الجزائر تراجع قانون الاستثمار لكسر عزلتها الاقتصادية

التوترات الداخلية وتصفية المناخ من أكبر التحديات أمام الحكومة.
الجمعة 2022/05/20
في انتظار القانون

الجزائر - تستعد الحكومة الجزائرية لإطلاق قانون جديد للاستثمار تراهن من خلاله على الخروج من العزلة الاقتصادية التي حاصرتها خلال السنوات الأخيرة، وإقناع رأس المال الأجنبي بالمغامرة في تحريك المنظومة الداخلية المشلولة، لكن تبقى المراجعات المستمرة وهشاشة الوضع الاجتماعي والسياسي الداخلي أبرز معوقات الخروج من النفق.

وكشف مجلس الوزراء الاستثنائي الذي انعقد الخميس، تحت إشراف الرئيس عبدالمجيد تبون، عن صياغة جديدة لقانون الاستثمار في البلاد، ليكون بذلك طبعة جديدة تأمل من خلالها الحكومة تحريك دواليب الاقتصاد المحلي المتعثر، خاصة في السنوات الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية والتوترات الداخلية، مما حدا بالعديد من المؤسسات الأجنبية إلى مغادرة البلاد، حيث كان فرع شركة “رونو” آخر المغادرين بحسب المعلومات المتداولة.

وتراهن السلطات الجزائرية على نسخة جديدة من النصوص الناظمة للاستثمار في البلاد، لرفع الحواجز والعراقيل التي عطلت آلة الاقتصاد المحلي، لكن تبقى مسألة استعادة ثقة رأس المال المحلي والأجنبي أكبر تحد أمام الحكومة، فقد سبق للحكومات السابقة السعي لتحريك القطاع، غير أنها فشلت في ذلك بسبب تضارب استراتيجيات الدولة.

الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل تدعو إلى تطوير الاستثمار في البلاد، بإدراج نقاط تعمل على تشجيع الاستثمار

ويصطدم القانون الجديد بمناخ في حاجة ماسة إلى التصفية من الشوائب العالقة، وعلى رأسها شيوع ظاهرة الفساد الإداري والمالي، حيث يوجد إلى حد الآن العديد من رجال المال والأعمال رهن السجن، وعدم استقرار اجتماعي وسياسي، وهيمنة الجهاز التنفيذي على المنظومة الاقتصادية، فضلا عن خيارات أخرى أثبتت عدم جدواها كما هو الشأن بالنسبة لقاعدة 49/51 في الاستثمار الأجنبي، بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية.

وكان الرئيس الجزائري قد أمر الحكومة في اجتماع سابق لمجلس الوزراء بإثراء النقاش حول مشروع قانون ترقية الاستثمار بشكل كاف، وذلك بإعادة إصدار قانون جديد من أساسه لترقية الاستثمار، والتركيز على تكريس مبدأ حرية الاستثمار والمبادرة، واستقرار الإطار التشريعي للاستثمار، لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

وحض الرئيس تبون على التخلي عن الممارسات السابقة في إعداد النصوص التشريعية والكف عن اعداد قوانين لا تليق بصورة الجزائر، ولا بالرهانات والتوجهات الجديدة التي تضمنتها التزاماته الـ54 التي تهدف إلى تأسيس جزائر جديدة تراعي التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وتضع البلاد في مصاف الدول الرائدة.

وتظهر نوايا السلطة في وضع منظومة مستقرة لمدة عشر سنوات رغبتها في تخطي عثرات سابقة كانت النصوص التشريعية محل تعديلات ومراجعات دورية أثارت الشكوك لدى الفاعلين الاقتصاديين سواء كانوا محليين أو أجانب، وحولت أنظارهم إلى وجهات أخرى أكثر استقرار وديمومة للمصالح.

