الترهل الإداري والإهمال يعمقان أزمة الإذاعات الحكومية المصرية

لم تستطع الإذاعات الحكومية في مصر أن تجاري التطور الإعلامي، بسبب العقلية الإدارية التقليدية التي تسيطر عليها، وضعف إمكاناتها المادية والتقنية، بينما حققت الإذاعات الخاصة تقدما ملحوظا جذب إليها حتى العاملين في الإذاعة الرسمية.
الثلاثاء 2016/06/21
الإذاعة لعبت دورا محوريا لسنوات طويلة في شهر رمضان

القاهرة – قبل حوالي 40 عاما اختار الرئيس المصري الراحل أنور السادات إذاعة القرآن الكريم ليلقي خطابا سياسيا، بدأه بتنويه عن دور تلك الإذاعة في حياة الملايين من المصريين والعرب.

ومؤخرا اختار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الإذاعة ذاتها، ليكون ثاني رئيس مصري يتحدث من خلالها ويجري حوارا عبر أثيرها، مؤكدا على دورها في محاربة الأفكار المتطرفة والمشوهة.

كان من المفترض أن تكون هذه المبادرة فرصة للقائمين عليها، للاهتمام بها وتجديدها على المستوى التقني والمهني، إلا أن الإهمال رافقها وبقيت مثار شكاوى دائمة الملايين من المستمعين، كحال الإذاعات المصرية الحكومية الأخرى.

وأوضح محمد عويضة رئيس إذاعة القرآن الكريم السابق لـ “العرب” أن هناك بالفعل صعوبات تقنية خاصة بضعف ترددها وعدم وصول بثها إلى الكثير من المناطق في مصر والدول العربية، وتداخل أصواتها مع أصوات الإذاعات الأخرى.

وأرجع ذلك إلى تهالك وضعف محطات بث موجات الإذاعة، وضرب مثالا على ذلك بأن محطة السنطة في محافظة الغربية (شمال القاهرة)، والتي تبث موجات الإذاعة في أقاليم مصر لم تجدد منذ 50 عاما.

ورغم أن الدولة في عام 2013 حشدت 40 مليون جنيه لتجديد محطات البث وتقويتها وتم إنشاء محطة بث جديدة، فإن المفارقة أنها لم تحسّن الخدمة وظلت مشكلة ضعف الإرسال كما هي. وأشار عويضة إلى عامل تقني آخر وهو أن موجات القرآن الكريم كانت تبث على موجات قصيرة ومتوسطة لتغطي كل أنحاء مصر والعالم العربي وبالتالي إرسالها يكون ضعيفا للغاية.

الإذاعة تعاني من مشكلات مهنية مرتبطة بمضمون المادة الإعلامية التي تقدمها والتي وصفها عويضة بالتقليدية والرتيبة

ويتساءل المتابعون لماذا لم تسر الإذاعات الرسمية المصرية على خطى هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” التي طورت إرسالها وقامت بعمل موجات “إف إم” لزيادة طول الإرسال ما حقق لها انتشارا أكبر في جميع دول العالم.

إلا أنه في مصر وحتى مع دخول خدمة “إف إم” واتجاه الدولة لبث الإذاعة عليها إلى جانب الموجة المتوسطة، بقيت مشكلة نطاق البث الجغرافي المحدود الذي يقتصر على القاهرة الكبرى التي تضم مدن القاهرة والجيزة والقليوبية وبعض المدن القريبة.

وظل من الصعب التقاط بث إذاعة القرآن الكريم في المناطق الحدودية وعلى الطرق الصحراوية وفي المناطق الجنوبية والمحافظات البعيدة.

وأضاف عويضة أن موجات الإذاعة تبث على الساتلايت في حيز ترددي محدود جدا ما يجعلها تتداخل مع موجات الإذاعات الأخرى فيؤدي ذلك إلى اختلاط أصوات القرآن مع أصوات الموسيقى، كما أن شبكات الهاتف المحمول أثرت بدورها على جودة الصوت.

وتعاني الإذاعة من مشكلات مهنية مرتبطة بمضمون المادة الإعلامية التي تقدمها والتي وصفها عويضة بالتقليدية والرتيبة، بما لا يتناسب مع تغيرات العصر الحديث.

