التأخير في إصلاح العملة يهدد استمرار دعم المانحين للسودان

تلكّؤ خطوات توحيد سعر الصرف يعرقل مساعدات تخفيف أعباء الدين.
الخميس 2021/02/11
عملة معروضة في الشارع بلا حسيب ولا رقيب

يطرح تأخر السودان في إصلاح العملة وتوحيد سعر الصرف ضغوطا كبيرة أمام الحكومة، حيث يهدد استمرارية دعم المانحين ويقوض جهود تخفيف أعباء الدين التي يتطلع إليها البلد في ظل مكافحته أصلا لإشكاليات سياسية تتعلق بتقاسم السلطة وإشكاليات مناخية واقتصادية لا حصر لها.

الخرطوم - يهدد تلكّؤ الحكومة السودانية في إصلاح العملة وخفض قيمتها بانقطاع حبل الدعم عن البلد نظرا للفشل في توحيد سعر الصرف الذي يعد شرطا أساسيا للإصلاح، في وقت تقوض فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية جهود معالجة الاختلالات المتراكمة.

ويرى دبلوماسيون ومحللون أن الحكومة السودانية الجديدة تواجه ضغوطا للمضي قدما في إصلاح سريع للعملة حتى لا تعرض للخطر سعيها لتخفيف عبء الديون والحصول على دعم مالي دولي لمرحلة الانتقال السياسي الهشة.

وقد أدى عدم خفض قيمة العملة إلى تأخير مساعدات بمئات الملايين من الدولارات لصالح برنامج رعاية اجتماعية مموّل من المانحين ويهدف إلى تخفيف المعاناة الناجمة عن أزمة اقتصادية طويلة الأمد وإلغاء دعم الوقود.

وجرى الانتهاء من تعديل وزاري شامل الاثنين لضم ممثلين لجماعات متمردة وقعت على اتفاق سلام مع الحكومة العام الماضي، وهي خطوة مهمة في الانتقال السياسي بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير سنة 2019.

لكن الإدارة المدنية الضعيفة عالقة في ترتيب غير سهل لتقاسم السلطة مع الجيش، وتواجه مجموعة من التحديات منها وصول منسوب مياه الفيضانات إلى مستويات قياسية وعدم الاستقرار على الحدود مع إثيوبيا وجائحة كورونا والعنف في إقليم دارفور الغربي حيث بدأت قوات حفظ السلام الدولية في الانسحاب.

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية التي أسهمت في سقوط البشير. وبلغ معدل التضخم 254 في المئة في ديسمبر وهو من أعلى المعدلات في العالم، وانخفض الجنيه السوداني بسرعة في السوق الموازية.

جوناس هورنر: عدم التصدي لمشاكل الاقتصاد يقوض فرص الحكم المدني
جوناس هورنر: عدم التصدي لمشاكل الاقتصاد يقوض فرص الحكم المدني

وطلب تجار العملات غير الرسميين ما يزيد على 400 جنيه للدولار الواحد الاثنين، ارتفاعا من نحو 260 جنيها في الأول من يناير مقابل سعر صرف رسمي بخمسة وخمسين جنيها للدولار.

واندلعت احتجاجات على الأوضاع المعيشية في الخرطوم الشهر الماضي وامتدت إلى مدن أخرى هذا الأسبوع. وهناك نقص متكرر في الوقود والكهرباء والخبز والأدوية.

وقال جوناس هورنر محلل شؤون السودان لدى مجموعة الأزمات الدولية “يظل الاقتصاد على رأس المخاطر السياسية التي تهدد المرحلة الانتقالية في البلاد”. وأضاف أن “عدم التصدي لمشاكل الاقتصاد بشكل ملائم من شأنه تقويض فرص الحكم المدني في البلاد”.

وألغى السودان دعم الوقود الذي كان يكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنويا، وهو شرط رئيسي لبرنامج اقتصادي لأجل 12 شهرا أعده السودان وأقره المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي.

