الاستحقاق الرئاسي يحيي الاستقطاب بين الرئاسة والعسكر في الجزائر

إقالة عبدالغني هامل تثير تساؤلات حول خلفية هذه الخطوة وتداعياتها، ومراقبون يجمعون على أن حسابات سياسية بين مؤسسة الرئاسة والجيش وراء هذا القرار.
الأحد 2018/07/01
اقالة هامل تعني نهاية عهد الانسجام بين مؤسسات الدولة

الجزائر - يتطلع الرأي العام الجزائري بترقب شديد إلى ما سيسفر عنه الحراك المتصاعد في كواليس السلطة، بعد تنحية مدير الأمن السابق الجنرال عبدالغني هامل، واشتعال حرب التسريبات عن حركة تغييرات واسعة وعميقة داخل مفاصل الحكم، لإعادة رسم وترتيب المشهد السياسي الداخلي، مع بداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية، بشكل يوحي بأن حرب الأجنحة التي لبست ثوب الحرب على الفساد مرشحة لأن تأخذ أبعادا حاسمة في المدى القريب.

وأعادت تجليات تنحية مدير الأمن السابق عبدالغني هامل، وهو المحسوب على الرئيس بوتفليقة، الحديث مجددا عن صراع الرئاسة والعسكر، خاصة وأن الرسائل المستشفة من تصريح هامل صبيحة صدور قرار الإقالة، ومن قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح في مدينة وهران، توحي بأن سيرورة المنظومة الحاكمة أفضت إلى ثنائية جديدة (الرئاسة والجيش)، بعد أن ساد الاعتقاد في السنوات الأخيرة، بأن الصراع المذكور قد ولى وصار من الماضي، تحديدا منذ تنحية مدير الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين من طرف بوتفليقة عام 2015.

ويرى مراقبون أن الانزلاق الذي حدث، الثلاثاء الماضي، هو سابقة في تاريخ السلط المتعاقبة على حكم الجزائر منذ الحصول على الاستقلال الوطني في يوليو 1962، فلم يحدث أن وجه مسؤول سام في الدولة انتقادات خطيرة إلى مؤسسة أو مسؤولين آخرين أمام عيون وسائل الإعلام، ولو أن الرجل حاول تدارك الموقف مع التدخل لدى بعض الصحافيين لعدم نشر أو بث ما ورد على لسانه في تصريحه المثير للجدل.

واعتُبرت مقولته “من يحارب الفساد عليه أن يكون نظيفا” بمثابة الفتيل الذي أخرج الصراع بين مؤسسة الأمن المحسوبة على جناح الرئاسة، وبين مؤسسة الجيش إلى العلن، وكشفت نهاية عهد الانسجام بينهما، فقد انطوت المقولة على اتهام مبطن للمؤسسة العسكرية ولمصالح الاستعلامات والدرك، التي تضطلع بمهمة التحقيق في قضية شحنة الكوكايين المحجوزة منذ مطلع شهر يونيو في ميناء مدينة وهران، بعدم نظافة اليد، وهو ما رد عليه الجنرال قايد صالح بالقول “إن الجيش أنقذ الشعب الجزائري من تفريغ حمولة من السموم في البلاد”.

من المتوقع سقوط بعض الأسماء والضباط السامين في الجيش، وفق اعتبارات تعيد الاعتبار لنفوذ الرجل القوي في المؤسسة الجنرال قايد صالح

ويرى المحامي والناشط الحقوقي بوجمعة غشير، أن “الجنرال هامل ذهب ضحية اعتقاد خاطئ لديه، وهو أن الجيش قد جُرد من صلاحية الضبطية القضائية ومن التحقيقات في ملفات الفساد والجريمة المنظمة، بموجب التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على المؤسسة العسكرية والاستخبارات، وأن الأمن هو الجهاز المخول بالنظر في هذه الملفات، وما أحرجه هو استدعاء الاستعلامات والدرك بعض مستخدمي الجهاز للتحقيق”.

ولم يكن أكبر المتشائمين في معسكر الرئاسة، يفكر في أن يقدم الرئيس بوتفليقة على إقالة أحد أكبر المقربين منه وذراعه القوية في مؤسسة الأمن، في سيناريو مشابه لقرار تنحية وزير النفط السابق شكيب خليل، العام 2010، ما يوحي بتجدد القبضة الحديدية بين مؤسستي الرئاسة والجيش، على خلفية حسابات سياسية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية المنتظرة في أبريل المقبل، وإلى أن الرئيس يكون قد اضطر إلى التضحية بعبدالغني هامل كما ضحى بشكيب خليل، تحت ضغط جناح العسكر تحت يافطة الحرب على الفساد.

ووصف الرجل الذي عين على رأس الأمن الوطني العام 2010، خلال مسيرته بالجنرال “القوي والنافذ”، ويقدم أحيانا كخليفة للرئيس بوتفليقة في انتخابات 2019، وعكف مذاك على إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية وتطويرها بشريا ولوجيستيا، من أجل تحقيق توازن النفوذ مع المؤسسة العسكرية.

وأفضت التسريبات التي تتحدث عن ضلوع إطارات سامية في مؤسسات مدنية وعسكرية وفي جهازي الأمن والقضاء والإدارة، في فضيحة الكوكايين إلى جرائم أخرى متصلة بها، تتعلق بالعقار وتبييض الأموال والرشاوى، مما يقطع  الطريق أمام الموالاة السياسية التي شرعت منذ أسابيع في حملة الولاية الرئاسية الخامسة، وتفتح المجال أمام ترتيبات جديدة ستتجسد في قرارات وتغييرات مهمة في هرم السلطة خلال الأيام القليلة المقبلة.

وذكرت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن “حملة الترقيات والإقالات والإحالة على التقاعد التي اعتاد عليها الرأي العام المحلي في المؤسسة العسكرية بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو، ستكون العنوان الأكبر لإفرازات الحراك المتصاعد في البلاد، بحيث يرتقب ترتيب سقوط بعض الأسماء والضباط السامين في الجيش، وفق اعتبارات تعيد الاعتبار لنفوذ الرجل القوي في المؤسسة الجنرال قايد صالح”.

وأضافت المصادر أن “العملية ستقابلها حملة موازية في مختلف المؤسسات المدنية، وأن تعيين مدير الحماية المدنية العقيد مصطفى لهبيري خلفا للهامل، هو قرار ظرفي، قبل عودة مرتقبة لضابط سابق في مديرية الأمن لقيادة الجهاز، بعد أن أبعد من طرف الجنرال هامل، الذي رتب محيطه منذ مظاهرات الشرطة 2013 وفق قواعد الولاء والطاعة”.

ويبقى مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية بين الأجنحة المتصارعة، وأن الإجماع حول الولاية الخامسة، قد أصيب بانتكاسة تخلط أوراق الموالاة السياسية والدوائر الداعمة لها، لا سيما وأن التطورات الأخيرة أثبتت أن المؤسسة العسكرية سيكون لها رأيها في الموضوع، بعدما ساد الاعتقاد أن الموالاة السياسية وجناح الرئاسة قد ينفردان بالملف ويحسمان فيه.

2