التعدي على الحقوق الأدبية للكتّاب يُربك الدراما المصرية

انتشار المنصات الرقمية يسهم في زيادة الطلب على الدراما الاستثنائية.
الأربعاء 2021/03/10
مسلسل "ليه لأ" من التلفزيون إلى أروقة المحاكم المصرية

باتت ظاهرة الاعتداء على أفكار الكتاب دراميا تتنامى بشكل متسارع في الآونة الأخيرة وسط تعطّش سوق الدراما المصرية لقصص جديدة جذابة وغير تقليدية، وهو ما حصل مع الروائية المصرية سمر نور التي اتهمت فيها السيناريست مريم ناعوم باقتباس الفكرة الرئيسية لمسلسل “ليه لأ” من رواية لها حملت عنوان “الست”، كما شهد القطاع سرقات متعدّدة تولى القضاء البتّ في بعضها وأخرى لا تزال بين أروقة المحاكم.

القاهرة - باتت أروقة المحاكم المصرية ساحات لحروب جديدة اندلعت في أوساط المبدعين بسبب تنامي ظاهرة اقتباس أفكار السيناريو في بعض الأعمال الدرامية الحديثة من روايات معروفة في الأسواق.

وأدّى دخول بعض الأدباء مجال الدراما مباشرة عن طريق ما يعرف بورش كتابة السيناريو إلى نمو الاحتكاك بين العالمين الثقافي والفني، وتعرف كل منهما على مزايا الآخر، وصار كل طرف شغوفا بالسعي للتلاقي مع الآخر.

لكن ذلك ولّد في الوقت ذاته خلافات وصراعات شرسة وصلت في بعض الأحيان إلى حد رفع دعاوى قضائية، واتهام شركات إنتاج فني كبيرة بسرقة إبداعات مكتوبة أو اقتباس أفكار وشخصيات رئيسية من كتاب معروفين.

وشهدت نقابة السينمائيين بمصر قبل أيام جدلا ساخنا بشأن شكوى رسمية قدّمتها الروائية المصرية سمر نور اتهمت فيها السيناريست مريم ناعوم باقتباس الفكرة الرئيسية لمسلسل “ليه لأ” الذي أنتجته شركة “إيه برودكشن” العام الماضي بطولة أمينة خليل، وإخراج مريم أبوعوف، من رواية لها حملت عنوان “الست” وصدرت عن دار العين منذ حوالي عامين.

والمسلسل من تأليف ورشة سرد تحت إشراف السيناريست مريم نعوم، ‏سيناريو وحوار دينا نجم ومجدي أمين.

وتدور القصة حول فتاة تقليدية في محيط شرقي تقرّر فجأة الاستقلال بذاتها والعيش بمفردها، وتنسحب تدريجيا من المحيط العائلي المعتاد لتستمتع بالاستقلال التام الذي يحمل جانبا سلبيا ترتضيه في سبيل إقرارها لتفاصيل حياتها منفردة بعيدا عن باقي أفراد عائلتها.

وذكرت الشاكية أنها عرضت الفكرة الرئيسية على ورشة سيناريو معروفة، تُشرف عليها كاتبة المسلسل التي أعجبت بالفكرة، لكن لم يتسن تنفيذها بدعوى أنها غير معروفة ككاتبة سيناريو، ثُم فوجئت بالمسلسل المعروض يقدّم القصة ذاتها تقريبا تحت عنوان آخر.

وأوضحت أنها أثبتت تقدّمها بعرض الفكرة على الكاتبة من خلال الرسائل الإلكترونية المتبادلة بينهما في حينه.

وقائع متكررة

مسلسل "طاقة نور" تم إيقاف عرضه بعد إثبات سرقة فكرته من عمل آخر للكاتب محمد صلاح العزب حمل عنوان "الدراويش"

قالت سمر نور لـ”العرب”، إن ظاهرة الاعتداء على أفكار الكتاب دراميا تتنامى في ظل تعطّش سوق الدراما لقصص جديدة جذابة وغير تقليدية.