غير أن التأخير في الانتقال إلى سعر صرف موحد تحدده السوق، وهو معيار هيكلي آخر حدده صندوق النقد الدولي بتاريخ مستهدف في سبتمبر 2020، يهدد بتعريض البرنامج للخطر.

ويتعين على السودان استكمال البرنامج للحصول على إعفاء بستّين مليار دولار من الديون الخارجية بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وفتح الطريق أمام حصوله على تمويل من المقرضين الدوليين.

كما يهدد التأجيل حصول السودان على قروض بشروط تيسيرية من الولايات المتحدة وبريطانيا لسداد 1.6 مليار دولار من متأخرات السودان المستحقة للبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي.

وقد اقترب الموعد النهائي للسداد إذ من المقرر أن يقدم صندوق النقد الدولي تقريرا لمجلس إدارته بشأن السودان بنهاية مارس، وهو ما يتطلب أن يكون سجله جيدا ومرضيا على مدى ستة أشهر عندما يرفع الصندوق تقريره النهائي في سبتمبر.

وقال مصدر مطلع على هذه العملية “الوضع في السودان صعب جدا. فكلما طال أمد الوصول إلى إعفاء من الديون زادت مخاطر عدم حدوث ذلك أصلا”.

ويقول مسؤولون ومانحون ومحللون إن الخوف من رد الفعل الشعبي والمقاومة اليسارية للإصلاحات التي يقودها صندوق النقد الدولي والبحث عن احتياطي من العملة الصعبة يحمي الاقتصاد كلّها عوامل عطلت تخفيض قيمة العملة.

عدم إصلاح سعر الصرف يعرقل برنامج  الأسر الذي يستهدف دفع دعم نقدي شهري بخمسة دولارات إلى 80 في المئة من السكان

وقال مانحون ومقرضون إن توحيد سعر الصرف لن يؤدي إلى المزيد من الضغط على العملة أو التضخم لأن جميع المعاملات تقريبا تتم بالفعل بأسعار السوق السوداء.

وأضافوا أن السودان يطبع نقودا أقل وهو ما من شأنه أن يخفف الضغوط التضخمية، كما أحرز تقدما في معايير أخرى منها البدء في الكشف عن تفاصيل الشركات المملوكة للدولة.

كما يؤدي التأخير في إصلاح سعر الصرف إلى إعاقة بدء تنفيذ برنامج لدعم الأسر يستهدف دفع دعم نقدي شهري قدره خمسة دولارات إلى 80 في المئة من سكان السودان.

وجرى حجب حوالي 400 مليون دولار من المساعدات ومنح من البنك الدولي قبل سداد المتأخرات في المرحلة الأولى من البرنامج، وذلك لأن الأموال ستكون قيمتها أقل بكثير إذا تم تحويلها بسعر الصرف الرسمي.

وقالت هبة محمد علي التي حل محلها زعيم المتمردين في دارفور جبريل إبراهيم في منصب القائم بأعمال وزير المالية الاثنين في تصريحات صحافية إن “برنامج دعم الأسر سيبدأ هذا الشهر بالسعر الموازي”.

لكنها أضافت أن السودان لن يتحرك في إصلاح العملة إلا عندما تكون الظروف مواتية ويكون لديه ما يكفي من الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي. ولم يرد بنك السودان المركزي على طلبات للتعليق.

وقال دبلوماسي من دولة مانحة “الشعور العام بين المانحين الغربيين والذين يتشاركون في التفكير هو الإحباط الرهيب”. وأضاف أن الرسالة التي وجهها المانحون إلى السلطات السودانية هي أن تنفيذ المطلوب “سيتيح للسودان الحصول على الكثير من التمويل والمنح والمساعدات والتنمية والاستثمار، غير أن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم”.

وبدا أن الحكومة أخذت خطوة واضحة نحو إصلاح العملة الشهر الماضي بالسماح بإرسال تحويلات المغتربين بسعر الصرف الموازي.

وقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في مؤتمر صحافي للإعلان عن الحكومة الجديدة إن برنامجها سيسمح بتجاوز عقبات على رأسها معالجة ديون السودان.

10