التربية الابتكارية تحوّل قلق الطفل المبدع إلى متعة أسرية

التربية الابتكارية تتطلب جهدا من الأسر للتخلي عن الوسائل المعتادة لتقويم السلوك، وتبتعد عن العنف والعقاب.
الجمعة 2019/04/05
حين تطلق الموهبة

تكتسب التربية الابتكارية للأطفال اهتماما عربيا متزايدا، في محاولة لاكتشاف المبدعين الصغار والتعامل معهم كشخصيات مستقلة لها حقوق الكبار بميول فكرية ومهارات يجب احترامها، لكنها لا تزال تصطدم بعدم تبني الأسر لها وإغفالها من المؤسسات التعليمية، على حد سواء.

يمثل الطفل المبدع صداعا في رأس أسرته عند جهلها لكيفية التعامل مع سماته الشخصية غير التقليدية، مثل رفضه الإذعان للأوامر وإدارة الأمور بطريقته الخاصة دون استجابة لإملاءات الوالدين وحساسيته المفرطة إزاء انتقاد أفكاره الخاصة.

ويتزايد الاهتمام بنشر مفهوم التربية الابتكارية عبر ورش العمل التي تستقطب الأسر، وتسعى لتوطين مقوماتها في دور الحضانة ومراحل رياض الأطفال، بهدف تخريج أجيال مبدعة، تتسم بالاستقرار النفسي والقدرة على التعامل مع تغيرات العصر التكنولوجية.

وركز المؤتمر الثاني للطفل العربي المميز، الذي اختتم أعماله بالقاهرة في الأول من أبريل، وحضرته “العرب”، على الوسائل الحديثة في تربية الأطفال وتنمية قدراتهم. وقدم باحثون من الإمارات والسعودية ومصر والأردن أوراق عمل تمحورت حول كيفية تربية الأطفال وتعليمهم بوسائل مستحدثة، من بينها الفن التشكيلي والموسيقى والألعاب الإلكترونية.

وأوصى المؤتمر بإنشاء مراكز للابتكار وأندية علمية متخصصة برعاية الموهوبين الصغار وعقد المسابقات لتنمية قدرات الطفل العقلية والنفسية وثقافة تقبل الآخر، وتنظيم مؤتمرات تستهدف المعلمين والمتعلمين، واستخدام التكنولوجيا لتقليل السلوكيات السلبية للأطفال.

اعتمد المشاركون، الذين مثلوا 12 دولة عربية، رؤية إماراتية، قدمها الأمين العام لمنظمة إمسام بالأمم المتحدة، محمد بن مسلم بن حم العمري، بتغيير المسمى العالمي “ذوي الإعاقة” إلى “أصحاب الهمم”، على اعتبار أن الابتكار ليس حكرا على أحد ومتاح للجميع بشرط امتلاك الإرادة التي تعتبر أولى خطواته.

وتشهد الإمارات انتشارا لتجربة حضانات التربية الإبداعية للأطفال القائمة على مفهوم التعليم من خلال اللعب “فان فيرست” التي توفر بيئة تربوية تساعد على اكتشاف المشكلات السلوكية والأمراض ومعالجتها مبكرا، وفي الوقت ذاته خلق جيل من المبدعين.

بدأت تجربة “فان فيرست” بحضانة واحدة، وتوسعت بافتتاح اثنتين أخريين، وفي الطريق دار رابعة، مع نجاح التجربة في ترسيخ مفاهيم أخلاقية وسلوكية مبتكرة تتماشى مع روح العصر والتكنولوجيا.

وتقتل بعض الأسر العربية الإبداع في عقول أبنائها بشكل غير مباشر بمعاملتهم كنماذج جينية مستنسخة لا يجب أن تختلف عن الوالدين في نمط حياتهم وسلوكهم وطريقة تفكيرهم، وتعنيفهم على الأسئلة غير المألوفة أو الجريئة.

ويقول أستاذ أصول التربية، سامي نصار، إن التربية الإبداعية لم تعد ترفا على المستوى العربي في ضوء المستوى المتدني الذي تسجله غالبية دول المنطقة بمؤشر تنمية الابتكار عالميا، رغم تخريج مئات الآلاف من الشباب والفتيات من الكليات العلمية.

مواهب الطفل تزدهر باعتماد الفنون والألعاب في التعليم
مواهب الطفل تزدهر باعتماد الفنون والألعاب في التعليم

ويضيف لـ”العرب” أن هدف التربية الابتكارية هو الوصول إلى نماذج بشرية تعتمد على المعرفة والتفكير العلمي في حياتها، فإبداع الطفل الصغير لا يعني وصوله إلى اكتشاف أو اختراع آلات ينافس بها الكبار، لكن أن يصبح تفكيره سابقا لعمره ويمتلك مقومات فنية وتعبيرية وموسيقية، تتجاوز المعتاد في مرحلته العمرية.

