الجزائر تغامر بالاستثمار في الغاز الصخري رغم المعارضة الشعبية

الجزائر - دخلت الحكومة الجزائرية في مواجهة مباشرة مع الأوساط الشعبية لإقناعها بجدوى الاستثمار في الغاز الصخري لاقتصاد الدولة رغم المخاطر البيئية وآثاره السلبية على السكان.
ووضعت شركة النفط المملوكة للدولة سوناطراك، استراتيجية لاحتواء غضب سكان الولايات الجنوبية، التي تعتزم البدء في عمليات التنقيب واستغلال الغاز الصخري فيها، وذلك بفتح قنوات تواصل وتعبئة لإقناعهم بتركيزها على حماية البيئة ومصادر المياه الجوفية في المنطقة.
وصرح مصدر مسؤول بالشركة في قمة “مستقبل الطاقة في الجزائر” المنعقدة مؤخرا بالعاصمة، بأن الشركة “تأخذ بعين الاعتبار انشغالات السكان المحليين حول البيئة والمياه، وفتحت قنوات اتصال وتشاور مع نشطاء لاطلاعهم على الضمانات التكنولوجية والفنية المعتمدة في هذا المجال”.
وأبرمت سوناطراك على هامش القمة، اتفاقي شراكة مع بريتيش بتروليوم (بي.بي) وإيكينور النرويجية لاستكشاف وتطوير الموارد غير التقليدية في الأحواض الجنوبية الغربية للبلاد.
ووصفت الشركة الاتفاق بـ”المهم “، لأنه “يجسد إرادة الطرفين في استكشاف وتطوير موارد الغاز المصاحب، الذي تحتويه المنطقة، على أساس نتائج الدراسات المنجزة في 2013”.
وأفادت مصادر لـ”العرب” بأن ناشطين في المناطق الجنوبية، شرعوا في سلسلة اتصالات، حول الخطوات التي سيتبنونها لمعارضة خطط الحكومة، الرامية إلى العودة لاستكشاف واستغلال الصخري في مناطقهم.
ولدى سكان الجنوب قلق متزايد من تأثير المشاريع الجديدة على البيئة والزراعة وعلى المياه الجوفية، بفعل المواد الكيميائية التي تستعمل عادة في استخراج الغاز الصخري.
وكانت أولى الخطوات الاحتجاجية حول خطط الحكومة في هذا الشأن السبت الماضي، في مدينة ورقلة البعيدة عن العاصمة بنحو 600 كلم إلى الجنوب.
وفي تسجيل للناشط محاد قاسمي، على صفحته الرسمية في فيسبوك، أكد أن “الاتفاق استفز فينا النضال لمنع استغلال الغاز الصخري والإضرار بالبيئة، وأن النشطاء بصدد تكوين هيئة فنية تتكون من خبراء ومختصين، لإجهاض حجج الحكومة في ما يتعلق بالضمانات التكنولوجية والتقنية، للحفاظ على سلامة البيئة والثروة المائية”.
وأضاف “لدينا مخاوف من أن تذهب السلطة في قرارها للحد الأقصى، وقضيتنا قضية أرض، وهي قضية عادلة أخلاقيا وسياسيا وعلميا، ويتعين على سكان ورقلة وعين صالح وأدرار وكل مناطق الجنوب، الوقوف ضد هذا الخيار المدمر”.
واضطرت الجزائر، العضو في منظمة أوبك، إلى تجميد مشروع اكتشاف الغاز الصخري العام 2013، بإيعاز من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك تحت ضغط المجتمع وموجة انتقادات خبراء الاقتصاد والطاقة.
وشن حينها نشطاء محليون وجمعيات، حملة احتجاجات واعتصامات مفتوحة في مدن وبلدات جنوبية، واستقطبت تضامنا شعبيا ودعما من نخب اقتصادية وسياسية، بسبب “المخاطر الكبرى للمشروع على البيئة والإنسان والثروة المائية”.
وأمام ضغوط الأزمة الاقتصادية وتقلص مخزون البلاد من العملة الصعبة، عادت الحكومة لإحياء المشروع، كملاذ أخير لها للإفلات من تداعيات الفشل في إيجاد بدائل اقتصادية للنفط، ومن مخاطر العجز عن تلبية حاجيات السكان المتنامية مستقبلا.
وقال وزير الطاقة مصطفى قيطوني، في قمة مستقبل الطاقة، إن “الاستثمار في مجال الغاز الصخري لا يزال قيد الدراسة، ولن يكون الاستغلال إلا بعد خمس سنوات من الآن، وأن أكثر الدول في العالم تستخدم الغاز الصخري”.
وأضاف في كلمة له أمام القمة أن “الجزائر تعمل على اتباع التدابير العالمية للحفاظ على البيئة، وحماية السكان، وأن شركة سوناطراك ستتعامل مع شركات عالمية مثل توتال لاستغلال الغاز الصخري”.
وتعكف الحكومة على وضع اللمسات الأخيرة لإصدار قانون جديد للطاقة قبل نهاية النصف الأول من العام القادم، من أجل إضفاء ليونة وجاذبية أكبر على الاستثمارات المتوقع دخولها للبلاد في هذا المجال، لا سيما النفط البحري والغاز الصخري، وذلك في أعقاب فشل القانون الحالي في استقطاب الشركات النفطية العالمية للاستثمار في البلاد.
وأشارت دراسة مشتركة بين سوناطراك، ومراكز دراسات أميركية في عدد من الأحواض الجنوبية، فإن الجزائر بها احتياطيات من الغاز الصخري تقدر بنحو 5 تريليونات قدم مكعب، ما يصنفها في المركز الرابع عالميا بعد الولايات المتحدة والصين والأرجنتين.
وبحسب الدراسة، فإن من بين تلك الاحتياطيات نحو 740 تريليون قدم مكعب يمكن استرجاعها على أساس نسبة استرجاع تقدر بنحو 15 بالمئة، تتوزع كلها في مناطق أحنات وتيميمون وإليزي ومويدير وبركين في أقصى جنوبي البلاد.
وكان الرئيس المدير العام لسوناطراك، عبدالمؤمن ولد قدور، قد أوضح في وقت سابق بأن “المناقصات التي كانت تطلقها الجزائر، لم تكن تحظى باهتمام كبرى الشركات، بسبب تعقيدات قانون المحروقات”، الذي اعتبره “غير مشجع ومثير للمشاكل الإدارية والبيروقراطية”.