ولم تنج الإذاعات الرسمية الأخرى أيضا مثل البرنامج العام وصوت العرب والشرق الأوسط، من مشكلات إذاعة القرآن الكريم منها تراجع دورها بشكل كبير مقارنة بعقود سابقة خاصة في الستينات والسبعينات.

وأوضح محمود علم الدين الخبير في شؤون الإعلام لـ “العرب” أن الإذاعات الحكومية أصابها ما أصاب التلفزيون المصري من مشكلات أبرزها الترهل الإداري وغياب التطوير وضعف الإنفاق المادي عليها، ما دفع عددا كبيرا من المذيعين والمعدين إلى الهروب والعمل بالإذاعات الخاصة والقنوات الفضائية بحثا عن الدخل المالي المرتفع.

ويرى علم الدين أن هامش الإبداع والحرية محدود على عكس سقف الحريات الموجود في القنوات والإذاعات الخاصة، فالعقلية المسيطرة على إدارة الإذاعات الحكومية لا تزال تعمل بعقلية الستينات في الرقابة والإصرار على تقديم البرامج التقليدية.

محمود علم الدين: عقلية الستينات لا تزال المسيطرة على الإذاعات الحكومية

كان مولد الإذاعة المصرية الرسمية قبل 82 عامًا وفي 31 مايو 1934، بعد سنوات من إنشاء الإذاعات الأهلية التي كانت خاضعة لشبكات العلاقات والمصالح ورأس المال الأجنبي.

ولعبت الإذاعة دور البطل لسنوات طويلة في شهر رمضان، وحافظت على وجودها حتى في وجود التلفزيون، بينما تسيطر اليوم حالة من التبلد والجمود في جميع الإذاعات المصرية الرسمية، إلا أن الإذاعات الخاصة استطاعت أن تسرق الأضواء مثل “نجوم أف أم” و”راديو 90.90”.

ويرجع خليل فهمي الإعلامي المصري والخبير في شؤون الإذاعة ذلك التحول إلى تغير طبيعة ونوعية جمهور المستمعين، فغالبيتهم الآن من سائقي السيارات على الطرق وفي الشوارع، كما أن معظم هؤلاء من الشباب الذين يحتاجون إلى الوجبات الإعلامية السريعة.

وأوضح فهمي لـ “العرب” أن إذاعة البرنامج العام الرسمية لم تطور أداءها وبرامجها ومازالت تتمسك بشكلها التقليدي وجديتها في الأداء، وتراجعت إذاعة الشرق الأوسط بعد أن كانت تحظى بنسبة استماع كبيرة.

ويحظر القانون المصري على الإذاعات الخاصة بث برامج سياسية وإخبارية ويسمح لها فقط ببث برامج المنوعات والبرامج الاجتماعية والرياضية والفنية. لكن على أرض الواقع، تبث هذه الإذاعات أخبارا سياسية دون أن تتدخل الدولة، كما تسمح لها ببث برامجها بعد انتهاء تصاريحها وذلك لاعتبارات سياسية ترتبط بالعلاقة بين جهات في الدولة وملاك هذه الإذاعات من رجال الأعمال. ونفى عبدالرحمن رشاد -رئيس الإذاعة المصرية السابق- بشدة انحسار دورها، وقال لـ “العرب” هناك فترات معينة يتراجع فيها دور الإذاعة الحكومية لحساب القنوات والإذاعات الخاصة، فمثلا في رمضان هناك أعمال مميزة تنفرد بها الإذاعات الخاصة لقدرتها على التمويل الضخم الذي تحتاجه تلك الأعمال، وتجذب لها المستمع.

كما أن انتشار الفضائيات لا يلغي وجود الإذاعة بدليل أن جمهورها لا يزال بالملايين، فمع الازدحام الشديد في الطرق وكثرة أعداد السيارات يقضي الكثير من المواطنين أوقاتا طويلة في الشارع وليس لهم منفذ للتسلية سوى الاستماع للإذاعة.

دلل رشاد على استمرار دور الإذاعة القوي بتوجه عدد كبير من الفنانين ونجوم الرياضة إلى إنجاز برامج إذاعية، لإدراكهم حجم التأثير الكبير للإذاعة وجمهورها العريض من الشباب الذين يريد هؤلاء الوصول إليهم.

18