البرلمان الأردني أمام مهمة معقدة لتكريس الإصلاح السياسي

مع بداية أشغال البرلمان الأردني التاسع عشر، تدخل المملكة مرحلة حساسة في تاريخها إذ أن نتائج أشغال المجلس ستحدد ملامح المرحلة السياسية المستقبلية التي يطالب الأردنيون بأن تكون أكثر تعددية وتشاركية في صنع القرارات الداخلية والخارجية.
عمان – افتتح البرلمان الأردني التاسع عشر الاثنين دورته العادية وسط تحديات كبرى ستحدد ملامح مرحلة سياسية وإصلاحية يعول عليها في تجويد أداء مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الحكومات والمجالس النيابية وإنضاجها على أمل استعادة ثقة المواطن بها.
وتبدو الإصلاحات السياسية التي أقرتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والمتعلقة خاصة بقانوني الانتخاب والأحزاب، التي جرى تحويلها من الحكومة للبدء بسير إقرارها كقوانين نافذة، أبرز التحديات للبرلمان الذي فقد ثقة الأردنيين فيه وعاش انقسامات هزت من صورته في دوراته السابقة.
وركز العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال افتتاحه الاثنين للدورة العادية لمجلس الأمة (مجلس النواب ومجلس الأعيان) على مخرجات اللجنة الملكية بما تحمله من تجديد وتأسيس لمرحلة سياسية وإصلاحية يراهن عليها الملك لتبريد احتقان الأردنيين المطالبين بتعزيز الحياة الديمقراطية داخل المملكة ومزيد إشراكهم في الحياة السياسية.
ولم يكن فوز عبدالكريم الدغمي برئاسة مجلس النواب الأردني مستغربا، خاصة وأن المرحلة القادمة من عمر البرلمان الحالي تستدعي خبرة تُعيد ضبط إيقاعه، في ظل اهتزازات تعرض لها خلال عامه الأول.
والدغمي (66 عاما) قانوني مخضرم ووزير أسبق وأقدم نائب في مجلس النواب ولديه خبرة 9 دورات في البرلمان، ويُنتظر منه أن يقوم بدور كبير، لاسيما خلال الدورة الحالية، حيث ستتم فيها مناقشة مشاريع القوانين التي ستحدث شكل الحياة السياسية في المملكة والتي لا يوجد إجماع حولها.
والدغمي هو ثاني رئيس لمجلس النواب التاسع عشر، الذي جرى انتخابه في العاشر من نوفمبر الماضي، إذ سبقه عبدالمنعم العودات خلال العام الأول من عمر المجلس.
ويقول الخبير في الشؤون البرلمانية هايل ودعان الدعجة إن “ما تعرض له مجلس النواب من إخفاقات وانتكاسات في سنته الأولى (من أصل 4 سنوات) تجعله بأمسّ الحاجة إلى أن يعيد اعتباره وحضوره في المشهد السياسي والبرلماني، بحيث يتمكن من إرسال إشارات يستطيع من خلالها تغيير الانطباع السلبي المأخوذ عنه، وأنه عازم بالفعل على اتخاذ مثل هذه الخطوة الهامة”.
وأضاف الدعجة “لعل أولى هذه الإشارات هي الفرصة الماثلة أمامه، ممثلة بانتخاب الدغمي رئيسا للمجلس فهو شخصية قوية ومؤثرة وتتمتع بخبرة برلمانية وسياسية، ليستهل بها دورته العادية، ويمكنه إدارة دفة الجلسات والنقاشات تحت القبة من موقع المتمكن والعارف والخبير، بصورة تعيد الحضور والهيبة للمجلس”.
واعتبر أن المجلس “أمام مهمة وطنية مجسدة في التعاطي مع مخرجات اللجنة الملكية بما تحمله من تجديد وتأسيس لمرحلة سياسية وإصلاحية”.
ويتوقع محللون أن تلقى بعض توصيات اللجنة رفضا حزبيا واسعا من أطراف سياسية تعتقد أن إدراج مثل هذه التوصيات في القانون الانتخابي الجديد على سبيل المثال سيقلص من حظوظها الانتخابية.
ومنحت لجنة التحديث السياسي على سبيل المثال الأحزاب حصة كبيرة في البرلمان يقول منتقدون إنها لا تعادل وزنها الحقيقي، بينما استهدفت المكون العشائري القوي اجتماعيا في المملكة.
وتنذر هذه الأجواء بابتداء معركة قوية داخل المنظومة السياسية، حيث يتوقع مراقبون أن يبرز مجددا مصطلح “قوى الشد العكسي” التي تمثل في العرف السياسي الأردني التيار المحافظ الذي يسعى للحفاظ على الوضع الراهن، ويكرس الواقع شبه الريعي للدولة، والذي يساعد هذه القوى على احتكار السلطة والمال.
ويرى هؤلاء أن هذه القوى ستسعى لإعاقة الدورة الدستورية لهذه المخرجات، وتوظف حالة اليأس العام والعزوف الشعبي؛ لإضعاف الحالة السياسية بشكل متزايد، ووضع العصي في دواليب الإصلاح والتغيير.
وينتظر الأردنيون نقاشات وخلافات شائكة بشأن ما جاء فيها تحت قبة البرلمان للوصول إلى إقرارها. ورغم أنه لم يسبق للبرلمان أن رفض مشاريع قوانين يدعمها الملك لا تزال المخاوف من أن يكون مصير توصيات اللجنة كمثل سابقاتها من اللجان.
وفي حال أريد تمرير مخرجات اللجنة الملكية بناء على ضمانة الملك، يجب أن يتم إقرارها من مجلس النواب، ومن ثم إلى مجلس الأعيان للموافقة عليها، ويوشح بعد ذلك بالإرادة الملكية، ثم يُنشر بالصحيفة الرسمية ليصبح قانونا نافذا.
وسبق لرئيس الوزراء بشر الخصاونة أن لمح لهذه النقطة حينما قال “للنخب السياسية والمجتمع دور أساسي في ترجمة هذه المخرجات إلى واقع ملموس يشهد شحذا لهممنا التي ستكون دائما عالية في إطار هذا التأطير البرامجي للعمل السياسي ضمن سياقات جماعية وحزبية برامجية ووطنية، تلبي تطلعات واحتياجات المواطنين”.
وأعرب عامر بني عامر مدير مركز “راصد” (خاص معني بمتابعة الشؤون البرلمانية) عن اعتقاده بأن “فوز الدغمي ينسجم مع الأولويات على المستوى المحلي المطلوبة من المجلس”.
وأضاف “نتحدث بشكل خاص عن قانوني الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية المرتقبة، وخاصة أن الأخيرة ستكون أوسع مما اقترحته اللجنة الملكية، ويمكن استنباط ذلك من حديث الملك حول الحفاظ على استقلالية المؤسسات الأمنية والعسكرية والرقابية”.
وتابع أن “هذا قد يؤدي إلى اقتراح تعديلات من الحكومة مرتبطة بهذه المؤسسات، لهذا فإن انتخاب شخصية مخضرمة مثل الدغمي قد يسهل النقاش والحوار حول مثل هذه التعديلات والقوانين، في وقت زمني مناسب ينسجم مع مرحلة الانفتاح السياسي التي وعد بها الملك”.
ويجمع مراقبون على أن الفترة القادمة تحتاج إلى خبرة مثل الدغمي تعيد مستوى التنسيق بين الحكومة والبرلمان، مع الحفاظ على مكانة البرلمان واستقلاليته.