وأضافت أن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للحكايات بات يتم بسهولة ودون رادع، لأنه لا يوجد وعي كاف بتلك الحقوق، كما أنه قد يصعب إثبات سرقة الأفكار وتحتاج لدعاوى قضائية، ما يعني كلفة مادية ربما يعجز بعض الأدباء عن تحملها.

ولا تقتصر عملية الاقتباس أو السرقة، كما يسميها ضحاياها، على الروائيين من أصحاب الأعمال الذائعة، إنما يمتدّ الأمر إلى غير المشهورين، فضلا عن كتاب سيناريو شباب مازالوا يخطّون خطواتهم الأولى في المجال الفني.

وشهدت المحاكم المصرية مؤخرا قيام المحامي والكاتب أحمد أبويوسف بإقامة دعوى ضد منتجي مسلسل “البرنس” بطولة محمد رمضان وأحمد زاهر، وإخراج محمد سامي، وعرض في رمضان الماضي، مقدّما مراسلات بينه وبين المخرج تفيد عرضه المسلسل عليه بعنوان آخر وهو “ويبقى الحب”.

وفي واقعة أخرى، اتهم الكاتب محمد صلاح العزب طاقم مسلسل “طاقة نور”، بطولة هاني سلامة وميس حمدان بسرقة العمل من مسلسل له قام بتسجيله تحت عنوان “الدراويش”، لكنه لم ينتج ولم يعرض على الشاشات، وتشكّلت بالفعل لجنة تقييم ومتابعة للعمل في نقابة السينمائيين، انتهت إلى إثبات التطابق بين العملين، وصدر الحكم بوقف عرض المسلسل.

وتبدو سرقات قصص المسلسلات مسألة معتادة خاصة مع الكتاب الجدد من الشباب، وحكت سيناريست، رفضت ذكر اسمها، أنها تعرّضت شخصيا لواحدة من تلك الاعتداءات التي فشلت في إثباتها.

اتهام السيناريست مريم ناعوم باقتباس الفكرة الرئيسية لمسلسل "ليه لأ" من رواية "الست"
اتهام السيناريست مريم ناعوم باقتباس الفكرة الرئيسية لمسلسل "ليه لأ" من رواية "الست"

وذكرت أنها عرضت على إحدى شركات الإنتاج الكبرى قبل سنوات معالجة درامية لمسلسل جديد وقدّمت حلقتين كنموذج له، لكن الشركة اعتذرت وقتها لعدم مناسبة الفكرة لتوجهاتها.

ورغم ذلك لم تمض أشهر قليلة على الواقعة حتى فوجئت الكاتبة بإعلان الشركة عن مسلسل جديد يقدّم الفكرة ذاتها باسم آخر، وعند اعتراضها فوجئت بتغييرات طفيفة في الشخصيات مع الاستعانة بكاتبة سيناريو أخرى.

ورأت صاحبة الواقعة أن هناك فقرا شديدا في القصص الجديدة الجذابة في سوق الدراما، ما يدفع بعض الشركات الفنية وكوادرها إلى اقتباس أفكار من أعمال فنية عالمية ووضع أطر محلية وعربية لها.

ومع انتشار المنصات التلفزيونية ومتابعة الجمهور لكافة ألوان الدراما العالمية، صار الاقتباس من تلك الأعمال عملية متكرّرة ومحل تندّر وسخرية الجمهور، ما دفع بعض الأسماء المشهورة من كتاب السيناريو إلى اقتباس الروايات العربية وسرقة الكثير من القصص ونسبتها إلى مشاهير في مجال السيناريو أو نسبتها إلى ورشة كتابة.

ورغم اعتراف كافة الشركات بعدم وجود ورق جيد يصلح للإنتاج لدى الكتاب التقليديين والمعروفين، إلاّ أنهم لا يسمحون لكتاب جدد بالدخول إلى حلقات الدراما المنغلقة حفاظا على نظام الشبكات الحاكم للسوق.

