التصعيد والتصعيد المضاد يحيل التوتر الفرنسي - الجزائري إلى أزمة دائمة

مشروع قانون فرنسي يقدم الاعتذار والتعويض للحركيين الجزائريين.
الخميس 2021/11/18
الشارع الجزائري يرفض مواقف فرنسا

تعرض الحكومة الفرنسية على الجمعية الوطنية نصا قانونيا يقدم اعتذارا فرنسيا رسميا من الحركيين، مما سيزيد من حدة الأزمة المتصاعدة بين باريس والجزائر، على اعتبار أن الخطوة تندرج في صلب ملف الذاكرة المشتركة، الأمر الذي سيضع التوتر المتفاقم على مسار طويل الأمد، وليس مجرد أزمة عابرة، في ظل التصعيد المتبادل بين الطرفين.

الجزائر - تتجه الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، لتأخذ منحى معقدا ودائما، في ظل التصعيد المتبادل بين الطرفين، الأمر الذي يبدد فرص احتوائها في المدى القريب، غداة دخول السجال على مستوى هرم السلطة في البلدين، فبعد إعلان الرئيس عبدالمجيد تبون قطع الاتصالات والأنشطة الدبلوماسية من جانب بلاده، يتهيأ البرلمان الفرنسي لإصدار قانون يعترف ويعوض فئة الحركيين بإيعاز من الرئيس إيمانويل ماكرون، وهي الخطوة التي توظف وترا حساسا له إيقاع مميز في الجزائر لارتباطه بالتاريخ والذاكرة المشتركة.

وتشرع الجمعية الوطنية في فرنسا (البرلمان) الخميس في مناقشة مشروع قانون يقدم اعتذارا رسميا من طرف السلطة الفرنسية لفئة الحركيين، بما يترتب عليه من حقوق وتعويضات مادية ومعنوية، ليكون ذلك أول خطوة عملية تقوم بها باريس تجاه طابور الجزائريين، الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية (1954 - 1962).

 ويأتي ذلك بناء على الاعترافات التي قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخطاب الذي أدلى به أمام ممثلين عن هؤلاء خلال شهر سبتمبر الماضي، وهو ما اعتبرته الجزائر خطوة استفزازية وتصعيدية تستهدف الدوس على ملف الذاكرة المشتركة، لأنها لا تزال تصنف هؤلاء في خانة “الخونة والعملاء”، فضلا عما ارتكبوه في حق المدنيين خلال حرب التحرير.

جينيفيف داريوسيك: ظروف حياة الحركيين هي صفحة قاتمة لفرنسا

ويسعى الرئيس الفرنسي، من خلال خطوة “الاعتراف وطلب الصفح”، لتقديم مقاربة بلاده لمعالجة الذاكرة المشتركة مع الجزائر، وفق ما جاء في تقرير المستشار والمؤرخ بنجامين ستورا، الذي أوكل له منذ عدة أشهر إعداد خارطة طريق لمعالجة الملف المذكور، غير أن الجزائر رفضت محتواه واعتبرته “مساواة بين الضحية والجلاد”.

ورغم أن مشروع القانون المذكور جاء في إطار أجندة أعدها قصر الإليزيه منذ العام الماضي، إلا أنه يعتبر خطوة تصعيدية ردا على التصعيد الجزائري الأخير، حيث أمر الرئيس عبدالمجيد تبون بقطع الاتصالات والأنشطة الدبلوماسية مع فرنسا، في أعقاب الندوة الدولية التي انتظمت مؤخرا في باريس حول الأزمة الليبية، وسجل إخلالا بالأصول البروتوكولية في استقبال ممثله وزير الخارجية رمطان لعمامرة.

وأوردت تقارير فرنسية أن الحكومة رصدت مبلغ ستّة وخمسين مليون دولار أميركي، لصرفها كتعويضات ومنح للحركيين وذوي حقوقهم، تنفيذا لمشروع قانون يعيد الاعتبار للفئة المذكورة، التي تكون بذلك قد حققت مكسبا غير مسبوق لم يتحقق إلا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون.

وصرحت الوزيرة المنتدبة المكلفة بشؤون الذاكرة وقدامى المحاربين جينيفيف داريوسيك، بأن “ظروف حياة الحركيين في فرنسا بعد نهاية حرب التحرير الجزائرية، هي صفحة قاتمة لفرنسا، فنصف الحركيين الجزائريين تم ترحيلهم إلى مخيمات وإقامات أنشئت خصيصا لهم”.

