التنمر والتحرش في الكوميديا العربية.. حدّث ولا حرج

الأعمال الكوميدية العربية في أغلبها مبنية على السخرية من الهيئات واللهجات والإعاقات قبل المواقف والسلوكيات، ما يجعل منها حقلا للتنمر الذي ترفضه كل الهيئات الحقوقية والإنسانية. ومازالت هذه الظاهرة مستمرة ومكرسة بسبب غياب الوعي الاجتماعي.
يعجب المرء من كيفية بث وتمرير أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية تحط من شأن المرأة بالتحرش والتعرض لجسدها بالحركة أو الإشارة أو التعليق بقصد استجداء الضحك الرخيص.
والغريب أن هؤلاء الذين يسمونهم بـ”الكوميديين” هم في غالبيتهم “نجوم شباك” يجنون الشهرة والأموال، لهم معجبون يلتقطون معهم الصور، وأشباه نقاد يروجون لأعمالهم وينعتونهم بالفنانين.
أما الأدهى والأمر من كل ذلك أنّ “إناثا” كثيرات يعجبن بهؤلاء “الظرفاء” ويتمنين العمل معهم كممثلات، دون أن يتحرك لديهنّ أدنى إحساس بالإهانة والحط من مشاعرهنّ البشرية.
هذا ناهيك عن باقي أشكال التعرّض لذوي الاحتياجات الخاصة والحالات الإنسانية المختلفة باسم الكوميديا التي ضاع مفهومها الحقيقي وسط زحام الضحك الأبله في ما يشبه المؤامرة من جميع الأطراف، بمن فيهم المتفرّج والمسوق لهذه الأعمال المخلة بالقيم الإنسانية وتدينها وتمنعها كل الأعراف والقوانين في العالم المتقدّم.
سلوك مدان

☚ فيلم "التجربة الدنماركية" لعادل إمام لم يخل من التنمر والسخرية من الشاب {بهاء} ضعيف البنية والتلميح إلى كونه مخنثا
تمادى هؤلاء في غيهم ضمن ما بات يعرف بموجة السينما الشبابية، ووصل بهم الأمر إلى استخدام الأطفال والرضع والمسنين كمادة للتفكّه واستدرار الضحك، بالإضافة إلى السخرية من الفقراء وتعنيف الحيوانات والترويج للمنحرفين سلوكيا كمغتصبي الأطفال ومتعاطي المخدرات عبر تقديمهم كأناس ظرفاء وحاضري النكتة والبداهة.
تضاف إلى هذا السخرية من اللهجات والعادات وتقاليد الشعوب، وحتى التعرّض للمعتقدات والضحك من ملامح وسحنات بعض الأعراق.
يحدث كل هذا أمام صمت الجهات الحقوقية وتواطؤ السلطات الرقابية التي لا تهتمّ إلاّ بما تراه محظورا سياسيا ودينيا، وتترك الحبل على الغارب في ما يخص أخطر أشكال العنصرية والتمييز والتنمر.
بلغ الأمر بهؤلاء “الكوميديين الظرفاء” إلى حد أن شابين في أحد الأفلام يتناوبان على الاختلاء بامرأة معها رضيعها الذي يعنفانه أثناء تغيير “الكوش” ويسخران من شكله البدين.. هل هناك أحطّ من هذا المشهد الذي يراد منه الإضحاك وليس الإدانة والتشهير.
هل ما زال يجهل منتجو مثل هذه الأعمال المشينة أن هذا التنمر مدان في كل أنحاء العالم أم أن “المعلومة” لم تصلهم بعد؟
صحيح أن المصطلح بدا حديثا نسبيا على مستوى اللغة على الأقل، لكنه ليس مستجدا على أعرافنا وأخلاقياتنا بصفة عامة لما له من آثار سلبية مدمرة على الفرد والمجتمع. بدا مصطلح “تنمر” حديثا في البلاد العربية، على الرغم من الاعتراف به عالميا منذ خمس وعشرين عاما، على يد دان ألويس الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس وبيئة العمل، ومع ذلك لم ينتشر بين العامة إلاّ مؤخرا بفضل وسائل الإعلام العالمية ومنظمة اليونيسيف.
التنمر في السينما العالمية كان موضوعا خصبا للكثير من الأفلام، لكنه بدأ يختفي بفضل حملات التوعية والتحسيس التي تقوم بها جهات حقوقية وإنسانية، عمّمت العديد من اللوائح على المهرجانات السينمائية والمسرحية، وأوجدت لها مراقبين يتولون فضح وإدانة الأعمال التي تسوّق للتنمر والتحرش.
وقد شهدت الساحات الفنية والعروض الفرجوية في البلاد الأوروبية والأميركية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي أعمالا تعتمد التحرش والتنمر أسلوبا لجلب جمهور المشاهدين، لكنها سرعان ما بدأت تتراجع وتختفي بفضل تطوّر المنظومة الحقوقية وتنامي الوعي بضرورة احترام كل فئات وشرائح المجتمع وثقافات جميع الشعوب.
أما على مستوى السينما العربية فلا يكاد يخلو عمل واحد من مشهد يندرج ضمن التنمر، خاصة تلك الأعمال المحسوبة على الكوميديا وتريد العزف على هذا الوتر الكامن أصلا في نفوس الأفراد والمجتمعات العربية ضمن ثقافة لا تخلو من عنصرية وتمايز سواء كان ذلك عن قصد أو عن جهل.
آثار سلبية