ربما يمثل هذا الطرح مبالغة سببها تعرّض بعض الكتاب لسرقة أعمالهم، ولا يمكن اعتبار ذلك قانونا عاما للدراما العربية، إذ تنجح في بعض الأحيان أعمال جديدة لكتاب سيناريو يخوضون التجربة للمرة الأولى وتلمع أسماؤهم.

ومع كل ذلك للظاهرة جوانب إيجابية، حيث يمكن القول إنها أسهمت في اتساع وعي المجتمع الإبداعي بالملكية الفكرية ونمو شريحة متميزة من القانونيين المتخصّصين في هذا المجال.

جانب إيجابي

Thumbnail

خلّف تكرار السرقات اهتماما وحرصا لدى الكثير من الكتاب والأدباء الذين يحتكون بالفن، ودفعهم إلى الحرص على تسجيل أعمالهم، أو توثيق عملية الاحتكاك بشركات الإنتاج الفني خلال البريد الإلكتروني.

وكشف وليد نصار، وهو محام متخصّص في قضايا الملكية الفكرية، أن بعض المتهمين بسرقة الأعمال الدرامية يلجأون إلى تغيير معالم العمل الفني، استنادا إلى فكرة تشابه وتوارد الأفكار.

وقال لـ”العرب”، إن المحكمة في هذه الحالة تعتمد على ما يُثبت الاتصال بين الشاكي والمشكو في حقه عبر مراسلات البريد الإلكتروني التي يعترف بها القانون.

آدم عبدالغفار: تعدد المنصات الرقمية يمثل فاتحة عصر جديد للدراما في العالم
آدم عبدالغفار: تعدد المنصات الرقمية يمثل فاتحة عصر جديد للدراما في العالم

وتحفظ معظم قوانين الملكية الفكرية في العالم العربي للمؤلفين والمبدعين حقوقهم في الشخصيات التي ابتكروها وعرفها الجمهور من خلالهم، فتنسحب الحماية الممنوحة لتلك الشخصيات، فلا يجوز استخدامها إلاّ بإذن منهم.

ورأى البعض أن ارتفاع وتيرة الشكوى خلال الآونة الأخيرة يعكس اقتناعا كبيرا لدى المجتمع الثقافي بأن تحويل نصوص الإبداع إلى أعمال فنية متلفزة يُمثل هدفا مشتركا لشريحة كبيرة من الكتاب.

ويعكس أيضا إيمانا عاما بوجود حالة انتعاش فني وثقافي تصل إلى حد التنافس على أفكار تبدو متشابهة، ما يؤكّد صحة التصوّر القائل إن عين الدراما مركّزة على الإبداع المكتوب، وهو بالضرورة جيد وجذاب.

ويتصوّر هؤلاء أن هناك فورة في الدراما العربية، تُمثل حلقة من حلقات الطفرة العالمية، الآخذة في التنامي نتيجة اتساع شريحة مستخدمي المنصات التلفزيونية، وظهور منصات جديدة، وما صاحب ذلك من وجود رغبة أكبر عند الجمهور لمتابعة أعمال فنية مسلسلة في عدة حلقات دون إرغامه على مشاهدة كم طويل من الإعلانات داخل المسلسل.

ورأى السيناريست المصري آدم عبدالغفار أن تعدّد وتوالد المنصات الرقمية يمثلان فاتحة عصر جديد للدراما في العالم، حيث يتابع الجمهور أبطالا أسطوريين يرى فيهم ما يفتقده في نفسه من جرأة وقبول للتحدّي وسعي للتغلّب على أي عقبات تقليدية تقابله في الحياة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الدراما العربية تخوض معركة لتصحيح مساراتها، وأن هناك طروحات لافتة، جديدة في الطرح والمعالجة والمضمون، لأن المنافسة العالمية تدفع الجميع إلى المزيد من التجويد والتطوير.

16