التلفزيون الحكومي: انتهت المهمة شكرا

شاهدت أحد المؤثرين على مواقع التواصل يقول إن قناته في يوتيوب حين البث المباشر تجذب مشاهدين أكثر من فضائيتين تونسيتين في نفس الوقت، وهي إشارة إلى أن الجمهور في أغلبه بات مقبلا على مواقع التواصل أكثر من الوسائط التقليدية وخاصة التلفزيون.
وبالمناسبة حين يعمل أيّ منا جولة على بعض الفضائيات الحكومية العربية سيجد أنها باتت مهملة ليس فقط من الجمهور، ولكن أيضا وهذا المهم من مموليها الذين يعرفون أن ضخ الأموال عليها خسارة مضاعفة، فلا هي تشد الجمهور ولا هي تجلب الإعلانات، وهي إلى ذلك باتت عاجزة عن التطوير والمنافسة.
حين تفتح التلفزيون الحكومي التونسي، على سبيل المثال، صباحا تجد برامج معادة عن الآثار والطيور وأيّ حاجة المهم تملأ الوقت، ثم في النهار، لا تجد فيه غير نشرات الأخبار والمسلسلات المعادة والمكررة لعشرين مرة أو أكثر. ولاعتبارات تتعلق بالتقشف حرم هذا التلفزيون نفسه من جمهور الكرة الذي بات يتابع المقابلات إما على قناة قطرية مفتوحة أو على النت. وكانت مقابلات كرة القدم وبرامج الرياضة تجلب الإعلانات كأفضل برامج في التلفزيون.
وبعد توقف البرامج الحوارية حول المسائل السياسية لم تعد تقريبا توجه برامج مباشرة تجلب الجمهور. ولم يبق من أوفياء سوى بعض الكهول وكبار السن الذين يتعلقون ببعض المسلسلات القديمة التي عرفت عزها في سنوات ما قبل الثورة وما قبل اجتياح الوسائط الجديدة للعالم واختطاف الجمهور الشبابي.
ولا يفهم هذا التوجه الحكومي الهادف إلى تقليص التمويل عن التلفزيون سوى كاعتراف بأن دوره انتهى ولا داعي لضخ المزيد من الأموال فيه، وأن بقاءه هو أقرب إلى الحنين إلى الماضي والاحتفاظ به كتراث كونه إحدى علامات الهوية المحلية، شأنه شأن المتاحف والمسارح القديمة وأضرحة الأولياء الصالحين من الصوفيين مثل سيدي بلحسن الشاذلي أو أبي سعيد الباجي.
وفضلا عن هذا البعد الذي يجعل التلفزيون بمثابة العبء الكبير، تجد الحكومة نفسها مجبرة على إدارة إرث أكبر، حيث عمدت الحكومات السابقة منذ ثمانيات القرن الماضي إلى إغراق هذا التلفزيون بالمعارف والأحباب والموالين، ما جعل أعداد الموظفين يفوق أطقم كل القنوات الخاصة في تونس، فضلا عن عبء موظفي الإذاعات الحكومية.
والمفارقة هنا أن المسؤولين في الحكومة والسياسيون حين يريدون تبليغ رسائل أو الظهور في حوار مباشر يلجؤون إلى القنوات الخاصة، التي صنعت شعبيتها بسبب برود التلفزيون الحكومي وجمود برامجه وخاصة بسبب الحسابات السياسية، فلا أحد يريد أن يزعج الحكومة أو يربكها أو يسبب لها الإحراج، وهي راضية بهذا الإعلام الذين يكون مضمونا وخاصة بعد أن وضعته في الجيب.