الانقطاع الدائم للأطفال عن الدراسة ينذر بكارثة في قطاع التعليم في لبنان

أدى إقفال المدارس الذي فرضه لبنان في مارس من العام 2020 جراء تفشي فايروس كورونا، إضافة إلى اعتماد نظام التعليم عن بعد والذي تتفاوت فاعليته بين المدارس الخاصة والرسمية، إلى انقطاع 1.2 مليون طفل عن الدراسة. وهذا الأمر ينذر بكارثة في قطاع التعليم. كما شكل الفقر عائقاً حاداً أمام وصول الأطفال إلى التعليم، حيث تضطر العديد من العائلات إلى الاعتماد على الأطفال لتوفير الدخل.
بيروت – حذّرت منظمة “أنقذوا الأطفال” (سايف ذي تشيلدرن) الخميس من “كارثة تربوية” في لبنان، حيث يواجه الأطفال من الفئات الأكثر هشاشة خطراً حقيقياً بالانقطاع نهائياً عن التعليم على وقع انهيار اقتصادي فاقمته تدابير التصدّي لفايروس كورونا.
وفي تقرير حول أزمة القطاع التربوي في لبنان قالت المنظمة إنّ “الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في لبنان تتحوّل إلى كارثة تعليمية، بينما يواجه الأطفال الأكثر هشاشة خطراً حقيقياً يتمثل في عدم العودة إطلاقاً إلى المدرسة”.
ومنذ بدء تفشي فايروس كورونا قبل عام قدّرت المنظمة عدد الأطفال الموجودين خارج مدارسهم بأكثر من 1.2 مليون طفل. وقالت إنه في العام الماضي تلقّى الأطفال اللبنانيون تعليمهم خلال 11 أسبوعاً فيما تلقّى الأطفال السوريون اللاجئون معدلاً أدنى بكثير، جرّاء إقفال المدارس لأسباب عدة بينها حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الطبقة السياسية ثم تدابير الإغلاق جراء تفشّي كورونا.
وعمّق الانهيار المتمادي مستوى الفقر، حيث بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بينما يرتفع المعدل إلى سبعين وتسعين في المئة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين تباعاً.
ويشكّل الفقر، وفق التقرير، عائقاً حاداً أمام وصول الأطفال إلى التعليم، فيما لا تستطيع العديد من العائلات تحمّل تكاليف متطلبات التعلّم أو تضطرّ إلى الاعتماد على الأطفال لتوفير الدخل.
وكان لبنان في عداد أولى الدول التي فرضت إقفال المدارس في مارس 2020 إثر تفشّي الفايروس. وتمّ اعتماد نظام التعليم عن بعد الذي تتفاوت فاعليته بين المدارس الخاصة والرسمية.
وتجعل الأزمة الاقتصادية التعليم عن بعد خارج متناول الأطفال أكثر فأكثر، مع عدم قدرة عائلاتهم على تكبّد تكاليف الإنترنت على وقع تدهور سعر صرف العملة المحلية وفقدان عشرات الآلاف من السكان وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم.

جاد صقر: أغلب أطفال لبنان لا يملكون المال الكافي لشراء حاجاتهم الرئيسية
ونقل التقرير عن طفل يدعى آدم (11 عاماً) قوله إنه يتشارك مع شقيقتيه هاتفاً ذكياً لتلقّي دروسهم، ويتوجّب عليه الذهاب إلى منزل الجيران لاستخدام شبكة الإنترنت.
وقالت مديرة المنظمة في لبنان جينيفر مورهاد إنّ “تعليم آلاف الأطفال في لبنان معلّق بخيط رفيع”، وحذّرت من أنّ الكثير منهم قد لا يعودون إطلاقاً إلى مزاولة الدراسة، إمّا لأنه فاتهم الكثير من الدروس بالفعل أو لأن أسرهم لا تستطيع تحمل تكاليف إرسالهم إلى المدرسة.
وإلى جانب فقدانهم إمكانية التعلّم نبّهت المنظمة إلى أنّ الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أكثر عرضة لخطر الوقوع ضحية عمالة الأطفال وزواج القصّر وأشكال أخرى من الإساءة والاستغلال.
