التعلّم العميق.. تقنية العقد القادم

التعلم العميق يسمح للآلات بحل المشكلات المعقدة حتى عند استخدام مجموعة بيانات شديدة التنوع وغير منظمة، وكلما تعلمت الخوارزميات أكثر كان أداؤها أفضل.
الجمعة 2020/03/20
نتفليكس تضع العالم بين يديك

لندن – الآلة تتعلم، حقيقة بات يعرفها الجميع بعد أن كثر الحديث عن الذكاء الاصطناعي واستخداماته في تعليم الروبوتات القيام بمهام محددة، يقوم بها البشر عادة، سواء داخل منازلهم أو في أماكن العمل وفي الأسواق والشارع.

كيف تتعلم الآلة، وما هو التعلم العميق، الذي يتحدث عنه الجميع؟ أفضل طريقة للإجابة على السؤال هي تقديم أمثلة عملية تبسط الموضوع قدر الإمكان.

الآلات، مثلها مثل الأدوات، مصممة للقيام بعمل وتأدية وظيفة محددة، كانت حتى وقت قريب وظيفة ميكانيكية بحتة، لا تحتاج إلى تفكير أو تخطيط. الآن اختلف الأمر، أصبح بالإمكان توظيف الذكاء الاصطناعي لتعليم الآلات القيام بمهام تتطلب ذكاء بشريا، هذه المهمة التي نطلق عليها اسم التعليم الآلي.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، اليوم بات بمقدور الآلة أن تتعلم من خلال الخبرة واكتساب المهارات دون تدخل من قبل البشر، وهو ما بات يعرف بالتعلم العميق، أو يشار إليه على أنه مجموعة فرعية من التعلم الآلي، حيث تتعلم الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي الخوارزميات المستوحاة من تركيب الدماغ البشري نفسه، من خلال التعامل مع كمية كبيرة من البيانات.

هل تساءلت يوما كيف تختار "نتفليكس" ما تريد مشاهدته وكيف يحدد موقع أمازون ما تريد شراءه.. كل ذلك متاح بفضل خوارزميات التعلم العميق

وبطريقة مماثلة لكيفية تعلم البشر من التجربة، تؤدي خوارزمية التعلم العميق نفس المهمة بشكل متكرر، في كل مرة يتم تعديل الأداء قليلا لتحسين النتيجة. واختار العلماء استخدام تعبير

“التعلم العميق” لاحتواء الشبكات العصبية على طبقات عميقة متعددة تمكن التعلّم؛ كل مشكلة يتطلب أداؤها “التفكير”، هي مشكلة يمكن بواسطة التعلم العميق أن تتعلم الآلة حلها.

كمية البيانات التي ينتجها العالم يوميا مذهلة، تقدر حاليا بنحو 2.6 مليار بايت، هذه الزيادة في إنتاج البيانات هي أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة قدرات التعلم العميق في السنوات الأخيرة، نظرا لأن خوارزميات التعلم العميق تتطلب الكثير من البيانات للتعلم منها، مستفيدة من تنامي قوة الحوسبة.

ويسمح التعلم العميق للآلات بحل المشكلات المعقدة، حتى عند استخدام مجموعة بيانات شديدة التنوع وغير منظمة، وكلما تعلمت الخوارزميات أكثر، كان أداؤها أفضل.

في ما يلي بعض المهام التي يدعمها التعلم العميق اليوم، مع العلم أن القائمة آخذة بالنمو، حيث تستمر الخوارزميات في التعلم من خلال ضخ المزيد من البيانات.

أشهر الأمثلة هو المساعد الافتراضي، ونعرف منها، ليكسا، وسيري، وكوريتانا، وكلها تقدم لمزودي الخدمات عبر الإنترنت، إمكانية التعلم العميق لفهم الكلام واللغة، التي يستخدمها البشر، وتتطور مع استمرارية الاستخدام.

الترجمة، مجال آخر يستخدم فيه التعلم العميق، خاصة في قدرة الخوارزميات على التنقل بين اللغات، الأمر الذي يسهل تقديم المساعدة الفورية للمسافرين ورجال الأعمال، وحتى الحكومات.

التعرف على الوجوه أصبح سهلا
التعرف على الوجوه أصبح سهلا

القيادة الذاتية، وتوصيل الشحنات دون الاستعانة بالسائق، بالإضافة إلى الدرونز وما فتحه ذلك من تسهيلات أمام الشركات، يعود الفضل فيه إلى التعليم العميق، حيث تفهم السيارة جغرافية الطريق، وكيفية التفاعل مع علامات القيادة والعقبات التي قد تبرز فجأة،

وكلما زادت البيانات التي تتلقاها الخوارزميات، كان بالإمكان التصرف بشكل أفضل حتى في ظرف يغطي فيه الثلج علامة التوقف، يمكن عن طريق التعلّم العميق تمييز الإشارة.

مجال آخر يوظف فيه التعلّم العميق هو منصات الدردشة والاستفسار التي توفر للزبائن استجابة ذكية ومفيدة حول الأسئلة السمعية والنصية.

لا يقتصر الأمر على اللغة، بل وظف التعلّم العميق في المجال البصري، وأصبح اليوم بالإمكان تحويل صور بالأبيض والأسود إلى صور ملونة وهي مهمة كان تنفيذها يدويا يتطلب جهدا ووقتا كبيرين، وطبق ذلك أيضا على الأشرطة السينمائية القديمة، وكانت النتائج مذهلة ودقيقة.

بالطريقة نفسها يتم استخدام التعلّم العميق للتعرف على الوجوه، ليس فقط للأغراض الأمنية، فقد نتمكن من دفع ثمن مشترياتنا في المتجر فقط باستخدام وجوهنا في المستقبل القريب، والتحدي الذي يواجه خوارزميات التعلّم العميق للتعرف على الوجه، هو معرفة الشخص حتى عندما يغير تسريحة الشعر، أو يطلق لحيته، أو يحلقها، أو إذا كانت الصورة التي تم التقاطها سيئة بسبب الإضاءة أو عائق ما.

ويحظى التعلّم العميق باهتمام متنام من قبل شركات الأدوية ومستحضرات التجميل، بما في ذلك تشخيص الأمراض، إلى وصف الأدوية المناسبة للأعراض.

هل تساءلت يوما كيف تختار “نتفليكس” ما تريد مشاهدته أو الاستماع إليها، أو كيف يحدد موقع أمازون ما تريد شراءه؟ نعم.. كل ذلك متاح بفضل خوارزميات التعلّم العميق.

هل من شك بعد ذلك في أن التعلم العميق هو تقنية العقد القادم؟

12