التقنية تنتشر في المدن.. وكذلك قرصنة المعلومات

التكنولوجيا التي تساعد المدن على خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الخدمات، يمكن أن تؤدي مع زيادة الترابط بين الخدمات إلى انتهاك الخصوصية وحتى تعريض السكان إلى الخطر، وفق المركز القومي البريطاني للأمن السيبراني الذي حث الحكومات على تسليح المدن بالدفاعات الرقمية.
لندن - حذّرت الوكالة البريطانية للأمن السيبراني من أن المدن التي تتبنى التكنولوجيا لتحسين الحياة الحضرية تتعرض لخطر الوقوع فريسة للقراصنة، وحثّت السلطات المحلية على ضمان تسليح المدن الذكية بالدفاعات الرقمية.
وقال المركز القومي البريطاني للأمن السيبراني إن المجرمين والحكومات الأجنبية يمكن أن يستهدفوا التقنيات التي نُشرت لتحسين خدمات المدينة مثل أجهزة الاستشعار والأجهزة المتصلة بالإنترنت لسرقة البيانات الحساسة وإحداث اضطراب.
انتهاكات للخصوصية

جيريمي فليمنغ: الغرب يواجه وقفة مع الذات في معركة حول القيم التكنولوجية
ذكر وزير البنية التحتية الرقمية مات وارمان في بيان “ستعمل التكنولوجيا الرقمية الجديدة على تحسين حياتنا والمساعدة في حماية البيئة، لكن من الضروري أن نتخذ خطوات الآن لجعل النقاط المتصلة أكثر مقاومة للهجمات السيبرانية”.
من المستشعرات التي ترصد التلوث إلى إشارات المرور المصممة لخفض الازدحام، يمكن للتكنولوجيا أن تساعد المدن على خفض الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري وتحسين كفاءة الخدمات، كما قال المركز القومي للأمن السيبراني، حيث نشر إرشادات جديدة للسلطات المحلية.
ولكن، وكما أكّد المركز الذي يعدّ ذراع الأمن التكنولوجي لمركز الاتصالات الحكومية البريطانية، تزداد المخاطر مع زيادة الترابط بين الخدمات. وحذر من أن الإخفاقات قد تؤدي إلى “انتهاكات للخصوصية” وحتى “تعريض السكان للخطر”.
قال ألكسندر هيكس، الباحث في علوم الكمبيوتر في كلية لندن الجامعية “كلما أصبحت المدن أكثر ذكاءً، كلما أصبحت هدفاً أكثر أهمّية لأن المزيد من البيانات ستكون متاحة ويمكن أن تحدث المزيد من الاضطراب”.
الراحة التي توفرها المدن الذكية لقاطنيها لها ثمن وفق مارياروزاريا تاديو، باحثة في “معهد أكسفورد للإنترنت” ونائبة مدير “مختبر الأخلاقيات الرقمية” التي تؤكد أنه “كلما زاد عدد المدن الذكية.. كانت مساحة الهجوم أوسع”.
وعبرت تاديو عن قلقها من تأثيرات الشبكات المعقدة في الأمن السيبراني؛ “مع كل اتصال إضافي، يصبح من الصعب معرفة مكان ظهور ثغرة أمنية”.
“يتحدث نيست الخاص بك إلى أليكسا، وتخبر أليكسا ثلاجتك بما يلزم شراؤه في الأسبوع المقبل – عندما يحدث خطأ ما، كيف يمكننا تحديد الاتصال والمسؤولية”؟
الذكاء الاصطناعي هو جزء أساسي من التطور المستقبلي للأمن السيبراني، كما تقول تاديو. لكن هذه التكنولوجيا سلاح ذو حدين “في حين يستخدم خبراء الأمن التطورات في هذا المجال للتعرف على التهديدات والرد عليها بسرعة أكبر، يستخدم القراصنة التكنولوجيا نفسها للعثور على نقاط الضعف”.
نوايا خبيثة
في المدن الذكية، يكون نطاق التخريب هائلا. مثلا، يمكن أن “يستولي القراصنة على الذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في البنية التحتية المهمة، ما يضع إمدادات المياه أو الكهرباء في أيدي أطراف ذات نوايا خبيثة”.
لتوضيح المخاطر، استشهد إيان ليفي، المدير الفني بالمركز القومي للأمن السيبراني، بفيلم “المهمة الإيطالية” من سنة 1969، حيث تلاعب أستاذ بأشرطة التخزين المغناطيسية، مما سمح للصوص بالهروب بكمية من الذهب.
كتب ليفي في إحدى المدونات “إنّ هجوما مشابها على مدينة القرن الحادي والعشرين ستكون له آثار كارثية على الأشخاص الذين يعيشون ويعملون هناك، ولن يحتاج المجرمون على الأرجح إلى الوصول المادي إلى نظام التحكم للقيام بذلك”.
وتابع “هذه البيئات المترابطة بدأت تظهر مؤخراً في المملكة المتحدة، وحان الوقت الآن للتأكد من أننا نصممها ونبنيها بشكل سليم”.
وتعطي الإرشادات الجديدة نصائح للسلطات المحلية بشأن طريقة تصميم وإدارة أنظمتها لحماية البيانات والتأكد من قدرتها على المقاومة.
ووجه وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب تحذيراً لروسيا بخصوص استضافتها لضالعين في هجمات إلكترونية مقابل فدية.

