الانسحاب الأميركي من أفغانستان يذكي نار التوترات الإقليمية

الأفغان يخشون نشوب حرب تعيد ظهور المتطرفين.
السبت 2020/10/10
هل حان وقت الرحيل فعلا؟

أجّج قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات العسكرية من أفغانستان بحلول العام المقبل مخاوف الحكومة في كابول بشأن التداعيات الكارثية، التي سيذكيها صراع داخلي أطرافه معروفة، وهما السلطة وحركة طالبان، وربما سيمنح فرصة كبيرة لعودة تنظيم القاعدة وزيادة تحركات تنظيم داعش هناك، وهذا الأمر قد يزيد من منسوب التهديدات الإرهابية لمنطقة الشرق الاوسط.

كابول - تراقب أفغانستان، التي دخل أطراف النزاع فيها في مفاوضات سلام مشكوك في نجاحها، خروج القوات الأميركية، التي يناهز عددها 12 ألف جندي، بكثير من القلق بعد أن نادى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة عودتها إلى الولايات المتحدة بحلول نهاية العام الجاري.

وهذا القرار، الذي يشكل صدمة للمسؤولين الأفغان، بينما تقبلته حركة طالبان بكثير من التفاؤل والترحيب، بعد ساعات فقط من إعلان مستشاره للأمن القومي أن واشنطن ستخفض عدد قواتها في أفغانستان إلى 2500 بحلول أوائل العام المقبل.

وكان ترامب قد صرّح مرارا أنه ما كان يجدر مطلقًا ببلاده أن تتورط في أفغانستان من الأساس، وهنا تعكس وجهة نظره خيبة أمل عامة من قبل الكثيرين حول المشاركة الأميركية هناك منذ عقدين من الزمن، فلا أحد يحب الحروب التي لها بداية ولكن بلا نهاية.

وفي حال سحبت واشنطن جنودها، فمن المرجح أن يُطلق هذا الانسحاب سلسلة تفاعلات لدى القوات الدولية، التي لا تزال موجودة هناك، حيث أن هناك ما يقرب من 7 آلاف جندي آخرين من دول أوروبية ستغادر البلاد شأنهم شأن القوات التركية والأردنية والإماراتية التي كانت متمركزة في أفغانستان وغادرتها منذ فترة.

ويعتقد مراقبون أن الخطوة، التي كان أول من ساندها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ ستزيد من منسوب العنف في البلد الغارق في الحرب منذ عقود لاسيما وأن دولا إقليمية، وفي مقدمتها إيران وقطر، تعد من بين الرعاة الرسميين لحركة طالبان المناوئة للسلطة في كابول.

ولكن هذا المعطى قد يذكي التوتر أيضا من ناحية عودة ظهور تنظيم القاعدة، الذي أفل نجمه بشكل كبير بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، وربما أيضا تحفّز الخطوة الأميركية المرتقبة تنظيم داعش المتطرف لزيادة أنشطته، وبالتالي ستدخل الدولة صراعا دمويا سيمتد إلى الشرق الأوسط في حال ظهرت أجندات لأطراف فاعلة في الأزمة الأفغانية.

ارتباك وقلق

عبدالله عبدالله: الدولة لم تستعد بعد حتى تواجه بمفردها التحديات الأمنية
عبدالله عبدالله: الدولة لم تستعد بعد حتى تواجه بمفردها التحديات الأمنية

يبدو قلق كبير مفاوضي السلام الأفغان عبدالله عبدالله، الذي عبّر عن صدمته من كلام ترامب بشأن سحب القوات الأميركية من بلاده بحلول عيد الميلاد مفهوما للمراقبين والمحللين، إذ أن الدولة لم تستعد بعد لأن تواجه بمفردها التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية من الجماعات المتشددة.

ومن شبه المؤكد أن تنهار السلطة الأفغانية الحالية بقيادة أشرف غني، الذي يزور الدوحة لعقد مفاوضات مع مسؤولي حركة طالبان، في حال سحب المجتمع الدولي دعمه المالي الراهن أو وجد صعوبة كبيرة في توزيعه بسبب مشاكل متعلقة بالسلامة.

والترتيب الجديد يأتي بعد أن عانت أفغانستان حربا طويلة بدأت منذ أكتوبر 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده الولايات المتحدة بحكم طالبان، التي سيطرت على العاصمة كابول في 1996، وذلك لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه، في الولايات المتحدة.

