الجزائر تحتفي بعبدالحميد بن هدوقة رائد روايتها العربية

كاتب دوّن سردية أخرى للتاريخ المغاربي وفتح مرآة لطموحات البسطاء.
الثلاثاء 2021/10/26
تاريخ الجزائر محفوظ في روايات وقصص بن هدوقة

شكل الكاتب الجزائري عبدالحميد بن هدوقة طفرة في السرد الجزائري، وتعتبر أعماله تأسيسية في الكتابة باللغة العربية لعقود كاملة حيث احتفى به القارئ ولا يزال يحتفي به سواء في الجزائر أو في المغرب العربي ككل؛ إذ أن للراحل مكانة أدبية كبيرة خاصة في أعماله التي تقدم سرديات تاريخية هامة عن الواقع الجزائري في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو ما جعله من أبرز الأدباء الذين يدرّسون المناهج التعليمية في البلدان المغاربية.

الجزائر – احتفلت الجزائر هذا العام بالذكرى الخامسة والعشرين لرحيل مؤسس الرواية الجزائرية باللغة العربية عبدالحميد بن هدوقة (1925 – 1996)، الذي فتح بروايته الشهيرة “ريح الجنوب” الطريق أمام المبدعين لتقديم أعمال روائية متميزة بالعربية.

وتزامنا مع هذه الذكرى احتفت الدورة السابعة من جائزة “كتارا” للرواية العربية بالأديب الجزائري المعطاء، ليكون شخصية العام في إطار التقليد السنوي للجائزة منذ 2016 والذي يحتفي سنويا بشخصية أدبية عربية “تركت بصمة واضحة في مسيرة الأدب العربي”.

أعمال ناجحة للكاتب

احتفاء بالكاتب

كما عرفت بداية هذه السنة تنظيم وزارة الثقافة والفنون لندوة وطنية حول أعمال الروائي عبدالحميد بن هدوقة بعنوان “الرواية الجزائرية من التأسيس إلى التكريس”، احتضنتها المكتبة الوطنية بالحامة في الجزائر العاصمة، احتفاء بهذا الكاتب الذي شكلت أعماله “طفرة في السرد الجزائري” وتعتبر كتاباته “أعمالا تأسيسية” في الكتابة باللغة العربية.

كما احتضنت المكتبة الرئيسية العمومية للمطالعة بمدينة الشلف الجزائرية على مدار أسبوع معرضا لأهم مؤلفات بن هدوقة ضمن فعاليات الندوة الوطنية التي نظمتها الوزارة الوصية عبر جميع الهياكل والمؤسسات الثقافية.

ويندرج المعرض ضمن فعاليات الندوة الوطنية للروائي عبدالحميد بن هدوقة تحت شعار “الرواية الجزائرية.. من التأسيس إلى التكريس”، وتضمن عرضا على مواقع التواصل الاجتماعي لأهم آثار الكاتب والمؤلفات التي تتحدث عنه.

كما نظمت المكتبة مسابقة فكرية للأطفال خصصتها لأحسن سيرة ذاتية يقدمها المشارك حول شخصية بن هدوقة، بالإضافة إلى جلسات قراءة لنصوص من مؤلفاته التي تختزل ذاكرة وطن بأكمله وتمثل نافذة على واقع الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي وعلى حقبة هامة من تاريخ البلاد منتصف القرن العشرين.

قضايا الوطن

ترك الراحل أعمالا أدبية ثرية ومتنوعة، وكان قد بدأ مشواره بالكتابة في الصحف التونسية منذ عام 1951، هذا البلد الذي درس فيه وعاد للإقامة به تحت ضغط الاستعمار وملاحقته له بسبب نشاطه السياسي ضمن حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وفي عام 1952 نشر بن هدوقة أول نص شعري له بعنوان “حامل الأزهر”، لكن رغم بدايته الشعرية اشتهر أكثر برواياته وإبداعاته الأخرى.

ويزخر المشوار الأدبي لبن هدوقة بإنجازات هامة وذلك منذ صدور روايته الأولى “ريح الجنوب” سنة 1971 التي اقتبسها المخرج الراحل سليم رياض إلى فيلم تلفزيوني لقي إقبالا جماهيريا كبيرا، تبعتها أعمال أخرى من بينها “نهاية الأمس” (1975) و”ابن الصبح” (1980) و”الجازية والدراويش” (1983) و”غدا يوم جديد” (1997).

روايته الأولى

 كما كتب بن هدوقة القصة القصيرة وعددا من النصوص المسرحية، وترجمت أعماله إلى عدة لغات. وللروائي كذلك تجربة مهمة في مجال الترجمة حيث قام بترجمة العديد من الأعمال على غرار دراسة للمحامي الفرنسي جاك فرجيس بعنوان “دفاع عن الفدائيين” سنة 1975.

إلى جانب الإبداع الأدبي عمل بن هدوقة في عدة مجالات ثقافية وإعلامية بعد عودته إلى الجزائر في 1962 حيث التحق بالإذاعة والتلفزيون في قسم الإخراج (1962 – 1963) ثم أصبح منسقا عاما للمصالح الفنية ومسيرا للبرامج ومديرا للإذاعتين العربية والأمازيغية من 1966 إلى 1970. وفي أواخر الثمانينات عين بن هدوقة مديرا للمؤسسة الوطنية للكتاب ثم أمينا عاما مساعدا لاتحاد الكتاب الجزائريين ورئيسا للمجلس الأعلى للثقافة (1990 – 1993).

