الجزائر تنسحب نهائيا من منحدر طباعة النقود

حجم العملة المطبوعة لا يزال حتى الآن مجهولا لدى الدوائر الاقتصادية والرأي العام.
الجمعة 2019/07/05
أزمات مزمنة تحت المجهر

رجح خبراء اتجاه الجزائر خلال الفترة المقبلة إلى خفض قيمة العملة المحلية في أعقاب إيقاف العمل ببرنامج التمويل غير التقليدي، الذي عمق الأزمات المتراكمة للدولة النفطية وأحدث خللا في التوازنات المالية بسبب قصر نظر سياسات الحكومة المتعاقبة.

الجزائر - تقلصت خيارات الحكومة الجزائرية في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المعقدة للبلاد، في ظل تراجع المداخيل وتآكل احتياطات النقد الأجنبي، بعد أن قررت وقف التمويل غير التقليدي.

ويرى خبراء أن تلك الخطوة سترغم الدولة النفطية على خفض جديد في قيمة العملة المحلية من أجل توفير مداخيل جديدة للخزينة العامة.

وحاولت الجزائر خلال عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وتحديدا في أكتوبر 2017 دون جدوى مواجهة أزمة انهيار عوائد النفط حين أفرطت في طباعة النقود.

ووفق بنك الجزائر المركزي يبلغ سعر صرف اليورو في السوق الرسمية حاليا نحو 134 دينارا، في حين يبلغ سعر صرف الدولار نحو 120 دينارا، ما يعني أن قيمة العملة المحلية ارتفعت بنحو 13 بالمئة مقارنة مع بداية العام الجاري.

وأكد وزير الاتصال والناطق باسم الحكومة حسان رابحي، أن بلاده قررت نهائيا التوقف عن طبع العملة المحلية، والعودة إلى التدابير الاقتصادية الطبيعية من أجل مواجهة الأوضاع الراهنة.

ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية لرابحي قوله إن “عهد التمويل غير التقليدي تنتهجه الجزائر منذ سنوات، قد ولى، وإن الحكومة اتخذت من التدابير ما يمكّن البلاد من تفادي المخاطر التي قد تضر بالاقتصاد الوطني، في ظل تآكل احتياطات البلاد من النقد الأجنبي”، لكنه لم يقدم تفاصيل أخرى عن البديل المتخذ.

وعن إمكانية اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، فقد استبعد ذلك، وبرره بكون بلاده لها من احتياطات الذهب والنقد الأجنبي ما قد يقيها من الاقتراض الخارجي.

وأضاف “لكن إذا ما عكفنا على العمل الجاد والإلمام بكل ما تتوفر عليه البلاد من قدرات، سنمر بسلام إلى مرحلة نوعية جديدة”.

وتراهن السلطات المؤقتة على الحرب المفتوحة على الفساد لكبح حدة التحديات المالية التي تواجهها ولمواجهة الصعوبات القائمة وتلبية الطلب المحلي.

وأفضت الملفات المفتوحة من طرف القضاء على الفاسدين إلى الكشف عن تلاعب كبير من لوبي مالي متغلغل في مفاصل القطاعات الاقتصادية الحيوية خاصة في مجال الاستيراد.

ويؤكد خبراء أن ركود النشاط الاقتصادي في البلاد خلال الأشهر الماضية، رغم الاعتماد شبه الكلي على مداخيل النفط، لا يغفل المخاطر التي تهدد الجبهة الاجتماعية في المدى القريب، بسبب الخيارات المؤلمة المنتظر اتخاذها قريبا، لاسيما في ما يتعلق بدعم المواد ذات الاستهلاك الواسع.

وكانت حكومة تصريف الأعمال بقيادة نورالدين بدوي، قد اتخذت في الأسابيع الأخيرة عدة إجراءات تقشفية، بدعوى “عقلنة” إنفاق رصيد النقد الأجنبي.

