الاستسهال يُطيح بأحلام المصريين لإنجاز أفلام رعب بمواصفات عالمية

فيلم "الحارث" للمخرج محمد نادر.. غواية الشيطان محكومة بموافقة الإنسان وقبوله.
الاثنين 2020/08/31
طرح خال من الواقعية

حاولت السينما المصرية مرات كثيرة أن تُدخل ثيمة الرعب إلى شاشتها، حيث قام الفنان يوسف وهبي في أربعينات القرن الماضي ببطولة فيلم “سفير جهنم” وتأليفه وإخراجه حيث تعرّض للعلاقة بين الإنسان والشيطان. وتكرّرت المحاولات والتجارب لكنها لم تحظ بالنجاح الكافي، ليظهر فيلم “الحارث” أخيرا ساعيا إلى إعادة التجربة من جديد.

العلاقة بين الإنسان والشيطان من الأدوات المفضلة لصناع أفلام الرعب في مصر، ربما لكونها تشكل هاجسا لدى قطاعات واسعة لا تستطيع أن تجد لها تفسيرا مقنعا أو واضحا تعزّز به رغبتها في طرق هذا الباب.

تكرّرت التجارب المستندة إلى الأسلوب ذاته في أفلام، أشهرها “موعد مع إبليس” الذي قام ببطولته الفنان محمود المليجي والفنان زكي رستم، وفيلم “الإنس والجن” الذي قام ببطولته الفنان عادل إمام والفنانة يسرا.

أسباب عدة اعتبرها صناع السينما عوائق تحول دون إنتاج أفلام رعب عربية مصحوبة بمستوى عالمي، ربما كان ضعف التقنيات والمؤثرات المستخدمة وما تتطلبه تلك النوعية من الأفلام من إنتاج ضخم أبرزها،  وهو ما دفع صُناع فيلم “الحارث” إلى الاستعانة بخبرات من هوليوود لتصويره.

بيد أن عدم توافر كتّاب يجيدون كتابة سيناريوهات محكمة ومنطقية تستطيع جذب المشاهد وتقنعه كان سببا ثانيا أفقدته تسليط الضوء عليه بدرجة كبيرة، وهو إحدى المشكلات الرئيسية التي يمكن معاينتها في فيلم “الحارث” الذي عُرض مؤخرا على منصة “شاهد” الإلكترونية.

ينتمي الفيلم إلى فئة أفلام الرعب والإثارة والتشويق، وقام ببطولته أحمد الفيشاوي، وياسمين رئيس، وعلي الطيب، وكتب له السيناريو والحوار محمد إسماعيل أمين، وأخرجه محمد نادر.

كتابة الرُعب

يستند الفيلم إلى قصة حقيقية أضيفت إليها تفاصيل تُعزّز من حالة الإثارة والغموض، تبدأ الأحداث في واحة سيوة الواقعة في صحراء مصر الغربية، من خلال صوت يروي أسطورة “الحارث”، وهو الشيطان الذي ينزل في ليلة محددة من كل عام ليختار معشوقته التي ينجب منها نسلا يحرث الفساد في الأرض، ويعرض المشهد الأول الذي يدور في الثمانينات من القرن الماضي تحقّق تلك الأسطورة والتي نجمت عنها ولادة طفل من نسل شيطاني.

تنتقل الأحداث إلى العام 2012 إذ يزور الزوجان يوسف وفريدة (الفنان أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس) واحة سيوة لقضاء شهر العسل، وتُروى لهم تلك الأسطورة عن ليلة يغيب فيها القمر، لأنها ليلة يبحث فيها إبليس عن معشوقته.

الفيلم يشدّد على فكرة أن حدود علم الإنسان تظل ضئيلة
الفيلم يشدّد على فكرة أن حدود علم الإنسان تظل ضئيلة 

تحدث للبطلة مواقف غامضة لا تتوقّف أمامها لتنتهي فترة الإقامة بالمكان والانتقال إلى منزلهما في القاهرة، حيث تأتي الأحداث بعد مرور سنوات، في العام 2019، بعيادة الطبيب للسؤال عن سبب عجز ابنهما عن الكلام رغم سنوات عمره السبع وعدم وجود مشاكل عضوية لديه.

تتوالى الأحداث بعد ذلك كاشفة عن مشكلات وعدم تفاهم بين الزوج وزوجته وأصوات يتبعها الطفل حتى يلقى حتفه، لتُحمِّل الزوجة زوجها مسؤولية وفاة ابنهما، وتعيش حالة من الاضطراب تتعاظم مع ما تشاهده من مواقف وأشياء لا تستطيع تفسيرها، ولا يرى الزوج فيها سوى حالة من الاضطراب النفسي.

يتغيّر موقفه لاحقا ليؤمن بأن ثمة بعدا ميتافيزيقيا تسبّب في تلك الحوادث التي يمران بها، وأن الأسطورة التي ألقيت على مسامعهما منذ سنوات تتحقّق في حياتهما.