وتتسم الأنماط التربوية الجديدة بحاجتها إلى بذل جهد كبير بداية من استخدام الآباء أو المعلمين في المراحل الدراسية الأولى للغة الجسد وتعبيراتهم التي تترك انطباعا عند الأطفال، وكيفية الانصات الفعال لهم.

وكشفت دراسات حديثة أن قدرات الإبداع لدى الأطفال تنمو حتى سن العاشرة ثم تتناقص عند غياب الاهتمام بها، وعدم ملائمة أساليب التعليم في المراحل الدراسية الأولى مع تنمية التفكير الإبداعي، ليتخلى الطفل عن قدراته سعيا وراء التكيف مع أقرانه.

وتقصر بعض الدول العربية دورها في رعاية الأطفال المبدعين على إقامة فعاليات احتفالية لهم دون محاولات جدية لتحويلها إلى ممارسات فعلية أو دراسة كيفية تطبيقها في المدارس، ونشرها بين الأسر عبر وسائل الإعلام أو الورش الأسرية.

وأكدت هالة علي، ربة منزل، أنها خضعت لعدة ورش حول كيفية تربية الأطفال بمقابل مالي كبير من أجل التعامل مع طفليها بطرق مبتكرة بإشاعة جو من الحرية الموجهة داخل المنزل والتخلي عن أساليب العقاب التي تقتل طموحاتهما وتحد من نمو إبداعهما ومواهبهما الخاصة، لكن جهودها ضاعت سدى بمجرد دخولهما المدرسة.

ووفق خبراء التربية والمناهج، فإن مشكلة المؤسسات التعليمية العربية هي تعامل مدارسها مع المناهج على أنها مقدسة لا يجب الخروج عنها، وعندما يصل التلميذ إلى حلول لتمارين الرياضيات مثلا بطرق مغايرة يتم اعتبار إجاباته خاطئة، ما يغرس داخله النمطية والتكرار.

وأوضح هؤلاء أن الإبداع لا يمكن وضعه في مناهج أو تلقينه كما يحاول بعض القائمين على المؤسسات التربوية، لكن دورهم يجب أن ينصب على توفير المعرفة المكملة وتشجيع الطفل على الاستقلال العقلي وتنمية حب الاستطلاع.

وأشارت علي لـ”العرب” إلى أن المعلمين يفتقرون لمرونة التعامل مع الطفل الذكي ويعاقبونه على تكرار أسئلته باعتبارها “شقاوة”، بجانب الجو العام في المدارس الحكومية التي تفتقر للوسائل الترفيهية.

وتتطلب الأنماط الحديثة في التربية أدوارا أكبر من الوالدين بتخصيص وقت يومي لتنمية الحوافز الإيجابية لدى الأبناء، والتخلي عن الانشغال بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والتي تخلق طاقة سلبية لدى الأطفال وشعورا بالتجاهل وعدم رغبة الأسرة في التواصل معهم.

وتتزايد أدوار الأسرة دقة، إذا كان الطفل المبدع من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتلعب دورا مكملا في درجة تقبله للمجتمع وكيفية التعايش مع ظروفه، وتطوير موهبته ومواجهة التنمر من الأقران.

ولفت طارق أنور شاكر، رئيس أكاديمية للتنمية البشرية للأطفال، إلى أن معوقات انتشار الأنماط الجديدة من التربية الابتكارية عربيا سببها الجهات التنفيذية التي ترفع شعارات عن تحقيق التنمية المستدامة، لكنها لا تقوم بدورها في التنمية البشرية للأطفال.

وذكر شاكر لـ”العرب” أن معظم الدول العربية متأخرة في ما يتعلق بالتطورات المتلاحقة في التربية،والعبء الأكبر يقع على عاتق المؤسسات التعليمية.

وتتطلب التربية الابتكارية جهدا من الأسر للتخلي عن الوسائل المعتادة لتقويم السلوك والتعليم، وتبتعد عن العنف والعقاب، وتعتمد على التغيير عبر الفنون والرياضة وانتقاء ما يناسب طبيعة الأبناء وفئتهم العمرية لتنميتها، بالاعتماد على الابتكار.

الإبداع لا يمكن وضعه في مناهج أو تلقينه
الإبداع لا يمكن وضعه في مناهج

 

21