وفي خطوة لمحاصرة الأزمة، قامت بوضع سقف لواردات نشاط تركيب وتجميع المركبات والسيارات إلى أقل من ملياري دولار سنويا، بعدما وصل إلى 6 مليارات في السنوات الأخيرة، فضلا عن مراجعة استيراد مادة القمح.

وأمام استبعاد اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، فإن كل المؤشرات توحي إلى الإقرار بخفض جديد لقيمة العملة المحلية، رغم ما تنطوي عليه الخطوة من متاعب للجبهة الاجتماعية، المنهكة أصلا بتركة التمويل غير التقليدي.

ويقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول إن رصيد النقد الأجنبي نزل في مارس الماضي إلى أكثر من 70 مليار دولار.

60 مليار دولار، قامت الجزائر بطباعتها منذ أكتوبر 2017 ضمن التمويل غير التقليدي

وأوضح أن الوضع السياسي وعدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد، بقدر ما عطلا محركات النمو وأدخلا الاقتصاد المحلي في حالة انكماش، بقدر ما أماطا اللثام عن آليات وممارسات لا يمكن بأي حال من الأحوال التفكير في بناء الاقتصاد على أسس مستدامة.

وحتى الآن، لا يزال حجم العملة المطبوعة مجهولا لدى الدوائر الاقتصادية والرأي العام، لكن وفق مصادر أمنية تحقق في المسألة، فإن المبلغ يعادل 60 مليار دولار، ولا يُستبعد أن يكون جزء من الكتلة لم يضخ في السوق لحد الآن.

وكان رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، المسجون حاليا بتهم الفساد، قد صرح العام 2017 أمام نواب البرلمان، بأنه “لم يبق أمام الحكومة إلا اللجوء إلى هذه الآلية أو التوقف عن دفع رواتب المنتسبين للوظيفة العمومية”.

ورغم تعهداته حينها بتأسيس لجنة مختصة لمراقبة العملية، وعدم تجاوز سقف 30 مليار دولار، إلا أن الحكومة فقدت السيطرة على ذلك وتواصلت العملية لغاية هذا العام، وظل التكتم حول الرقم الحقيقي للكتلة المطبوعة.

ومازالت الحكومة تتلاعب بمؤشر التضخم في البلاد، لاسيما بعد دخول كتلة الأوراق المطبوعة للسوق، حيث تتحدث أرقام الديوان الوطني للإحصاء عن أقل من 4 بالمئة، إلا أن خبراء يشككون في ذلك، قياسا بغليان الأسعار وتراجع قيمة الدينار وتقهقر القدرة الشرائية.

وتخيم مخاوف كبيرة على الشارع الجزائري، من تداعيات الخيارات الاقتصادية سواء بطبع أوراق نقدية، أو باللجوء إلى خفض جديد لقيمة العملة، من أجل مواجهة العجز الداخلي والتكفل بالطلب المحلي، فضلا عن تفاقم المديونية التي تكبل المؤسسات الاقتصادية.

وفقدت العملة المحلية ثلث قيمتها في السنوات الأخيرة أمام الدولار واليورو، وانعكس في شكل ارتفاع كبير في الأسعار مع تدهور للقدرة الشرائية المرشحة للتفاقم في حال اللجوء إلى خفض جديد في العملة المحلية.

وذكر مبتول في تصريح لـ”العرب” أن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ 5 أشهر أدخلها في نوع من العزلة، مما يحتم ضرورة الذهاب إلى حلول سياسية سريعة وناجعة بغية العودة إلى الوضع العادي.

واستدل على ذلك بلجوء إدارة الأوراسي المملوك للدولة، أكبر فنادق العاصمة، إلى تسريح مؤقت لنحو ثلث العاملين والموظفين، بسبب تقلص مداخيل المؤسسة.

واضطرت الدولة لاتخاذ هذا المسار بعد أن صار الفندق خلال الأسابيع الأخيرة شاغرا من الحركة بالنسبة للزوار الأجانب، ومن الأنشطة المختلفة التي تنظم فيه، مما يوحي إلى حالة الشلل التي ضربت مختلف القطاعات الصناعية والخدماتية.

11