الانتقام من المعالم الأثرية.. ظاهرة تجد من يبررها في الجزائر

الاعتداء على  جدارية المرأة النايلية يعيد الجدل حول موقف نمطي في مخيال قطاع من الجزائريين تجاه المعالم التراثية والفنية.
السبت 2022/04/30
ممارسات استعمارية

الجزائر- تحولت حوادث الاعتداء على معالم أثرية إلى ظاهرة بعد أن تكررت تلك الحوادث عدة مرات خلال السنوات الماضية، وهو ما يثير استغرابا بشأن دوافع هذه الاعتداءات التي تعكس نقمة غير مفهومة يبررها بعض المحللين بارتباط تلك المعالم بفترة الاستعمار الفرنسي.

وأثار الاعتداء على  جدارية المرأة النايلية في مدينة الجلفة بالهضاب العليا الجزائرية موجة من الغضب والاستياء لدى نخب محلية ورأي عام، وعاد معه الجدل حول موقف نمطي في مخيال قطاع من الجزائريين تجاه المعالم التراثية والفنية، والذي ارتبط في الغالب بنوازع دينية تذهب إلى تحريم ذلك واعتباره مظهرا من مظاهر الشرك.

وكان رجل ملتح محسوب على التيار السلفي قد قام قبل نحو أربع سنوات بتخريب تمثال عين الفوارة بمدينة سطيف في شرق البلاد أمام الملأ.

وأثار الموقف حينئذ حالة من التنافر بين قطاع مستنكر يعتبر التمثال جزءا من الذاكرة المحلية وأن الحياء والحشمة الدينية لا تجسدهما تماثيل صماء بقدر ما يمثلهما البشر أنفسهم، والإسلاميين المتشددين المحسوبين على التيار السلفي تحديدا، الذين أيدوا تخريب التمثال الذي ينظر إليه على أنه رمز للشرك.

أحمد عبدالكريم: الفعل بقدر ما هو مرفوض وكان يمكن التعبير بأسلوب أكثر تحضرا، إلا أنه ينطوي على وعي خفي بما أريد للمرأة النايلية

وأجمعت التعاليق المنددة بتخريب جدارية المرأة النايلية في مدينة الجلفة على رفض تمدد التطرف داخل المجتمع، ودعت إلى ضرورة انفتاح العقول على الفن كوسيلة لترقية الذوق وتكريس قيم الجمال، وليس لربطه بالغريزة الحيوانية وإضفاء الطابع البهيمي عليه.

ويرجع محللون جزائريون موجة التحرش بالتماثيل والمعالم الفنية والتراثية في الجزائر إلى مواقف وأحداث تاريخية وظفت من طرف الاستعمار لغير صالح الجزائريين، ومنها الصورة النمطية المتداولة للمرأة النايلية التي أخذت في الغالب من صور فوتوغرافية، وقُدمت فيها بملامح بدائية ومتخلفة.

وقال الكاتب أحمد عبدالكريم، في منشور له على صفحته بموقع فيسبوك، “الفعل بقدر ما هو مرفوض وكان يمكن التعبير بأسلوب أكثر تحضرا، إلا أنه ينطوي على وعي خفي بما أريد للمرأة النايلية، التي كانت ضحية الاستشراق الكولونيالي. ولا أظن أن أحدا يريد للممارسات الاستعمارية أن تتكرر وتمتد بأيدي جزائرية لا تدرك جذور الصورة”.

وأضاف “لقد أنجزت منذ سنوات بجامعة الجلفة مذكرة ماجستير عنوانها ‘صورة المرأة النايلية في الفن الاستشراقي – دراسة سيميولوجية في لوحة أولاد نائل’، للفنان نصرالدين دينييه، وأنا أدرك حجم الظلم الذي لحق بصورة المرأة النايلية ورأيت أنه من واجبي تقديم هذا التوضيح تنويرا لمن لا يدركون أبعاد القضية”.

ولفت إلى أن “الصورة التي رسمها الرسام الموقع باسم “أكرم آر 17″ في جدارية الجلفة هي نسخة من الصورة الفوتوغرافية المشهورة للمصور لونري لاندريك، التي التقطها لفتاة من أولاد نايل عام 1905، ولذلك أفترض أن من قام بتشويه الصورة ليس من خرب الجدارية وإنما من رسم جدارية تحمل حكما نمطيا للاستعماريين الفرنسيس على المرأة النايلية، والتي سعت فرنسا لغرسها وترسيخها في مخيال الجميع، وبكل الوسائل”.

وذكر أن “جذور تلك الصورة الذهنية تحولت إلى صورة نمطية، أو بتعبير رولان بارت ‘أسطورة’ صنعها المستشرقون للمرأة النايلية من أجل إرضاء المخيلة الغربية الباحثة عن الغريب والعجائبي، وأن أسطورة المرأة النايلية هي في الأصل صناعة أسهمت فيها بدرجة كبيرة سلطات الاحتلال الفرنسي، الذي وصل ابتداء من 1850 إلى الصحراء، بعد مقاومة شرسة”.

وتابع “من أجل إغراء الجنود وإلهائهم عمل الاستعمار على تشجيع بعض ممارسات الدعارة، كما أنشأ في كل مدن الجنوب فرقا للرقص، وراح يثير مخيلة هؤلاء الجنود من خلال إشاعة أن نساء أولاد نايل ينحدرن من أصول هلالية، وأنهن يتميزن بجمال خارق، وهو ما جسدته صناعة استشراقية أسهم فيها الفنانون والمصورون الفوتوغرافيون والكتاب والأدباء، وكانت كلها تصب في نفس النظرة”.

1