الثقة والشفافية جسرا محبة لبناء علاقة متينة مع الأبناء

الأربعاء 2014/06/18
أجواء المودة والحرية داخل المنزل تبني جسور الثقة بين الأهل والطفل

كثيراً ما يتكرر هذا المشهد؛ يبدأ الطفل بإزعاج الأم أو الأب فيطلب منهما الإجابة عن أسئلة تبدو في معظمها تافهة وليست ذات قيمة، إلا أن بعض هذه الأسئلة قد لا تكون تافهة من وجهة نظر الصغير وبعضها قد تتعلق بمواضيع حساسة تخص جسده، كما أن بعض الأسئلة تثير أفكارا معقدة ويطالب بإجابات واضحة وفورية لها.

الإلحاح المتواصل للطفل مع إنشغال الأبوين بمسؤولياتهما اليومية التي لا تنتهي، قد يجعله يبدو عبئا إضافيا ثقيلا عليهما، فيضطر بعض الآباء إلى التخلص من هذا الإلحاح أو تأجيله أو ربما تفادي الحرج من الخوض في موضوعات حساسة لا تتناسب والمرحلة العمرية للطفل، بالإجابة عن الأسئلة الخطيرة بمعلومات سطحية رتبت على عجل.

وفي النتيجة، يتسبب الأهل في حدوث ارتباك أو تشوش في طريقة التفكير النمطية للطفل، بحيث يبدو له الأمر وكأن الأم والأب يمارسان الكذب المحرّم على الرغم من أنهما يحذران الأطفال منه طوال الوقت، ويحثانهم على قول الحقيقة مهما كانت الظروف، إضافة إلى أن بعض الآباء يلجؤون إلى إخفاء بعض المعلومات بصورة متعمدة للتنصل من المواقف المحرجة، وهذا يتسبب في تضليل الصغار بصورة أكبر.

يعتقد بعض الآباء بأن استخدام تقنية الكذب الأبيض مع أطفالهم في بعض المواقف، من شأنه أن يجعل حياتهم اليومية أكثر سهولة، إلا أن الأبحاث الأخيرة أثبتت قدرة هؤلاء الأطفال على كشف حقيقة الأمور واتهام آبائهم في بعض الأحيان بمحاولتهم حجب الحقائق عنهم بصورة متعمدة. ووجدت الدراسة التي أعدها معهد ماساتشوستس للتقنية الأميركي، أن الأطفال في هذه الحالة سيحاولون سد الثغرات في المعلومات التي حصلوا عليها بصورة قاصرة، بطريقتهم الخاصة.

ويمثل بناء الثقة في الآخرين، مرحلة مهمة وأساسية في حياة الطفل لأن الكثير مما نتعلمه من أشياء سواء أكانت حقائق أم أكاذيب، نأخذها عن الأشخاص المحيطين بنا. وأوضحت هايوون جويون، المشرفة على الدراسة التي نشرت في دورية “الإدراك”، وهي مجلة عالمية تعنى بمجموعة واسعة من المفاهيم التي تتعلق بعمليات الإدراك، أننا عندما نستقي معلومات من شخص ما فإننا لا نتعلم محتوى المعلومات فحسب بل سنتعرف على بعض صفات هذا الشخص أيضا، فإذا كانت هذه المعلومات حقيقية ودقيقة، فإن هذا الشخص سيكون موضع ثقتنا في المستقبل.

الطفل لا يفقد ثقته في الشخص الذي يخبره الأكاذيب بل يميل إلى عدم الثقة في الشخص الذي يخبره حقائق قاصرة

لكن، إذا تقدم هذا الشخص بمعلومات خاطئة أو حجب جزءا من الحقيقة، فإن الطفل يفقد ثقته به في المستقبل بل ويجعل الطفل يبحث عن (بقية الحقيقة) من مصادر أخرى قد لا تكون آمنة. وأكدت جويون على أن الطفل لا يفقد ثقته في الشخص الذي يخبره الأكاذيب، بل يميل خاصة إلى عدم الثقة في الشخص الذي يخبره حقائق قاصرة حيث يحجب عنه جزءاً منها، قد يراه أكثر أهمية مما عداه.

