
وتقول المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين إن “القيمة المضافة لبرميل النفط الخام بعد تكريره تحقق نحو 3 دولارات، فيما تبلغ 36 دولارا إذا تم تحويل النفط إلى بتروكيماويات أساسية كالأثيلين والبروبلين”.
وتشير المنظمة في العديد من التقارير التي أصدرتها في السنوات الماضية إلى أن القيمة المضافة من صناعة البتروكيماويات ستتجاوز نحو 2600 دولار، إذا تم تحويله إلى منتجات نهائية ومتخصصة.
وفي السابق، عاش القطاع على وقع حالة من الغموض والتردد خلال السنوات الأخيرة، فرغم توجه الحكومات المتعاقبة منذ العشرية الأولى للقرن الحالي إلى إقامة صناعات بتروكيماوية ونفطية، ورصد سوناطراك لمخصصات مالية مهمة للاستثمار في القطاع، إلا أن مناخ الأعمال السائد لم يسمح بتجسيدها على الأرض.
أبرز المشاريع المقترحة
● مساهمة سوناطراك بنحو 34 في المئة لبناء مصنع للبتروكيماويات في مدينة جيهان التركية
● إقامة وحدة بالمنطقة الصناعية بوهران لإنتاج 200 ألف طن سنويا من ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر
● إنشاء مركب بالمنطقة الصناعية بسكيكدة لإنتاج نحو 100 ألف طن سنويا من الكيل بنزان الخطي
● شراكة مع مجموعة سهيل بهوان العمانية لبناء مصنع ينتج 3.6 مليون طن سنويا من مادتي الأمونيا واليوريا
● إقامة مصنع بالشراكة مع أو.أس.أي الهولندية للطاقة لإنتاج 2.6 مليون طن من الأمونيا واليوريا
ففضلا على محدودية الإمكانيات المالية والفنية لسوناطراك، الذراع النفطية للدولة، ساهم قانون المحروقات والاستثمار الأجنبي آنذاك في عزوف الشركات العالمية الكبيرة عن ضخ رؤوس الأموال في السوق المحلية، وهو ما دفع السلطة الجديدة في العام 2019 إلى القيام بمراجعة جذرية للقوانين وإطلاق محفزات وتدابير مشجعة لجذب رؤوس الأموال الخارجية.
وكانت سوناطراك منذ العام 2010 تعتزم إنجاز 4 مجمعات بتروكيماوية تصل قيمتها الإجمالية إلى حوالي 6 مليار دولار، لتعزيز مردود الإنتاج من النفط والغاز من خلال إنشاء مصافٍ في كل من تيارت وحاسي مسعود وسكيكدة والعاصمة الجزائرية بطاقة إنتاجية تفوق 10 ملايين طن سنويا.
لكن غياب استراتيجية واضحة في القطاع وعدم الاستقرار السياسي عطلا هذا النشاط لأسباب مختلفة، ولعل ما قاله وزير الصناعة السابق فرحات آيت علي بأن “الشراكة الأجنبية في الصناعات البتروكيماوية التي عرفتها الجزائر من قبل مدمرة للاقتصاد الوطني، بسبب غياب دراسات دقيقة حول الشريك الأجنبي الذي يصنع ويصدر لها نفس المادة”، دليل على ذلك.
وأكد آيت علي أن “مشاريع الصناعة البتروكيماوية التي تم إطلاقها في 2010 بشراكة أجنبية لم تحقق الأهداف، فمن المفروض أنها تقدم للجزائر تقنيات جديدة، عصرية ومهارة، لكن الواقع أثبت عدم تحقيق أي واحد منها، بل كانت سببا في تعطيل المشاريع في هذا المجال”.
واعتمدت الجزائر على تصدير النفط والغاز كمادة خام على مدار ستة عقود، رغم الانعكاسات الخطيرة لتذبذب الأسعار على مداخيلها من العملة الصعبة حيث تمثل عائداتها نحو 97 في المئة من إجمالي موارد البلد العضو في أوبك. ولم يتم الالتفات بجدية لصناعة البتروكيماويات رغم المحاولات المسجلة في سبعينات القرن الماضي.
وأعلنت سوناطراك العام الماضي عن خسائر بنحو 30 في المئة، وهو ما يعكس بوضوح حجم التحديات التي تواجهها لتطوير أعمالها في قطاع الطاقة.
وإلى جانب تذبذب الأسعار وتهاويها منذ 2014 قبل أن تعود إلى التعافي في الفترة الأخيرة، عرفت الشركة تراجعا في الإنتاج نزل تحت سقف المليون برميل يوميا.
كما أنها دخلت تحت طائلة الدول المرشحة لمغادرة النادي النفطي، مما حتم عليها على ما يبدو إعادة مراجعة سياساتها بهدف استغلال الاحتياطات المتاحة والاستفادة من صناعات نفطية وبتروكيماوية باتت تمثل ملاذا آمنا لوضعها الاقتصادي والطاقوي.