التوثيق والحفظ والاستدعاء مثلث الذاكرة متساوي الأضلاع

تميل ذاكرة الإنسان إلى أن تكون كهفا عميقا من المكونات المعقدة والغامضة، وليست مجرد صندوق صغير لجمع الأحداث والذكريات السعيدة والحزينة، التي يمكن استدعاؤها بسهولة بمجرد فتح هذا الصندوق وفض رزم الحكايات البعيدة.
الذاكرة نظام بالغ التعقيد، وعندما يتعلق الأمر بالذاكرة بعيدة المدى فإن الأمر يتمثل بانسيابية عمل المكونات الرئيسة الثلاثة للذاكرة؛ التوثيق للمعلومات والتجارب الحياتية المختلفة، التخزين بصورة مناسبة، ثم الاستدعاء -فيما بعد- من مخزن الذاكرة بصورة صحيحة، حيث يتسبب الإخفاق في واحدة من هذه المراحل إحداث خلل أو ضعف في مستوى عمل الذاكرة.
من ناحية أخرى، يسبب ضعف الذاكرة نوعا من الإحباط، خاصة في ما يتعلق منها بنسيان تواريخ مهمة، أسماء، عناوين أرقام هواتف، أبيات شعر أحببناها، مشاهد سينما أثرت فينا أو أمور وجب إنجازها في أوقات محددة، إلا أن بعض حالات ضعف الذاكرة قد تتسبب في حدوث كوارث مثل ترك الطعام على الموقد ومغادرة المنزل لساعات طويلة.
من وجهة نظر باحثين في علم النفس، فإن ضعف الذاكرة لا يعود إلى سبب محدد، عدا بعض نتائج الدراسات التي ربطت بين تناول الكحول وبعض أنواع العقاقير وتراجع مستوى الذاكرة، إضافة إلى بعض الأمراض المتعلقة بالشيخوخة مثل الزهايمر، فضلا عن وجود التهابات ومواطن خلل في النواقل العصبية وحدوث الصدمات الموضعية والنفسية وربما التقدم في السن، إلا أن نسبة كبيرة ممن يقعون ضحية لضعف ذاكرتهم لا يتناولون الكحول أو العقاقير وبعضهم أيضا من صغار السن.
39 بالمئة من الأشخاص المصابين بضعف الذاكرة هم مرشحون للإصابة بالسكتة الدماغية
وتـؤكد دايانا روبرتس ستولر اختصاصية في الطب النفسي-العصبي، في مقالها الأخير في مجلة “علم النفس” الأميركية، بأن أغلب المشاكل المتعلقة بالذاكرة لا تمت لعمر الإنسان بصلة.
وتشير إلى أهمية مرحلة التوثيق حصرا في تخزين الذكريات باعتبارها الأساس الذي تقوم عليه عملية الاستدعاء، حيث يلعب الانتباه دورا حاسما في ذلك.
وتمثل هذه الإشكالية المسبب الرئيسي في إخفاق بعض التلاميذ في الامتحانات، بسبب تشتيت انتباههم أثناء مراجعة دروسهم وعدم تركيزهم في الصف، حيث تتصف إجاباتهم بالقصور وغياب المنطق.
وينطبق هذا الأمر على طريقة تخزين المعلومات البسيطة كأرقام الهواتف والعناوين وأسماء الأشخاص في الجزء الخاص بالذاكرة قصيرة المدى، حيث تضيع المعلومات بسهولة بسبب عدم التركيز.
من جانب آخر، يعاني البعض قصورا في الذاكرة بسبب سوء التخزين حيث يتم التعرض لمجموعة مختلفة من المعلومات المتباينة في نفس الوقت، ما يتسبب في إرباك عملية التخزين فتتراكم المعلومات بصورة عشوائية وغير منظمة.
ويتضح ذلك من خلال محاولة البعض توزيع التركيز على أكثر من مصدر واحد؛ كقراءة كتاب والاستماع إلى الموسيقى في وقت واحد.
وفي دراسة حديثة ربطت بين ضعف الذاكرة والتحصيل الدراسي، حذر باحثون من أن الأفراد الذين يتمتعون بمستوى تعليمي عال، أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالسكتة الدماغية، كما رجحوا أن 39 بالمئة من الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الذاكرة، إضافة إلى مستواهم الدراسي الرفيع، مرشحون للإصابة بالسكتة الدماغية أكثر مقارنة بالآخرين الأقل حظا من التعليم.
ويرى الأطباء أن هذه النتائج من شأنها أن تسهل فرز المرضى الذين يعانون من تغييرات أو تراجعات في مستوى ذاكرتهم، ومحاولة الحد من تعرضهم إلى السكتة.
وشارك في الدراسة التي نظمتها جامعة إيراسموس الهولندية، أكثر من 9000 من البالغين الذين تجاوزت أعمارهم 55 عاما فما فوق على مدى ثلاث سنوات.
نسبة كبيرة ممن يقعون ضحية لضعف ذاكرتهم لا يتناولون الكحول أو العقاقير وبعضهم أيضا من صغار السن
وكان البحث أجرى مقارنة بين ثلاثة مستويات من التعليم البسيط والمتوسط والعالي، مع مسح شامل لتراجع مستويات الذاكرة للأشخاص الذين ينتمون للمجموعات الثلاث؛ حيث ثبت بأن الصلة كانت أقوى مع أصحاب التعليم العالي الذين يعانون من ضعف في الذاكرة مع احتمال حدوث السكتة الدماغية، مقارنة بالمجموعات الثانية الأقل تعليما.
وفي المملكة المتحدة، تكشف السجلات الطبية عن قرابة 152 ألف حالة إصابة بالسكتة الدماغية يرجع معظمها، إلى انسداد الشرايين التي تغذي الدماغ، كما أن هنالك أكثر من مليون شخص في بريطانيا يعانون من آثار لسكتات دماغية سابقة.
وأشار عرفان أكرم؛ أستاذ مشارك في علم الأوبئة العصبية في جامعة إيراسموس روتردام في هولندا، إلى أن انسداد الشريان يمكن أن يؤدي إلى السكتات الدماغية ومشكلات الذاكرة في آن واحد، بما في ذلك الخرف.
ولفت أكرم إلى أن الأبحاث أثبتت أن السكتة الدماغية تتسبب في مشاكل في الذاكرة، ولهذا هنالك إمكانية لطرح السؤال بصورة مغايرة وهو هل تضاعف مشاكل الذاكرة احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية؟