البرنامج السياسي يفجر انقساما بين القوى الفلسطينية في القاهرة

القاهرة- انطلقت الجولة الثانية من الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة الثلاثاء للبحث في ملف الانتخابات التشريعية المقبلة وتوفير الآليات اللازمة لنجاحها، وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بحضور الفصائل التي شاركت في الجولة الأولى خلال فبراير الماضي، وتوافقت على استكمال الحوار السياسي في جولة ثانية.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب”، إن هناك اهتماما بمناقشة إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وآليات انضمام كل الحركات إليها وشكل البرنامج السياسي في الفترة القادمة.
وكشفت المصادر ذاتها أن المعضلة التي قد تنسف أي إجراءات إيجابية بين الفصائل والسلطة تتعلق بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الذي يعترف بإسرائيل، وهو ما ترفضه حركتا حماس والجهاد الإسلامي.

جبريل الرجوب: الفصائل ستُقر وثيقة شرف لضبط العملية الانتخابية
وأكد الباحث في الشؤون الفلسطينية سمير غطاس، أن تحقيق نتائج إيجابية في الجولة الحالية يتوقف على “عدم التمادي في التطرق إلى برنامج منظمة التحرير حتى لا تنفجر الأوضاع بين الفصائل والسلطة”.
وأضاف غطاس لـ”العرب”، أن الحل الأمثل هو التركيز على قواعد تشكيل المجلس الوطني للمنظمة، وترحيل باقي النقاط إلى مرحلة أخرى، “فالمكابرة تمنع حماس من إبداء الاعتراف المعلن بإسرائيل، لكنها في ظل بحثها عن شرعية دولية لن يكون أمامها سوى تكريس هذه الشرعية من خلال انضمامها إلى المجلس الوطني لمنظمة التحرير، وتليين مواقفها والكف عن المزايدات السياسية”.
وتترقب إسرائيل نتائج جولة القاهرة، لأنها لو شعرت بإخلال المنظمة بما جرى التوافق عليه في الماضي ستبادر بخطوة مماثلة، بمعنى أن تغيير البرنامج السياسي للمجلس الوطني لمنظمة التحرير لإرضاء الفصائل بشكل لا يقضي بالاعتراف بإسرائيل يدفعها إلى عدم الاعتراف بمنظمة التحرير.
وتحاول اجتماعات القاهرة الخروج بتفاهمات حول معايير الانتخابات ووسائل تطبيقها، وتذليل العقبات التي تعطل الاستحقاقات المتفق عليها أو تلك التي يمكن أن توقف تحركات إنهاء الانقسام وتجديد شرعية النظام السياسي عبر خيار الانتخابات.
أخذت الحوارات البينية حيزا من النقاشات، وسعت بعض الفصائل إلى التعرف على نوايا القوى المشاركة، والبوصلة السياسية التي تحكم تصوراتها، والجهة أو الجهات القريبة والبعيدة منها.
وعملت قوى مدنية عدة على لملمة عناصرها، وتدارك أخطاء المرحلة الماضية، التي حصرت التوازن بين حركتي فتح وحماس، وبدت فيها القوى الأخرى هامشية، وهو تصور غير دقيق بالمرة، لأن الغاضبين من هيمنة الحركتين كُثر.
وتعتقد قوى فلسطينية أن إعادة بناء المجلس الوطني يؤسس لموازين جديدة داخلية تستطيع وقف التفرد بقراراته من قبل البعض، وتسهم في رفع سقف البرنامج السياسي الوطني الموحد، وهو خطوة مهمة لإنهاء الانقسام المتجذر.
وقال أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس وفدها في اجتماعات القاهرة، جبريل الرجوب خلال تصريحات إعلامية الثلاثاء إن الفصائل ستُقر وثيقة شرف لضبط العملية الانتخابية، تشكل “ضابط إيقاع ومدونة سلوكية، لكل القوى السياسية والشعب الفلسطيني.. لضبط إيقاعنا كلنا، وسلوكنا في العملية الانتخابية”.
وانتهزت وفود الفصائل اجتماعات القاهرة لإعادة ترتيب الأوراق، خاصة في ما يتعلق بالتحالفات المتوقعة وأشكالها وألوانها السياسية، سواء داخل الفصيل الواحد أو مع غيره، فحركة فتح تتجاذبها تيارات عديدة لم يحسم أغلبها توجهاته بالانخراط داخل الحركة الأم، أو التحالف مع قوى من خارجها، أو الترشح بصورة فردية.
وهناك مخاوف من عدم اتفاق الفصائل على الخطوط العامة الحاكمة لعملية الانتخابات وفشل جولة القاهرة في تقديم رؤية جامعة، تضمن التغلب على الصعوبات الداخلية، والعراقيل التي يمكن أن تضعها إسرائيل في الأراضي المحتلة.
وتجري الحركات حوارات منفصلة – ثنائية غالبا – لاستكشاف اتجاه التحالفات التي تعد عنصرا مهما في التأثير على عملية انتخابية تحتل حيزا كبيرا من اهتمامات المواطنين، وقوى إقليمية ودولية تراقبها عن كثب، لأنها ستكون مؤشرا حاسما لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل.