وقدر تعداد هؤلاء بنحو تسعين ألف، اختاروا الفرار إلى فرنسا رفقة عائلاتهم بعد استقلال الجزائر، بينما بقي عشرات الآلاف منهم في الجزائر، رغم الأخطار التي كانت تهددهم بسبب الأحقاد والضغائن التي ترتبت على موقفهم المعادي لثورة التحرير، وما ارتكبوه في حق أبناء جلدتهم إبان سنوات حرب التحرير. 

التصعيد الدبلوماسي يزيد في تأزم العلاقات
التصعيد الدبلوماسي يزيد في تأزم العلاقات

ودخلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية في نفق أزمة غير مسبوقة خلال الأسابيع الأخيرة، ترتب عليها استدعاء السفير الجزائري إلى بلاده، وحظر المجال الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي العامل في مالي ومنطقة الساحل، كما قرر الرئيس تبون قطع الاتصالات والأنشطة الدبلوماسية مؤخرا، فضلا عن فسخ عقود شراكة اقتصادية وخدماتية، وهو ما صنف التوتر في خانة الأزمة الدائمة والمعقدة.

ويتضمن مشروع القانون خطوات رمزية وأخرى عملية، حيث يقدم اعترافا لأول مرة بـ”الخدمات التي قدمها الحركيون في حرب الجزائر، لصالح  فرنسا، وبالتجاهل والخذلان اللذين تعرضوا لهما بعد استقلال الجزائر”، فضلا عن “ظروف الاستقبال غير اللائقة، لتسعين ألفا من الحركيين وعائلاتهم الذين فروا من الجزائر بعد استقلالها”، وينص على “التعويض المعنوي والمادي عن هذا الضرر مع مراعاة طول مدة الإقامة في تلك الأماكن”.

وحسب مقررة مشروع القانون، فإن “التعويض يشمل المقاتلين الحركيين السابقين وزوجاتهم الذين استقبلوا بعد عام 1962 في ظروف غير لائقة، وكذلك أطفالهم الذين جاؤوا معهم أو ولدوا هنا”.

عامر ارخيلة: قصر الإليزيه بفرنسا هو المبادر بمشروع القانون

ويبقى ملف التاريخ والذاكرة المشتركة مخيّما على العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا، فرغم التوافق والتقارب المسجلين من حين إلى آخر بين سلطات البلدين، إلا أن المعالجة غير المرضية للطرفين، لاسيما في ما يتعلق بـ”الاعتراف والتفجيرات النووية، والأرشيف”، ظلت تلقي بظلالها على تلك العلاقات، إلى أن دخلت في أزمة غير مسبوقة لا ينتظر أن تتحلحل قبل الانتخابات الرئاسية المنتظرة في فرنسا الصائفة القادمة.

ومنذ التصريحات المثيرة للرئيس إيمانويل ماكرون حول طبيعة السلطة في الجزائر والماضي التاريخي للجزائر، تصاعد السجال بين الطرفين، قبل دخول خطوات تصعيدية بين الطرفين، ولو أن ما صدر عن الجزائر كان أشمل مما صدر عن الفرنسيين.  

وفي أول رد فعل من الجانب الجزائري حول مشروع القانون المذكور، الذي يشابه قانون العام 2005 الذي أوعز به حينها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، والذي اعتبر “مهام الجيش الفرنسي في المستعمرات القديمة رسالة حضارية”، صرح رجل القانون والعضو السابق في المجلس الدستوري عامر ارخيلة بأنه “عندما يتعلق الأمر بمشروع القانون، فقصر الإليزيه هو المبادر به، وبالتالي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن الرئيس الفرنسي بصدد الوفاء بما تعهد به لهذه الفئة التي تسببت في قتل وتعذيب وخيانة الشعب الجزائري أثناء ثورته التحريرية”.

وأضاف “كان يمكن أن يكون الأمر عاديا لو نوقش مشروع القانون هذا في ظروف غير التي يمر بها البلدان من أزمة حادة، تسببت فيها تصريحات غير مسؤولة للرئيس الفرنسي بشأن تاريخ الأمة الجزائرية”.

4