يروم الفيلم التعرّض لقضية إشكالية أزلية وهي حدود تأثير الشيطان على مسارات الإنسان واختياراته، ليؤكّد أن غواية الشيطان محكومة بموافقة الإنسان وقبوله، وستظل موجودة ومتزامنة مع وجود الإنسان على الأرض، لكنها تبقى محكومة بالخيارات الإنسانية، كما أن الفيلم وعبر شخصية البطل (الفيشاوي) يشدّد على فكرة أن حدود علم الإنسان تظل ضئيلة مقارنة بما لا يعرفه من أسرار الوجود.

المشكلة التي يمكن ملاحظتها منذ المشاهد الأولى في الفيلم والتي تتزايد في نصفه الثاني وحتى نهايته هي الحوار المهترئ بدرجة تجعل مشاهد الفيلم يخرج عن حالة الاندماج مع قصته ليركّز على منطقية الجمل الحوارية المستخدمة في بعض المواقف، لاسيما تلك المواقف التي تتطلب درجة عالية من الانفعال النفسي، وربما الانهيار، غير أنها جاءت في شكل حواري بارد وأجوف، فضلا عن أن السيناريو ضعيف وفشل في حياكة قصة محكمة ومتماسكة من الأسطورة التي بدأ بها الفيلم.

حبكة فنية مهترئة

الإضاءة الخافتة التي عزّزت من الإحساس بمقصد الرعب
الإضاءة الخافتة التي عزّزت من الإحساس بمقصد الرعب

لا تقدّم أجواء الرعب من خلال حبكة الفيلم، بقدر ما يتم التأكيد عليها من خلال الموسيقى والمؤثرات الصوتية والإضاءة، التي استخدمت أحيانا بشكل مكثّف دون داع درامي بغية الإيحاء بحالة الرعب رغم أن الحدث ذاته لا يثير الرعب، كما أن الإضاءة الخافتة التي عزّزت من الإحساس بمقصد الرعب في بداية العمل قد استخدمت بشكل متواتر في كل الأحداث تقريبا داخل المنزل دون داع.

يمكن ملاحظة العديد من المشكلات في حبكة الفيلم، فإن كانت صورة الشجرة مع الثعبان استخدمت كمعادل مرئي بشكل جيد يعبر عن بداية غواية الشيطان للبشر واستمرارها في الحاضر والمستقبل، إلاّ أن التفاصيل الخاصة بالشخصيات الرئيسية تُستغل سينمائيا ويعاد التأكيد عليها في أكثر من حدث بشكل سطحي ورتيب.

كما أن شخصية صديقة البطلة التي تتنبأ في أحلامها بما يحدث لصديقتها وتموت في حادثة في نهاية الفيلم تمثل استسهالا في الكتابة، وانتفاء للمنطقية في صياغة حبكة الفيلم وشخصياته، فضلا عن أن شخصية الشيطان كمال (الفنان علي الطيب) لم تُمنح لها مساحة واسعة رغم أن موضوع الفيلم هو الشيطان “الحارث”.

بالنسبة للتحوّ ل الدرامي داخل الفيلم، والمفترض أن البطل مرّ به، وهو تغيّر قناعاته من إيمان مطلق بالعلم وقدرته الكاملة على تفسير الأمور، فإنه ولّد قناعة بأن ما لا نعرفه أكثر بكثير ممّا نعرفه، وحدث بشكل ساذج وسريع وغير مبرر دراميا، كذلك الأحداث التالية جاءت متسارعة وغير مترابطة، وبدا فيها كأن الكاتب يريد أن يضع نهايته دون عناية بتأسيس منطقي لأحداث الفيلم.

ولأن الأسطورة تروى في بداية الفيلم ثم تتأكّد في مشاهده الأولى فإن درجة الغموض في الفيلم لم تكن مرتفعة، إذ يستطيع المشاهد أن يتنبأ بمعظم ما سيحدث لاحقا، لكن المخرج اجتهد في تقديم أجواء الرعب والإثارة من خلال الحركات السريعة للكاميرا واختيار زوايا تصوير يمكن من خلالها تحقيق الإثارة والفضول، والتعبير عن الاهتزاز والرعب النفسي عبر لقطات قريبة للممثلين.

ولأن تقديم فيلم رعب ناجح لا يقوم فقط على جودة المؤثرات أو الموسيقى، فإن الخلل في السيناريو وضعف الحوار والأداء التمثيلي الضعيف لبطل الفيلم أحمد الفيشاوي الذي جاء خاليا تقريبا من الانفعالات ومستندا إلى طبقة صوتية رتيبة لا تتغيّر، كل ذلك جعل الفيلم غير مقنع على مستوى قصة الرعب أو الإثارة النفسية.

17