الثيوقراطية أسوأ أنواع الدكتاتورية

لا شك أن الدكتاتورية تعتبر من أسوأ أنواع نظم الحكم التي مرت على البشرية عبر مراحلها التاريخية، وأسوأ الدكتاتوريات تلك التي تجمع بين السياسة والدين “الحكم الثيوقراطي”، ومهما قيل عن محاسن الدكتاتورية في ضبط الأمن وترسيخ الاستقرار ومنع انتشار الفوضى لبعض المجتمعات، فإنها هشة ومؤقتة تزول بزوالها، ولن يبقى هناك سلام ولا أمان على المدى البعيد ولن تسلم تلك المجتمعات من دوامة الصراعات والنزاعات الداخلية الدموية. والشواهد كثيرة أمامنا.
وبشكل عام الدكتاتورية أينما تحل لا تأتي بخير قط، تجتمع فيها كل الشرور والمصائب الموجودة في الدنيا؛ القحط والفقر والتخلف والبطالة والقمع والقتل والتهجير والفساد بأنواعه، والأمراض بأنواعها، كيفما قلبتها وجدتها شرا، لن تجلب إلا النكد والخراب. والعراق وسوريا ومصر أيام عبدالناصر نماذج واضحة لهذه السياسة الخائبة، وكان اليمن يعيش في أمان الله كافي خيره شره، سعيد رغم فقره، ولكن ما أن دخلت الدكتاتورية “الطائفية” فيه وهيمنت على شؤونه حتى قلبت حياته رأسا على عقب 180 درجة، وتحول إلى مصدر توتر وقلق لنفسه ولجيرانه.
والحال عند العراقيين ليس بأفضل من اليمن إن لم يكن أسوأ منه وأضل سبيلا، فما كادوا يتخلصون من النظام البعثي العنصري ويبدأون مرحلة جديدة ونظاما ديمقراطيا جديدا حتى وقعوا في قبضة الدكتاتورية “الطائفية المحورية = من محور المقاومة” وهذه تسمية جديدة لأسوأ دكتاتورية اجتاحت المنطقة، لم يكن العراقيون يعرفون هذا النوع من الدكتاتورية ولم يعهدوها من قبل، ولم يكن يخطر على بالهم أنه يأتي يوم يقتلون بعضهم البعض على الهوية (علي يقتل عمر وعمر يقتل علي) ويذهب المئات من الآلاف ضحية هذه السياسة الرعناء في غضون سنتين أو أكثر قليلا 2006 و2007 من السنة والشيعة.
ومتى كان العراقيون يهتمون بمعرفة مذاهب بعضهم البعض قبل مجيء هؤلاء إلى الحكم؟ كانوا يتزاوجون ويتصاهرون ويتجاورون دون أن يسألوا عن طائفتهم ودينهم، الكل سواسية أمام القانون وأمام نظام سياسي عروبي صارم يضرب بيد من حديد كل من يثير الفكر الطائفي ويروج له.
ولكن بعد هيمنة الأحزاب الشيعية وميليشياتها المسلحة على السلطة بعد عام 2003 تغيرت مفاهيم سياسية واجتماعية وثقافية كثيرة وأدخلت مصطلحات جديدة في المعادلة السياسية كالتوافقية والأغلبية السكانية “الشيعية” وضرورة توليهم الحكم باعتبارهم الأكثرية السكانية ولكن دون إجراء تعداد سكاني.
وعندما تم لهم ما أرادوا باتوا يتعاملون مع العراقيين الكرد والسنة بانتقائية شديدة، تعاملوا مع السنة بنزعة مذهبية بينما تعاملوا مع الكرد بنزعتين؛ الطائفية والعنصرية، حيث مازالت عمليات التعريب قائمة على قدم وساق في كركوك والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان إلى الآن.
ورغم وجود الآليات الديمقراطية في العراق مثل البرلمان والدستور والمحكمة العليا والحكومة المنتخبة ولكن من يديرها ويهيمن عليها هم الطائفيون، فهم يشكلون الأكثرية البرلمانية ويتحكمون بالحكومة ماليا وسياسيا والدستور طوع بنانهم يعطلونه كما يشاؤون ويثبتونه كما يشاؤون ويشهرونه بوجه خصومهم كيفما يشاؤون، وآخر صرح قانوني وقع في قبضتهم هو المحكمة الاتحادية العليا.
فإذا لم تكن الهيمنة على قرارات السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية وتوظيفها لصالح الطائفة تسمى “استبدادا” فكيف يكون الاستبداد؟ ولكن للدكتور عادل عبدالمهدي رئيس مجلس الوزراء السابق رأي آخر فهو يقول إن “لا عودة إلى الاستبداد في الحكم وحدوث اقتتال داخلي في العراق ما دامت هناك انتخابات تشريعية تُجرى فيه”، وكلامه غير صحيح لأن العراق خاض حربا أهلية ساحقة وماحقة مباشرة بعد الانتخابات التشريعية عام 2005.