الجراد من آفة بيئية إلى زيوت صحية وأطباق شهية

حين يهبّ الجراد على أفريقيا والخليج العربي يأتي على الزرع والأشجار، فيحتار المزارعون في محاربته، لكنه اليوم أصبح نافعا بعد أن أصبح غذاء لذيذا غنيا بالبروتن والأوميغا 3، وينصح به خبراء التغذية خاصة أمام الكثافة السكانية التي تشهدها الكرة الأرضية. وتعمل العديد من مختبرات اليوم على إنتاج زيوت من هذه الحشرات غنية بمضادات الأكسدة مقارنة بما تحتوي عليه الزيوت النباتية.
نيروبي – من المعروف أن الجراد الصحراوي صار وباء في شرق أفريقيا، ولكن ماذا لو كانت هذه الحشرات المدمرة التي تسبب أضرارا واسعة النطاق للمحاصيل، يمكن أن يتم تحويلها إلى أطعمة يقتات عليها السكان؟
أمام توقعات ارتفاع سكان الكرة الأرضية إلى 9 مليارات في عام 2050 تنصح منظمة البيئة التابعة للأمم المتحدة باستهلاك لحوم الحشرات باعتبارها عملية وفيها نسبة عالية من البروتين ولكونها بديلا صديقا للبيئة عن لحوم المواشي.
وإذا سألت الخبير في علم الحشرات كريزانتوس تانغا وهو من الكاميرون، سيقول إن الحشرات مذاقها لذيذ، ويضيف “عندما كنت طفلا كنت أصطاد الجراد كنوع من اللهو، ثم ألتهمها على الفور، وكان مذاقها مقرمشا بشكل رائع”.
ومنذ سنوات نجح مصنع تييوفوس للمعكرونة في فرنسا في إنتاج 4 أنواع مصنوعة كلها من حشرات وهي المعكرونة بالصراصير أو بالجراد أو بالجراد والصراصير معا أو بالصراصير وفطر البورسيني.
وأوضحت مؤسسة المصنع ستيفاني ريشار أن “الحشرات هي بروتينات المستقبل بفضل جودتها العالية وقدرة الجسم الكبيرة على هضمها وخلوها من الغلوتين”.
ويعمل تانغا لدى مركز علم الحشرات والبيئة، وهو معهد أبحاث مشترك بين الدول الأفريقية مقره نيروبي، يقوم بتربية الجراد الصحراوي لأغراض البحث العلمي منذ 20 عاما.
واكتشف تانغا وزملاؤه أن زيوت الحشرات المستخرجة على سبيل المثال من الجراد الصحراوي، غنية بالمواد الغذائية حيث تحتوي على كميات أكبر من الأحماض الدهنية أوميغا – 3، بالإضافة إلى فيتامين إي ومضادات الأكسدة مقارنة بما تحتوي عليه الزيوت النباتية، وللحصول على لتر خام من زيت الجراد الصحراوي ستحتاج إلى نحو 20 كيلوغراما من الجراد المجفف والمجروش.
والزيت الناتج لونه بني غامق وتنبعث منه رائحة أسماك قوية.
ويعرض الطهاة في كانتين المعهد أنواعا من البسكويت والخبز مخبوزة بزيت الجراد الصحراوي، أما نقط التزيين المتناثرة على الرغيف ويبدو حجمها مثل الزبيب، فهي الدلالة الوحيدة على أن الخبز مميز إلى حد ما حيث أنها أجزاء من جراد مشوي.
وعند تذوق البسكويت ستكتشف أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من التحسين، غير أن تذوق أحد أرغفة الخبز داكنة اللون يعطي نكهة رائعة تشبه البندق.
ويمكن أن يكون هناك طلب كبير على مثل هذه المنتجات في أفريقيا، وهي قارة تواجه نقصا في المواد الغذائية وسط نمو سكاني سريع.