وتضمن المشروع الجديد “تبسيط الإجراءات وتقليص مساحة السلطة التقديرية للإدارة في مجال معالجة ملفات الاستثمار، لاسيما تلك التي تعتمد على التمويل الذاتي، وكذا على تعزيز صلاحيات الشباك الوحيد، في معالجة ملفات الاستثمار، ضمن آجال محددة”.

وأكدت توجيهات الرئيس تبون على ضرورة اقتصار الامتيازات والحوافز الضريبية على توجيه الاستثمار ودعمه في بعض القطاعات أو المناطق التي تحظى باهتمام خاص من الدولة دون غيرها، وفق مقاربة براغماتية، في التعامل مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تراعي استقطاب الاستثمارات التي تضمن نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب الشغل.

وتعد الجزائر من أضعف الدول في استقطاب رأس المال الأجنبي رغم سنوات الأريحية المالية التي عرفتها خلال العقدين الأخيرين، حيث كانت تعتمد في حركتها التنموية والاستثمارية على الخزينة العمومية، دون البحث عن شركاء آخرين من الداخل أو الخارج، مما جعل سقف الاستثمارات الخارجية لا يتعدى سقف الـ500 مليون دولار في أحسن الأحوال، بحسب تقارير محلية.

الحكومة تبحث عن آليات جديدة لتحريك دواليب الاقتصاد المتعثر
الحكومة تبحث عن آليات جديدة لتحريك دواليب الاقتصاد المتعثر

وبغية المشاركة في الحركية الاقتصادية التي تراهن عليها السلطة انطلاقا من العام الجاري اقترحت تنظيمات مهنية لرجال المال والأعمال عددا من التصورات للنهوض بالوضع الاقتصادي للبلاد، أبرزها التركيز على مجابهة البيروقراطية وتحسين مناخ الأعمال ومنح التسهيلات للمتعاملين الاقتصاديين.

وذكر بيان لما يعرف بـ”مجلس التجديد الاقتصادي”، بأنه “على يقين بأن هذا النهج هو الأنجع وأنه في الواقع وبالنظر إلى الوضع العالمي والتحديات الاقتصادية التي ينبغي مواجهتها، يتعين على الحكومة توفير الظروف المناسبة والفعالة لتحسين محيط الاستثمار الوطني الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بطريقة مستدامة”.

وحض المجلس على تدوين بند ديمومة القانون لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وتحديد واضح للأوليات المسطرة في الاستثمارات، فضلا عن تقديم ضمانات لتحقيق الأمن الغذائي والصحي وفي مجال الطاقة، واقترح في هذا الإطار التكوين والبحث والتطوير وتثمين المواد الخام المحلية، ورفع الإنتاج الوطني للمدخلات ومعالجة الفوائض الزراعية كاستثمارات ذات أولوية.

أما الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل ، فقد دعت إلى “تطوير الاستثمار في البلاد، بإدراج نقاط تعمل على تشجيع الاستثمار والعمل وتكرس حرية المبادرة والتجارة، وتحسين مناخ الأعمال وتسهيل نشاط المؤسسات الاقتصادية ونجاحها دون تمييز بين المتعاملين من القطاع العام والخاص، وتطهير مناخ الأعمال من الإجراءات البيروقراطية، التي تحولت إلى إرهاب يعصف بالاستثمارات، ويهدد المؤسسات الاقتصادية”.

ودعت إلى “إصلاحات سريعة للمنظومة البنكية والقوانين الجبائية وعملية منح العقار وتوزيعه على المستثمرين في مختلف القطاعات”، وأعربت عن استعدادها لتقديم مساعداتها دون أيّ تردد لتحسين مناخ الأعمال، وخلق حركية في مجال المقاولات وتسريع وتيرة استحداث المؤسسات، للنهوض باقتصاد البلاد، وتشجيع مئات الآلاف من المؤسسات بالابتعاد عن الريع النفطي والتفكير في مرحلة ما بعد البترول ونقل التكنولوجيا الرقمية والخبرة الأجنبية”.

4