ولد الراحل في التاسع من يناير 1925 في قرية الحمراء ببرج بوعريريج، وبدأ تعليمه في كُتاب والده حيث درس مبادئ اللغة العربية وحفظ أجزاء من القرآن الكريم وواصل الدراسة في معهد الكتانية بقسنطينة قبل الالتحاق بجامع الزيتونة في تونس حيث نال شهادة التحصيل، إلى جانب دراسته في معهد الفنون الدرامية الذي تحصل منه على شهادة في التمثيل العربي.

توجه بن هدوقة نحو الكتابة الروائية والقصصية لأنه وجدها ملائمة للتعبير عن قضايا وإرهاصات كانت بداخله، فكتب عن الواقع الجزائري في تجلياته المختلفة انطلاقا من البيئة الريفية التي تربى فيها وعانى من اضطهاد المستعمر، كما تطرق في كتاباته إلى التحديات التي واجهتها الجزائر غداة الاستقلال، من خلال قضايا إنسانية تمس مختلف الشرائح التي تناولها كشخصيات في قصصه القصيرة.

واهتم الأديب في أعماله الروائية بالقضايا الوطنية والاجتماعية، وجعل محورها يدور حول المرأة والأرض، مبرزا معاناة الجزائريين من الاستعمار، وكان أبطال هذه الأعمال متمردين متشبعين بأفكار جديدة رافضة للأوضاع القائمة ومصرين على الإصلاح والتغيير. ووظف بن هدوقة في أعماله الروائية اللاحقة التراث والرمز كما في روايته “الجازية والدراويش”، وهي قصة رمزية تعكس أبعاد التحولات الاجتماعية التي تعيشها إحدى القرى الجبلية، وجعل أحداثها تدور حول فتاة غامضة مثقلة بالدلالات.

كتابة التاريخ

ترجمت إلى الفرنسية

كان بن هدوقة يكتب عن التاريخ “كتابة نقدية” وليس مسجلا للأحداث التاريخية بل ناقد لها؛ حيث كان يوظف الأحداث بدلالات “زمانية – كرونيكية” وذلك بما يخدم مسار الحدث (السرد) أو بوصفها ذات دلالات رمزية كالتواريخ المتعلقة بالثورة التحريرية والمحطات والمفاصل الكبرى في الجزائر.

ولم يكن الكاتب مهتما بترسيخ النهايات الجميلة في رواياته التي تسعد التاريخ وترضيه ولا مهتما بالنهايات الدرامية التي تدين التاريخ وتتهمه؛ بل سعى لأن يكون التاريخ خادما للحاضر من خلال إبقائه التساؤلَ مفتوحا لكي يشاركه الآخرون في بناء المستقبل، مؤمنا في نصوصه بمبدأ التعددية.

وطرح الكاتب المسألة التاريخية أدبيا على عكس مواطنه مالك بن نبي الذي تناولها من منظور فكري، فكانت أعماله ضمن ما يمكن وسمه بسردية التاريخ والمجتمع والثقافة، ومن ثم فإن فهم الروائي للتاريخ كان عبر فهمه للمكان على غرار الريف والمدينة.

وقد حاول بن هدوقة تفسير تاريخ الجزائر من خلال ثلاث آليات وهي الإنسان والمكان والزمان، حتى يتمكن من فهم التحول التاريخي الذي جسده في سرد الحدث الأدبي كما تجلى ذلك في روايته “ريح الجنوب” التي تعتبر بمثابة تأسيس لمفهوم “ذاكرة المكان”. وترجمت أعمال بن هدوقة التي اتسمت بالتفوق من حيث المبنى والنوع الكتابي إلى عدة لغات، إذ عكست جلها تفاصيل حياة المجتمع الجزائري، مقدمة سردية أخرى له في النصف الثاني من القرن العشرين.

وقد أحب المترجم الفرنسي مارسيل بوا روايات بن هدوقة، وأحب أيضا شخصية بن هدوقة المثقف والأديب والإنسان، لذلك ترجم جميع رواياته إلى الفرنسية، فإليه يعود الفضل الثقافي في توصيل اسم الروائي عبدالحميد بن هدوقة إلى شريحة واسعة من القراء بالفرنسية في الجزائر، ومن خلال ترجماته عرف الجزائريون في اللغة الفرنسية روايات بن هدوقة كـ”ريح الجنوب” و”نهاية الأمس” و”بان الصبح” و”الجازية والدراويش” و”غدا يوم جديد”. كما أن فيلم “ريح الجنوب” الذي أخرجه سليم رياض عام 1975 والمقتبس عن رواية “ريح الجنوب” لابن هدوقة اعتُمدت فيه الرواية مترجمة إلى الفرنسية أكثر مما اعتُمد النص بالعربية، وذلك نظرا إلى جهل المخرج باللغة العربية التي بها كتب النص الأصلي.

14