وتناضل منطقة شرق أفريقيا لمقاومة غزوات الجراد الصحراوي منذ نهاية عام 2019، وتهدد أسراب الجراد الأمن الغذائي في المنطقة، ومن بين الدول التي تضررت من الجراد بشدة كل من كينيا وإثيوبيا والصومال.
وصار الفلاحون والرعاة عاجزين أمام الدمار الذي أحدثته أسراب الجراد في حقولهم ومراعيهم، وعصفت بسبل معيشتهم.
وفي حالة استخدام الجراد كغذاء، يوضح تونغا أنه لا يمكن اصطياد هذه الحشرات البرية وتحويلها إلى زيوت، فهذه الطريقة ليست عملية حيث أن أسراب الجراد تهاجر من مكان لآخر، وتحط غالبا في مناطق خطيرة لا يمكن الدخول إليها.
ويقول “لا يمكننا التنبؤ بشكل موثوق فيه بالمكان والتوقيت الذي يمكن فيه العثور عليها أو التنبؤ بأعدادها”، ومن ناحية أخرى يشير زافيير تشيسيتو زميل تانغا بالمعهد إلى أن طيور الجراد يمكن أن تتعرض للرش بالمبيدات مما يحول دون استخدامها كغذاء.
ومن هنا تكون تربية الجراد وسيلة أكثر عملية، ويمكن استيلاد الجراد الصحراوي من أجل استخدامه كطعام بسرعة، وبتكلفة منخفضة وداخل مساحات صغيرة للغاية، حيث يمكنه أن يتكاثر في غضون أسبوعين.
ووفقا لما يقوله تانغا، توجد في المتوسط 12600 جرادة تعيش داخل 42 قفصا في معامل المعهد، وتضع أنثى الجراد 300 بيضة في المتوسط خلال حياتها، يعيش منها نحو ثلاثة أرباعها.
ويوضح تشيسيتو أنه من المعتقد أن تربية الجراد أقل تأثيرا على البيئة من تربية الماشية، حيث تقل انبعاثات غاز الميثان من الجراد بنسبة 83 في المئة مقارنة بالماشية، كما أن هناك ميزة أخرى وهي محتوى البروتين العالي لدى الجراد الصحراوي، حيث تبلغ نسبته 62 في المئة مما يجعله بديلا جيدا لفول الصويا الذي يستخدم كبديل للحوم.
ومن المعروف أن الحشرات تعد منذ زمن طويل جزءا من غذاء سكان منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، كما يتم تناول أكثر من 500 نوع من الحشرات في القارة الأفريقية، ويركز الباحثون حاليا على كيفية تطوير الحشرات بشكل يتناسب مع أصناف الطعام الحديثة، إلى جانب صناعة الصابون والوقود الحيوي منها.
وخلصت دراسة سابقة أجريت لصالح المفوضية الأوروبية إلى أن الحشرات يمكن أن تكون بديلا للدجاج ولحوم الأبقار والخنازير فهي مغذية وآمنة، كما أنها تساعد في تخفيض الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، لكن فرص وصول هذه الحشرات إلى قوائم الطعام الأوروبية أقل من فرص إدخالها في علف الحيوان، مع إخضاعها لرقابة شديدة لمنع البروتينات الشاذة المسؤولة عن مرض مثل جنون البقر.
ويعمل مركز علم الحشرات والبيئة الآن مع الحكومات والشركات في مختلف أنحاء أفريقيا، من أجل التطبيق الأمثل للأبحاث التي يجريها، وتشجيع الصناعات التي تدخل فيها الحشرات، وتستخدم أكثر من 50 شركة في كينيا بالفعل الحشرات في منتجاتها، وفقا لما يقوله المركز، ومعظم هذه المنتجات تتركز حول علف الحيوانات.
وتتطلع الشركات حاليا للإنتاج الصناعي للزيوت المستخرجة من الجراد، على الرغم من أن إحدى المشكلات المطروحة تتمثل في أن الفلاحين لا ينتجون كميات كافية منها.