بعض الدول قد تسعى للحصول على معلومات تجارية وشخصية حساسة من دول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة
وقال راب “لا يمكن لروسيا أن تنفض يديها وتكتفي بالقول بأن لا علاقة لها بالموضوع، فحتى إذا لم تكن للدولة علاقة مباشرة بالأمر فمن واجبها مقاضاة هؤلاء الأشخاص والعصابات”.
وكشف أن هذه الهجمات الإلكترونية عطلت عودة الطلاب إلى الدراسة في مارس في 80 مدرسة وجامعة بريطانية.
وكان راب يتحدث في مؤتمر بالمركز الوطني للأمن الإلكتروني.
وقال إن هناك صراعاً بين الدول الاستبدادية والدول الديمقراطية على الإنترنت، تستعمل فيه الهجمات الإلكترونية الخبيثة بشكل واسع.
وتعد تحديثات البرامج إحدى طرق تصحيح الثغرات التي قد يستغلها المتسللون، ولا يتخيل المستهلكون في الكثير من الأحيان أن أجهزة تكييف المكاتب يمكن استخدامها للتسلل لشبكة الطاقة.
ويقول جيمس وود مستشار إدارة حلول الإنترنت “إن إحدى القضايا الرئيسية هي أن الأجهزة المتصلة تعمل في فقاعة عالمية”. بمجرد الاتصال بالإنترنت، يمكن أن يؤدي وجود خلل أمني في أحد الأجهزة إلى تهديد جهاز آخر أفضل أمانًا في شبكته.
سيتعين على الحكومات وضع لوائح الأمن السيبراني، بما في ذلك كيفية تصميم الأمن وصيانته في الأجهزة المتصلة التي ستنتشر في جميع أنحاء المباني المستقبلية، من الإضاءة الذكية إلى أنظمة الأبواب المتصلة بالشبكة.
بالنسبة إلى المنظمات المكلفة بتنفيذ التكنولوجيا الذكية في الأماكن السكنية والتجارية والعامة، يجب أن يكون الأمن الرقمي جزءًا من مرحلة التصميم والتخطيط، بما في ذلك كيفية تنفيذ المشغلين لهذه الأماكن الذكية والحفاظ عليها بشكل آمن.
معركة حول القيم

دومينيك راب: هناك صراع بين الدول الاستبدادية والدول الديمقراطية على الإنترنت
لقد عانت بعض المدن في جميع أنحاء العالم بالفعل من الاختراقات المعطلة.
في سبتمبر الماضي، فتحت النيابة العامة الألمانية تحقيقا في جريمة قتل بعد وفاة امرأة كان لا بد من تحويل مسار سيارة الإسعاف التي كانت تقلّها لأن المستشفى الأول الذي وصلت إليه في دوسلدورف لم يتمكن من استقبالها بسبب هجوم إلكتروني.
وفي 2019، أغلق قراصنة يطالبون بفدية الشبكة الإلكترونية لمجلس مدينة جوهانسبرغ، بعد أشهر من ضرب شركة توزيع الطاقة في المدينة في جنوب أفريقيا، في هجوم ترك المستهلكين يجاهدون للوصول إلى عدد من الخدمات.
قال إنريكو ماريكونتي المحاضر في علوم الأمن والجريمة في كلية لندن الجامعية إن مثل هذه الحوادث الأخيرة كانت بمثابة دعوة إلى اليقظة للشركات والسلطات التي غالبا ما أعطت الأولوية لتطوير خدمات تقنية جديدة على حساب الأمن.
وقال لرويترز في مقابلة عبر الإنترنت “لفترة طويلة جدا، كان الأمن هو الجزء المزعج عند إنشاء منتج. ما نراه الآن هو أنه مع تزايد شيوع الخروقات، فإن تكلفة تصميم شيء أكثر أمانا من البداية تعد أقل بكثير من تكلفة التعرض للضرب مرة واحدة فقط”.
وتتصدر الصين عمليات تطوير تكنولوجيا المدن الذكية، وتجربها داخل حدودها، لكنها تصدر المعدات إلى دول أخرى.
كما تحذر التعليمات من أن “بعض الدول قد تسعى للحصول على معلومات تجارية وشخصية حساسة من دول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة”.
“وقد يحاولون السعي وراء إمكانية إحداث اضطراب في خدمات الدول الأخرى”.
“ومقدمو الخدمات الذين هم جزء من مجموعات تجارية مقراتها في دول أخرى قد يكونون عرضة للضغط من حكومات دولهم، بهدف الوصول إلى البيانات وجمعها من أماكن في المملكة المتحدة. وذلك كله لدعم الأجهزة الأمنية والمخابراتية لهذه الدول”.
“وقد يكون مقدمو الخدمات كذلك رأس حربة في محاولة تعطيل خدمات أساسية”.
وكان رئيس مكاتب الاتصال الحكومية في بريطانيا جيريمي فليمنغ قد أشار الشهر الماضي إلى هذه المخاطر، قائلا إن الغرب يواجه لحظة الوقوف مع الذات في ما يتعلق بالصين، والمعركة حول القيم التي يجب أن تتحكم في التكنولوجيا.
وقال لـ”بي.بي.سي” إنه “إذا فقدنا السيطرة على التكنولوجيا، وإذا لم نفهم الأمن المطلوب لتطبيقها بفعالية، سينتهي الأمر بنا أن نعيش في بيئة أو نظام تكنولوجي تستخدم فيه البيانات لتتبعنا، وليس فقط لتسيير حركة المرور”.