كوميديا مبنية على المظاهر دون المواقف
الغريب أنه حتى الذين أرادوا الردّ على التنمر قد سقطوا في نفس ما ارتكبوه مثل عادل إمام ومحمد صبحي وسمير غانم من جيل السبعينات والثمانينات، وكذلك أحمد حلمي ورامز جلال ومحمد هنيدي من الجيل الحالي.
ورصدت الكاتبة شيماء العيسوي أعمالا لمحمد صبحي فيها الكثير من التنمر، سواء على الجسد الممتلئ “الكيرفي” أو طول القامة والأنف الكبير مثل مشاهد مسرحية “تخاريف” و”الجوكر”.
وكذلك عادل إمام ذو الشهرة الأكبر ونجم الشباك الأول شملت بعض أعماله تنمرا وسخرية من الآخرين في سبيل الضحك، فمثلا في فيلم “البحث عن فضيحة” استهدف التنمر نموذج الصعايدة والفتاة الصعيدية، وفي فيلم “التجربة الدنماركية” هناك سخرية من الشاب “بهاء” (خالد شبل) ضعيف البنية وتلميح إلى كونه مخنثا.
وفي فيلم “حسن ومرقص” وقع التنمر على “جانيت” (وفاء السيد)، و”أمورة جانيت” يستخدم حتى الآن للتنمر على شكل أي بنت لا تناسب معايير الجمال الوهمية، كما تم استخدام الممثلة ذاتها كمادة للتنمر في فيلم آخر وهو “خالتي فرنسا” لتلعب دور “سفاجه” الفتاة القبيحة التي يتمّ التنمر عليها من أبطال الفيلم كله تقريبا.
السلطات الرقابية لا تهتمّ إلاّ بما تراه محظورا سياسيا ودينيا، ولا تعنيها أشكال العنصرية والتمييز والتنمر
وكذلك وقع التنمر على الممثلة حنان الطويل، في الأعمال التي شاركت بها سواء على هيئتها الجسمية أو صوتها الذكوري وشعرها المجعد. وتوفيت حنان في 2004 عن عمر يناهز ثمانية وثلاثين عاما، أو بالأحرى انتحرت.
أما فريق عمل “مسرح مصر” لأشرف عبدالباقي فتقوم كل مسرحياته على التنمر بشكل أساسي سواء على الفنانة “ويزو” المصابة بالسمنة المفرطة أو على حمدي الميرغني بسبب بشرته السمراء وأسنانه المكسورة.
وانتشر لدى المدونين مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي “تريند” مسيء للمرأة مبني على الهرمونات المتغيرة المصاحبة للدورة الشهرية، بدعوى أنها هي السبب في اضطرابات التفكير والقرارات عند الإناث.
كانت هذه بعض الأعمال التي اختيرت من مصر على سبيل الحصر، وذلك لمكانتها الكبيرة والرائدة في العالم العربي، أما في البلاد العربية الأخرى فالأمر لا يختلف كثيرا عن الشقيقة الكبرى وإن كان هناك بعض التفاوت بحسب صرامة القوانين الزاجرة والوعي الاجتماعي.