التونسيون يقاومون الشهيلي بفيسبوك

الشعب الذي كان "يمشي الحيط – الحيط" صارت السياسة تهمين عليه يتنفس سياسة ويأكل سياسة.
الأحد 2022/06/05
بانتظار مرسوم من الرئيس يقضي بتخفيض الحرارة

تلقي رياح الشهيلي الساخنة بثقلها على التونسيين، فيمضي أغلبه قيلولته هناك، والقيلولة قد تستمر لساعات خاصة أن الناس لا يميلون إلى العمل وبذل الجهد في أجواء الحرارة الشديدة، حيث تكثر النصائح والتحذيرات من ضربة الشمس و”البقلة”.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد، ومحدودية الإمكانيات خاصة في المناطق الداخلية الفقيرة، فإن الناس يهربون إلى منازلهم طلبا للظل، وخاصة الجلوس طويلا إلى هواتفهم، والاستغراق في العالم الجديد الذي بات قبلة للجميع ومصدر معلوماتهم ونقاشاتهم، إنه فيسبوك البيت الكبير الذي يسكنه أكثر من تسعين في المئة من التونسيين، أو هو حاكم الظل الذي يشكل الرأي العام في البلاد، ويعطي الأوامر.

يمكن لتسريب صغير صدر في سياق مزاح بين صديقين أن يتحول إلى ترند على فيسبوك، ولا أحد سيصدقك لو أنك قلت إن ما سمعتموه خبر مفتعل.. والناس تصدق كل شيء عن أيّ ميدان، فبعد ثورة 2011 الجميع صاروا محللين سياسيين، ومدربي كرة قدم ويد وسلة وتنس، وخبراء في الاقتصاد والعلاقات الخارجية، وصحافيين متخصصين في أسرار الفنانين والفنانات.

يمكن أن تجلس إلى هاتفك، الذي صار أكثر قربا منك من أيّ شخص في العائلة، لتعرف كل ما يجري في البلاد، خاصة إذا كانت لك قائمة متنوعة من الأصدقاء الافتراضيين، ولم تكن تريد أن تسمع وتقرأ ما تريده فقط.

هناك مزاح عن أن جهنم قد فتحت “طاقة” أو كوّة صغيرة على البلاد، مع أن الحرارة الشديدة في تونس ليست أكثر مما هي في الخليج أو العراق، وإن كان التونسيون يشتركون مع العراقيين في أزمة الكهرباء وصعوبة الحصول عليها.

ويلجأ الكثيرون إلى حكم وأمثال “الجريدية”، وهم سكان منطقة الجريد (جنوب غرب) ممّن عرفوا بقدرتهم على الإضحاك في منطقة لديها تاريخ في العلم والتسامح.

أحدهم يقول إنه ينتظر مرسوما من الرئيس قيس سعيد يقضي بتخفيض الحرارة فورا، في إشارة إلى مراسيم قيس سعيد ذات البعد السياسي والخاصة بالحوار الوطني وإعداد الدستور الجديد.

مع الإشارة إلى أن الشعب الذي كان “يمشي الحيط – الحيط” كناية على النأي بالنفس في مسائل السياسة، صارت السياسة تهمين عليه، يتنفس سياسة ويأكل سياسة.. الشيء بلغ حده فانقلب إلى ضده بسبب فائض الديمقراطية الذي حملته الثورة.. الثورة التي جلبت كثرة الكلام وقلة العمل، وصار الناس لا يعجبهم العجب ليس في رجب فقط بل في كل الأشهر.

كما أحيا فائض الحرية الذي جلبته مواقع التواصل المعارك العشائرية والقبلية، وأخرج صراعات الكرة من الدفاع الأعمى عن الفرق إلى خلق مناخ جديد قد يجعل من الكرة بوابة حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

20