سمير غطاس: المكابرة تمنع حماس من إبداء الاعتراف المعلن بإسرائيل
وفي الوقت الذي تركز فيه عيون المراقبين على التراشقات داخل فتح، دخل تيار اليسار في حوارات جادة لإنهاء الخلافات حول تشكيل قائمته لخوض الانتخابات التشريعية على أمل الحصول على نسبة جيدة من المقاعد تمكنه ليكون طرفا ثالثا فاعلا في المعادلة الراهنة بين فتح وحماس.
وأصدر ممثلون عن أحزاب اليسار في مدينة بيت ساحور بيانا مؤخرا، طالبوا فيه بالإسراع بتشكيل القائمة الانتخابية اليسارية، وتوظيف التباين بين فتح وحماس لصالح قوى اليسار، واستعادة بريقها على الساحة في ظل الانقسام المحتدم في صفوف فتح.
ومن أبرز القوى اليسارية الآن، الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، وحزب فدا، وحركة المبادرة، علاوة على شخصيات وطنية مستقلة وأعضاء ناشطين في عدد من مؤسسات المجتمع المدني.
وأشارت دوائر سياسية لوسائل إعلام فلسطينية إلى أن قوى اليسار تعيد البحث في تشكيل القائمة اليسارية الموحدة، رغم العقبات التي اعترضتها في الأسابيع الماضية، للاستفادة من مشاركة شخصيات من خارج فلسطين، كفرصة لتوحيد جهود القوى اليسارية في قائمة موحدة، وتجاوز الخلاف حول أعداد وترتيب المقاعد في القائمة الانتخابية. ولا يزال الموقف غامضا بالنسبة إلى خيار الجبهة الديمقراطية النهائي، وهل سوف تخوض الانتخابات في قائمة انتخابية مع قوى أخرى، أم تخوضها بمفردها.
ووجه الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات رسالة من سجن “ريمون” الإسرائيلي إلى رفاقه، بمناسبة مرور 15 عاما على اختطافه من سجن أريحا، وفي خضم التحضير للانتخابات وانهماك الفصائل في حوار القاهرة.
وقال سعدات إن مشاركة الجبهة في انتخابات المجلس التشريعي ليست بديلا عن كل أشكال وأساليب مقاومة الاحتلال وعدوانه الشامل على الشعب الفلسطيني. وشدد في رسالته الطويلة، على أن المقاومة مستمرة ما دام هناك احتلال، مبيّنا أن الجبهة “ستخوض هذه الانتخابات على أساس برنامجها السياسي بشقيه الوطني والديمقراطي – الاجتماعي”.
ويمثل الحديث عن مصير المقاومة الفلسطينية قضية شائكة، حيث يرى البعض أن العملية السياسية الجديدة، بشقيها الداخلي والتفاوضي مع إسرائيل، تنطوي على نهاية لأفكار المقاومة التقليدية، بينما تتمسك بعض القوى بهذا السلاح، ومن المرجح تأجيل حسمه إلى جولة أخرى لعدم تعكير الأجواء حاليا.