من جانبه، يرى الدكتور فريد كيزر، أستاذ الصحة الجنسية في جامعة نيويورك الأميركية، أن أسئلة الصغار تتدفق أحيانا مثل شلال ماء عشوائي لا يعتمد الدقة أو السياق المنطقي، خاصة تلك الأسئلة المتعلقة بالجنس الذي يمثل بالنسبة إليهم عالما غامضا، مما يجعل مهمة الأهل أو المربين صعبة للغاية، إذ لا يمكن للمرء أن يتوقع مدى كثافة وغرابة الأسئلة التي يمكن أن يطرحها هؤلاء الصغار والتي لا يمكن إيجاد أجوبة منطقية أو مناسبة لها في كثير من الأحيان. وهذا يخبر الآباء، بأن الأطفال يحتفظون داخل رؤوسهم الصغيرة بتساؤلات وشكوك عدة تتعلق بحياتهم الجنسية المستقبلية، وقد ترقى الشكوك أحيانا إلى مستوى المخاوف إذا لم يتم التعامل معها بجدية وحذر، كما يخبر بمدى حاجتهم إلى الآباء لمساعدتهم في وضع الأمور المبهمة في نصابها الصحيح، في مواجهة ما يتعرضون له من مؤثرات بيئية تتعلق بنمط حياة مجتمعاتهم سواء أكانت متطورة أم متخلفة. فكيف ينبغي، كآباء التعامل مع هذه المشكلة ومحاولة الإجابة عن أكبر عدد ممكن من الأسئلة، بتقديم معلومات صحيحة، مقنعة وكافية إلى حد ما؟.

ينصح الدكتور كيزر بضرورة أن يأخذ الأهل على عاتقهم توفير معلومات أولية للأطفال في ما يتعلق بالمواضيع الأساسية التي تتعلق بحياتهم الجنسية، قبل أن يتسنى لهم طرح أسئلتهم الخاصة، فهذا يجنب الطرفين الحرج، كما أنه يحد من عشوائية وتدفق التساؤلات غير المنطقية للطفل. ثم إن التعامل مع الأسئلة المطروحة أياً كانت غرابتها يتطلب الحذر من قبل المربين، فإذا كان السؤال محرجا فإن تجنب أو تجاهل الرد عليه أو حتى تقديم معلومات غير وافية وناقصة، قد يؤدي إلى حدوث فجوة بين الطرفين، كما أن الطفل سيتجه مباشرة إلى (انتزاع) الحقائق أو الإجابات من مصادر أخرى قد لا تكون آمنة، وهذا السلوك يؤثر سلبا في عملية التنشئة والتربية السليمة.

ويرى الدكتور كيزر أن عادة تجنب أو تجاهل الرد على الأسئلة المحرجة تقنية يتبناها العديد من الآباء للخروج من هذا المأزق، وهو ينصح باستخدام تقنيات بديلة عنها؛ مثلا أن تتم الإجابة عن أسئلة الأطفال بأسئلة مقابلة لها للتحقق من مدى وكثافة المعلومات التي يمتلكونها في هذا الجانب، لإضافة معلومات جديدة إليها أو لتصحيح الخطأ منها أو لتخفيف مستوى حدتها.

كما يتم التأكيد على الأبناء من كلا الجنسين، على ضرورة وضع ثقتهم الكاملة في الأم والأب في ما يتعلق بمناقشة الأمور التي تخص حياتهم عموما ومخاوفهم الجنسية والنفسية بصورة خاصة وعدم البحث عن الإجابات أو المعلومات من مصادر أخرى خارج إطار الأسرة، وفي هذه الحالات يتطلب بناء جسور الثقة الكثير من الصبر والشفافية من قبل الأهل، لعل أهمها توافر أجواء من المودة والحرية والثقة داخل المنزل، هذه الأجواء من شأنها أن تخلق بيئة آمنة للصغار للتعبير عن دواخلهم بصورة تلقائية دون حرج أو خوف من مغبة العقاب.

20