وحضّت الجهات المعنية على التحرّك بسرعة “لضمان عدم فقدان جيل كامل فرصة الحصول على التعليم” وعلى فتح المدارس متى أمكن ذلك.
وحذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” العام الفارط من خطر تهديد الجوع لحوالي مليون نسمة في منطقة بيروت جراء الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي أضرّت بالأمن الغذائي في بلد يعتمد بصفة كبيرة على استيراد كميات من المواد الغذائية.
وقالت إن “نحو مليون نسمة في منطقة بيروت لا يملكون المال الكافي لتأمين الطعام، أكثر من نصفهم من الأطفال المهددين بالجوع جراء الأزمة الاقتصادية المتمادية في لبنان”.
وقال مدير المنظمة بالوكالة في بيروت جاد صقر “سنبدأ بمشاهدة أطفال يموتون جوعاً قبل حلول نهاية العام الحالي”، وأضاف “تضرب الأزمة الجميع، العائلات اللبنانية كما اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء”.
وأشار إلى أن في بيروت الكبرى 910 آلاف شخص بينهم 564 ألف طفل لا يملكون المال الكافي لشراء حاجاتهم الرئيسية.
وفي سبتمبر المنقضي حذرت منظمة إغاثة من خطر تسرب الأطفال من المدارس بعد انفجار مرفأ بيروت.
ونبهت المنظمة إلى إمكانية توقف طفل واحد على الأقل من بين كل أربعة أطفال في العاصمة اللبنانية عن التعليم بعد أن تضررت 163 مدرسة جراء الانفجار.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان إن “أكثر من 85 ألف تلميذ كانوا مسجلين في المدارس التي تضررت من الانفجار، وسيستغرق إصلاح المباني الأكثر تضررا ما يصل إلى عام”.
وأضافت أنه “على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم تعمل بجد لإيجاد أماكن للأطفال في مدارس جديدة فإن الاضطراب الإضافي الذي سيحدثه هذا في حياتهم يعد سببا للقلق الشديد”.
وتابعت “سيضطر طلبة المدارس المتضررة إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مكان دراستهم الجديد، فضلا عن تكاليف النقل الإضافية وهو أمر لن تستطيع الأسر الفقيرة تحمّله”.
الأزمة الاقتصادية جعلت التعليم عن بعد خارج متناول الأطفال أكثر فأكثر، مع عدم قدرة عائلاتهم على تحمل تكاليف الإنترنت
وقالت اللجنة التي مقرها في نيويورك إن “السلامة والتحرش سيشكلان مصدر قلق كبير على الأطفال الذين يستخدمون وسائل النقل العام”.
وحذرت من أن هذه العوامل ستعرّض العديد من الأطفال لخطر التسرب من نظام التعليم خلال الأشهر المقبلة.
وأشارت إلى أن بطء وتيرة عملية إعادة الإعمار ومخاوف الأهالي بشأن كلفة وسلامة نقل أطفالهم إلى مدارس بديلة، فضلا عن إرسال أطفال إلى العمل لمساعدة عائلاتهم الفقيرة، قد تُبعد المزيد من التلاميذ عن مقاعد الدراسة.
وقال مدير اللجنة بالوكالة في لبنان محمّد ناصر “بشكل عام نتوقع أن نرى عدداً أقل بكثير من الأطفال الملتحقين بالمدارس في سبتمبر، ومعدل تسرب مرتفعا مع تقدم العام الدراسي”.
ولم تستقبل المدارس طلابها بشكل طبيعي منذ بدء تفشي فايروس كورونا المستجد. وسجّل لبنان أكثر من 35 ألف إصابة، بينها 340 حالة وفاة على الأقل إلى حدود فبراير الماضي.
وبدأ لبنان الأسبوع الحالي تلقيح المدرّسين، في خطوة تأمل وزارة التربية أن تشكّل خطوة “نحو العودة الآمنة للتعليم المدمج”.