ونص اتفاق تاريخي بين إدارة ترامب وطالبان في شهر فبراير الماضي على مغادرة القوات الأجنبية أفغانستان بحلول مايو 2021 مقابل حصولها على ضمانات بشأن مكافحة الإرهاب من طالبان، التي وافقت على التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار وصيغة لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.

وقبل ست سنوات حذّر قائد القوات الخاصة الأميركية السابق الأميرال وليام ماكريفن من أنه بالرغم من أن التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة المتشدد في شمال غرب باكستان “تراجع بشكل كبير” لكن انسحابا كاملا للقوات الأميركية من أفغانستان قد يسهل إعادة ظهوره.

وهذه التوصية أخذها الرئيس السابق باراك أوباما بعين الاعتبار لذلك علّق خططه المتعلقة بخفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى النصف بحلول نهاية عام 2016 على أن يبقي 8400 جندي هناك حتى نهاية فترة ولايته وسيترك لخلفه تحديد مسار ما بعد ذلك.

ولذلك فالأمر متروك لترامب اليوم لإنهاء هذه الورطة، غير أن الانتخابات الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل قد تعيد خلط الأوراق مرة أخرى في حال فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن، إذ أن الحرب لا تظهر أي بوادر على الانتهاء على الرغم من الاتفاق على انسحاب القوات الأميركية والمحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية.

فوهة بركان

توماس باركر: الخروج من البلاد سيولد جغرافية سياسية مجانية للجميع
توماس باركر: الخروج من البلاد سيولد جغرافية سياسية مجانية للجميع

يتذكر المراقبون التاريخ حينما صمدت الحكومة الأفغانية الموالية للاتحاد السوفييتي بعد انسحاب القوات السوفييتية في عام 1989، ولكنها انهارت بعد ثلاث سنوات بعد تفكك الاتحاد السوفييتي لتدخل الدولة في دوامة من الحرب الأهلية إثر ظهور جماعات جهادية استطاعت أن تسطير على العاصمة كابول.

وحال نشبت حرب أهلية جديدة سينشأ خط صدع رئيسي بين طالبان التي يسيطر عليها البشتون، والتحالف الشمالي ويتألف بالدرجة الكبرى من الطاجيك الذين يتحدثون بلغة مشتقة عن الفارسية في الغرب والشمال ومن الأوزبك في الشمال، والهزارة الشيعة ذوي الروابط بإيران في وسط أفغانستان.

ويعتبر التحالف الشمالي تجمّعًا ضعيفًا للقوى السياسية أكثر مما هو منظمة متماسكة، وهو يمثّل أكثرية بسيطة من السكان في حين أن البشتون يمثلون نحو أربعين في المئة وهم بالعادة أكبر مجموعة عرقية في البلاد.

ويقول توماس باركر، الأستاذ في دراسات الأمن في جامعة جورج واشنطن إنه مع انسحاب التحالف الدولي، فمن المحتمل أن تكون هناك جغرافية سياسية متاحة مجانا للجميع في أفغانستان مع قوى خارجية تسعى إلى زيادة نفوذها كما حصل في تسعينات القرن الماضي.

وأوضح باركر، الذي تقلد مناصب سياسية مهمة طيلة ثلاثة عقود، أنه ربما تفضل إيران دعم الطاجيك والهزارة وستدعم تركيا الأوزبك وروسيا والهند وبقية جمهوريات آسيا الوسطى وربما حتى الولايات المتحدة قد تدعم جميع أطراف التحالف.

وذكرت تقارير أممية كثيرة فضلا عن مذكرات صادرة عن وكالات استخبارات غربية أن العلاقة لا تزال وطيدة بين طالبان وبالأخص شبكة حقاني التابعة لها وتنظيم القاعدة، وأشارت تحديدا إلى أن العلاقة تستند على “الصداقة وتاريخ مشترك من النضال والتعاطف الأيديولوجي وأيضا النسب”.

ومن المحتمل أن ينشط الإرهابيون الذين يعيشون حاليا في مكان آخر في العالم الإسلامي وفي الغرب، حيث أنه من الممكن أن يروا في أفغانستان مكانا جديدا يتهافتون إليه، ربما للانضمام إلى فرع داعش في أفغانستان (ولاية خراسان) أو للانتقال إلى المناطق الخاضعة لحكم طالبان من أجل تلقّي التدريب والتلقين العقائدي.

وسيكون هذا السيناريو تكرارا لما حصل في أواخر تسعينات القرن العشرين حين غادر بن لادن السودان وأنشأ معسكرات تدريب في جنوب أفغانستان في ظل حكم طالبان.

6